الجزائر توقف الاستيراد من إسبانيا.. والسفير بلاني يتهم المغرب بشن “حرب قذرة”على جواره
اردان ماجدة
بلغ التصعيد ذروته بإعلان الجزائر وقف معاملات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا، في سياق أزمة غير مسبوقة بين البلدين، إثر تغيّر موقف حكومة مدريد من قضية الصحراء المغربية باتجاه دعم المقترح المغربي. وفي غضون ذلك، وجّه السفير عمار بلاني اتهامات للرباط بشن حرب قذرة على جواره، مستندا في ذلك إلى تقارير استخباراتية إسبانية.
مباشرة بعد إعلان الرئاسة الجزائرية تعليق العمل بمعاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا الموقعة في أكتوبر 2002، أصدرت الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، تعليمة تمنع بموجبها البنوك الجزائرية من إجراء عمليات التوطين البنكي لكل المعاملات التجارية مع إسبانيا المتعلقة بالسلع والخدمات. ووجهت التعليمة مدراء البنوك بضرورة التقيد بهذا القرار عبر اتخاذ كامل الإجراءات التي تسمح بحسن تطبيقه على مستوى مصالح البنوك.
واللافت في هذا القرار أنه يشمل استيراد وتصدير السلع والخدمات، في حين لا يشير إلى موضوع الطاقة الحساس، ولا يوجد لحد الآن ما يوحي أن الجزائر ستوقف تصدير الغاز لإسبانيا. وكان الرئيس عبد المجيد تبون في هذا الصدد، قد أكد، في حوار له قبل أسابيع، أن الجزائر في خلاف مع الحكومة الإسبانية، مطمئنا بأن الشعب الإسباني لن يمس، وستبقى الجزائر وفية لالتزاماتها التعاقدية فيما يخص تصدير الغاز.
لا يُستبعد رفع سعر الغاز المصدر نحو إسبانيا دوناً عن باقي زبائن الجزائر.
ويبدو المتضرر الأكبر من قرار وقف التصدير والاستيراد إسبانيا، فالجزائر تعد من أكبر المستوردين للسلع والخدمات من هذا البلد بنحو 2.5 مليار دولار سنويا في الفترات العادية التي سبقت الوباء. وبالمقابل، تتشكل الصادرات الجزائرية أساسا لإسبانيا من المواد الطاقوية بنحو 3 مليار دولار سنويا، في حين لا تستطيع مدريد الرد بوقف الاستيراد من الجزائر، لأن الغاز، خاصة في الظرف الدولي الراهن، أصبح سلعة استراتيجية نادرة، ناهيك عن كون الحصة الجزائرية في واردات إسبانيا من الغاز تقترب من 30 بالمائة، وهي نسبة يستحيل تعويضها في ظرف وجيز. وبذلك تكون الجزائر قد استغلت ورقة ضغط رابحة في معادلة الأزمة الراهنة بين البلدين.
ولا يستبعد، وفق ما سبق لمدير شركة سوناطراك الجزائرية التصريح، بأن يتم رفع سعر الغاز المصدر نحو إسبانيا دوناً عن باقي زبائن الجزائر. وتؤكد وسائل إعلام إسبانيا أن العلاقة باتت باردة بين شركات الطاقة الإسبانية وسوناطراك الجزائرية، حيث لا يوجد تعاون خارج إطار تصدير الغاز عبر الأنبوب الرابط بين البلدين عبر البحر، مع احتمال رفع السعر في المفاوضات التي ستجري بين الجانبين.
وتعتقد الجزائر التي أبدت ردود فعل غاضبة على تحول الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية منذ مارس الماضي، أنها تعرّضت للخيانة من قبل مدريد، إذ تنص معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار المعلقة، على تمسك البلدين بالشرعية الدولية، والتأكيد على أن ضرورة احترامها تحت أي ظرف يعد عملا جوهريا للحفاظ على السلم والأمن في العالم وترقية الثقة والتعاون بين الدول”. وفي هذا الإطار، تؤكد الجزائر على أن الموقف الإسباني يعد تنصلا عن الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتصفية الاستعمار وتقرير المصير في الصحراء الغربية.
وفي سياق الأزمة الحالية بين الجزائر ومدريد، اتهم المبعوث الخاص المكلف بمسألة الصحراء المغربية ودول المغرب العربي في الجزائر، عمار بلاني، الرباط باستعمال أساليب غير أخلاقية وحرب قذرة على دول الجوار، على حد قوله.
وأوضح الدبلوماسي بوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أن “التقارير السرية المُصنفة للمركز الوطني الإسباني للاستخبارات تثبت ما فتئنا نؤكده دائماً”، ألا و هو أن المغرب “لا يبالي بالاتفاقيات الدولية ولا بالممارسات الحميدة التي تحكم العلاقات بين الدول”. وأبرز أن “كل الأساليب الدنيئة التي يلجأ إليها النظام المغربي “دون حياء أو خجل” في “الحرب القذرة” التي يشنها على دول الجوار، على غرار التجسس المؤكد من خلال البرمجية الصهيونية “بيغاسوس” واستعمال الهجرة المكثفة كوسيلة ضغط على اسبانيا والتهديدات والدعم السياسي والمالي واللوجستي للجماعات الإرهابية تعتبر كلها وسائل “غير أخلاقية”.
السفير بلاني يتحدث عن تهديدات بتنشيط الخلايا الإرهابية النائمة في بعض الدول الأوروبية والدعم السياسي والمالي واللوجستي للجماعات الإرهابية الجزائرية.
وأضاف بلاني لقائمة ما سماها الوسائل اللاأخلاقية المستعملة “التنصت المؤكد على اتصالات شخصيات هامة أجنبية عن طريق برمجية التجسس بيغاسوس (في الجزائر وفرنسا وإسبانيا…)، إلى جانب التضييقات الإعلامية والقضائية التي تقف وراءها مكاتب ظلامية على علاقة بمصالح الاستخبارات المغربية، وكذا استعمال الهجرة المكثفة كوسيلة ضغط سياسي ومسارات الاتجار بالمخدرات على نطاق صناعي، وكذا التهديدات غير المباشرة المرتبطة بإمكانية اعادة تنشيط الخلايا الإرهابية النائمة في بعض الدول الأوروبية والدعم السياسي والمالي واللوجستي للجماعات الإرهابية الجزائرية”. وما يؤكد ذلك حسبه، “التصريحات الأخيرة لوزيرة خارجية إسبانيا السابقة لا تدع مجالا للشك في هذا الشأن”.
ويشير عدد من القراءات في الجزائر حول الموقف التصعيدي من إسبانيا إلى إدراك السلطات الجزائرية غياب إجماع سياسي حول مواقف حكومة سانشيز، ما يجعل الضغط عليها فعالاً من أجل حمل باقي القوى السياسية المؤثرة على إعادة التوازن لموقف إسبانيا التي تحملها الجزائر مسؤولية تاريخية في هذا النزاع باعتبارها “لا تزال في حكم القانون الدولي القوة المديرة للإقليم طالما لم يتم التوصل لحل”، وفق الخارجية الجزائرية.