تحاول الجزائر التهدئة وتجنب التصعيد مع الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك لا يبدو أنه سيرضي الاتحاد الذي يريد تراجعا تاما من الجزائر عن الخطوات التي أعلنت عنها تجاه إسبانيا، وخاصة قرار وقف التعاملات التجارية واستهداف مصالح الشركات الإسبانية.
يأتي هذا في وقت تقول فيه مصادر سياسية جزائرية إن الاستشارة الدبلوماسية التي قدمت للرئيس عبدالمجيد تبون كانت قاصرة وإنها لم تقدّر أبعاد الدخول في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي، ما جعل الجزائر في ورطة لا هي قادرة على الاستمرار في موقفها ولا هي قادرة على التراجع.
واعتبرت الأوساط السابقة أن الجزائر إذا استمرت بالمقاطعة ووقف التعامل التجاري مع إسبانيا، فإن عليها مواجهة غضب أوروبي قد لا يقف عند البيانات والتصريحات وقد يمر إلى خطوات عملية للرد على التصعيد الجزائري باستهداف المزايا التي تتيحها الشراكة مع الاتحاد الأوروبي للجزائر.
وأضافت أنه إذا أعلنت الجزائر عن التراجع، فإن الموضوع سيبدو سوء تقدير مبنيّ على انفعالات ويعرّض موقف الجزائر للسخرية في الداخل والخارج، محذرة من أن الاستمرار في المكابرة قد يوصل الجزائر إلى طريق مسدود، وأن النظام يمكن أن يجد صيغة للتراجع تحفظ ماء الوجه من خلال البحث عن وسيط.
الجزائر إذا استمرت بالمقاطعة، فإن عليها مواجهة غضب أوروبي قد لا يقف عند البيانات والتصريحات
ومنذ تدخل الاتحاد الأوروبي في الموضوع، عمد المسؤولون الجزائريون إلى التهدئة في التصريحات واعتبار أن القضية لا تستدعي هبّة جماعية أوروبيا، ومشددين خاصة على أن إمدادات الغاز لا تدخل في إجراءات المقاطعة لمعرفتهم بحساسية الموضوع لدى أوروبا التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي ولن تقبل بأيّ شكل أن تمارس دولة أيا كانت أسلوب الابتزاز.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في بيان لها إن الجزائر ستفي بجميع التزاماتها المتعلقة بتوريد الغاز إلى إسبانيا، مذكرة بأن الجزائر أعلنت بالفعل على لسان رئيس الجمهورية أنها ستواصل الوفاء بكل التزاماتها.
وعبّرت البعثة الجزائرية لدى المفوضية الأوروبية عن أسفها إزاء ما أسمته تسرع المفوضية الأوروبية في الرد على قرارها بتعليق معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وهو ما يؤكد أن الجزائر قد فوجئت بحجم التضامن الأوروبي مع مدريد.
وذكر بيان البعثة الجزائرية بأن “مفوضية الاتحاد الأوروبي ردت دون تشاور مسبق ولا تحقق من الحكومة الجزائرية، بخصوص تعليق معاهدة سياسية ثنائية مع بلد أوروبي هو إسبانيا”.
ورأت البعثة بأن “رد المفوضية الأوروبية جاء دون تأكد من أن هذا الإجراء لا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر بالتزامات الجزائر الواردة في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي”.
ولفت البيان في سياق الحديث عن “إمدادات الغاز إلى إسبانيا”، بأن “الجزائر أكدت على لسان أعلى سلطة في البلاد، ممثلة في رئيس الجمهورية (تبون)، أنها ستستمر في الوفاء بجميع التزاماتها التي تعهدت بها في هذا الشأن”.
وفي الوقت الذي كان فيه النظام الجزائري يعتقد أن إلغاء معاهدة الصداقة هو بمثابة عقاب لإسبانيا على تغيير موقفها من موضوع الصحراء ودعمها مقاربة المغرب للحكم الذاتي الموسّع، فإنه لم يتوقع ردة الفعل الأوروبية السريعة، والتي تكشف عن تضامن غير محدود مع مدريد، وهو تضامن يفرضه نظام الاتحاد الأوروبي.
وحذر الاتحاد الأوروبي الجزائر الجمعة من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا، ملوّحا بأنه “مستعد لمعارضة أيّ نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو”.
وفي بيان مشترك، اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس أن هذا القرار “مقلق للغاية”.
وأضاف البيان “نقيّم تداعيات الإجراءات الجزائرية” ولاسيما التعليمات الصادرة إلى المؤسسات المالية “لوقف المعاملات بين البلدين والتي يبدو أنها تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، خصوصا في مجال التجارة والاستثمار”.
وأكد المسؤولان الأوروبيان بعد اجتماع في بروكسل مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن “هذا من شأنه أن يؤدي إلى معاملة تمييزية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ويضر بممارسة حقوق الاتحاد بموجب الاتفاقية”.
وختم بوريل ودومبروفسكيس بأن “الجزائر شريك مهم للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط وفاعل رئيسي في الاستقرار الإقليمي. ونأمل أن يتم باسم شراكتنا القوية وطويلة الأمد، إيجاد حل سريع لاستعادة العلاقات التجارية والاستثمار بشكل كامل”.
إذا أعلنت الجزائر عن التراجع، فإن الموضوع سيبدو سوء تقدير مبنيّ على انفعالات ويعرّض موقف الجزائر للسخرية في الداخل والخارج
وقال وزير الخارجية الإسباني “سندافع بقوة عن شركاتنا ومصالح إسبانيا التي هي أيضًا شركات أوروبية” والتي تحمل “مصالح الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف أنه في حين أن حلّ الخلاف “بيد المفوضية” فإن “رغبة إسبانيا هي أن يتم حله في أقرب وقت ممكن عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية العادية”.
ويعتقد المراقبون أن توقيت تصريحات المسؤولين بالاتحاد الأوروبي مع وزير الخارجية الإسباني قد نجح في الضغط على الجزائر لتفصل بين أدوات إدارة الخلاف السياسي وبين الاتفاقيات الاقتصادية التي لا ترتهن للأمزجة الشخصية لأيّ جهة كانت.
وسئلت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا في مقابلة مع إذاعة “أوندا سيرو” عما إذا كانت واثقة من أن شركة سوناطراك الحكومية ستواصل احترام عقودها مع مدريد، أجابت قائلة “العلاقات التجارية القائمة بين سوناطراك التي تبيع الغاز والشركات الإسبانية التي تشتري الغاز علاقات تعاقدية وتجارية وأنا على ثقة من أنها ستبقى كما هي”.
وأضافت “إذا لم يكن الأمر كذلك، فستكون تلك مشكلة مختلفة وأكثر تعقيدًا سيتم حلها، ليس من خلال الدبلوماسية ولكن ربما من خلال التحكيم أو المحاكم. في الوقت الحالي، لديّ ثقة كبيرة”.
وأشارت ريبيرا إلى “عملية معقدة لمراجعة الأسعار بين الموزع الجزائري والمشترين الإسبان”، مضيفة “لا شيء يجعلنا نعتقد أن هذا يمكن أن ينهار من جانب واحد بسبب قرار للحكومة الجزائرية”.