معرض الرباط للكتاب يناقش أهم القضايا الثقافية والأدبية العربية الراهنة.
يواصل المعرض الدولي للكتاب بالرباط فعالياته الثقافية المتنوعة التي ترسخه لا كسوق للكتب فحسب، بل ومنصة ثقافية فاعلة في خلق الحراك الثقافي محليا وإقليميا، ويستقطب المعرض أهم الفعاليات الثقافية العربية على غرار تسليم جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة، كما يفتح باب النقاش على أبرز القضايا الفنية والثقافية والأدبية في العالم العربي.
شهد معرض الرباط الدولي للكتاب تسليم جوائز الدورة العشرين لجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات بعد أن توقفت لعامين بسبب جائحة فايروس كورونا.
ويقدم الجائزة سنويا المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق في أبوظبي ولندن “لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة”، وذلك لتشجيع البحث والتحقيق في أدب الرحلات.
كما احتفى المعرض في واحدة من ندواته بالشعراء الفلسطينيين الجدد، مواصلا مسار انفتاحه على أهم روافد الثقافة العربية اليوم.
أدب الرحلة
ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب بالرباط تسلم جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات الفائزون الثلاثة بها وهم أيمن حسن من تونس ومحمد عيناق من المغرب وعيسى عودة برهومة من الأردن، في حين غاب تسعة كتاب ومترجمين لم يتمكنوا من الحضور بسبب ظروف خاصة، وفقا للقائمين على الجائزة.
وكان أعلن في ديسمبر الماضي عن الفائزين بجوائز الدورة العشرين من الجائزة، لكنها لم تسلم حينها بسبب إجراءات الإغلاق الخاصة بكوفيد – 19.
والفائزون هم عيسى عودة برهومة من الأردن في فرع الرحلة المحققة مناصفة مع محمد عيناق من المغرب. وفي فرع الدراسات، فاز حافظ قاسم صالح صادق من اليمن، فيما فازت نعيمة الحوسني من الإمارات في فرع الترجمة مناصفة مع هادي عبدالله الطائي.
أما في فرع الرحلة المعاصرة فقد فازت الكاتبة السورية لينا هويان الحسن مناصفة مع عمار علي حسن من مصر. وفاز في فرع اليوميات أحمد سعيد نجم من فلسطين، ويوسف وقاص من سوريا في فرع اليوميات المترجمة مناصفة مع التونسي أيمن حسن. وفي فرع الرحلة الصحافية فازت الجزائرية زهية منصر، فيما فاز في فرع التحقيق المترجم أحمد زكريا من مصر وملاك دينيز أوزدمير من تركيا.
وقال وزير الثقافة المغربي محمد المهدي بنسعيد في كلمة بهذه المناسبة إن الجائزة التي حجبت لمدة عامين بسبب ظروف الجائحة “تعود هذه السنة إلى الرباط بعد أن انطلقت منه في العام 2003 بمناسبة اختيار الرباط عاصمة للثقافة العربية آنذاك”.
وأضاف أن ابن بطوطة “الذي تحمل الجائزة اسمه لم يعد مغربيا بل مغاربيا وأوروبيا وصينيا وأفريقيا. ارتقى بأن يكون إنسانيا برحلته”.
كما أعلن بنسعيد عن تنظيم “لقاء دولي هام” حول ابن بطوطة العام المقبل بمدينة طنجة، مسقط رأس الرحالة. ولم يرد أن يكشف الوزير عن تفاصيل اللقاء، وتحدث عن “مفاجآت أخرى”.
أما الشاعر السوري نوري الجراح، أحد القائمين على الجائزة، فقد اعتبر أن “الغرب الإسلامي مرورا بالمغرب الخلدوني (نسبة إلى ابن خلدون)، والأندلس، صنع الشطر البهي في الحضارة العربية”.
الشعر الفلسطيني
من ناحية أخرى يواصل المعرض ندواته التي تنفتح على أهم قضايا الثقافة العربية، إذ رأى شعراء مغاربة وعرب، في إحدى ندوات المعرض، أن الجيل الجديد من الشعراء الفلسطينيين أصبح يركز على مأساته اليومية أكثر من تركيزه على القضية الفلسطينية بسبب ما يشعر به من إحباطات متوالية.
يقول الشاعر والمترجم والكاتب المغربي عبداللطيف اللعبي، الذي أصدر حديثا مع الشاعر والروائي والإعلامي المغربي ياسين عدنان “أنطولوجيا الشعر الفلسطيني الراهن”، إن ما يميز هذا الشعر “هو أن صوت الشاعر أصبح يركز على مأساته كإنسان وليس كشخص أو مجموعة أو قضية”.
ويضيف في مقابلة معه على هامش تقديم الأنطولوجيا في ندوة استضافتها الدورة الـ27 للمعرض “كان من الضروري إصدار هذه الأنطولوجيا فالقارئ العربي يعرف أكثر شعراء الجيل القديم من شعراء المقاومة، كمحمود درويش ومعين بسيسو وتوفيق زياد”.
ويتابع “الآن هناك شعراء فلسطينيون في مختلف أصقاع العالم إيسلندا السويد، هذا الشعر أصبح يتطرق إلى معيشه الخاص كيف يعيش هذا التقهقر الذي حصل في الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والخطر هو أن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني قد تهضم”.
ويضيف اللعبي، الحاصل على جائزة جونكور الفرنسية في عام 2009 “هذا الأمر فرض علينا ياسين عدنان وأنا أن نقوم بهذه الأنطولوجيا، هناك تغييب خطير جدا لقضية الشعب الفلسطيني على المستوى العربي والدولي. إذ في هذه الظروف العسيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني كان بالنسبة إلي كمثقف وشاعر أضعف الإيمان أن أقوم بهذا العمل”.
والأنطولوجيا جمعها بالإضافة إلى اللعبي الكاتب والشاعر والإعلامي المغربي عدنان وتقع في 234 صفحة صادرة عن دار المتوسط كما ترجمها اللعبي إلى الفرنسية. وتضم 13 صوتا شعريا نسائيا و13 رجاليا، وتعمد اللعبي “أن تكون الأصوات النسائية والرجالية متساوية”.
ويقول “هذا عمل جبار قام به عدنان لأنه رجل إعلام. لم نكتف فقط بالشعراء الذين نشروا في كتب، بل ذهب عدنان أبعد من ذلك إلى ما ينشر في الإنترنت، فأجيال جديدة تنشر على الإنترنت أكثر مما تنشر في الكتب”.
ويقول عدنان “على المستوى العربي أحسسنا كما لو أن فلسطين تختنق صوتا وقضية وحضورا، قد تكون هناك مبادرات سياسية لا ننظر إليها بعين الرضا، لكن نحن كشعراء، بعيدون عن السياسة، فكل ما نملك هو الشعر، لذلك اشتغلنا، اللعبي وأنا، على هذه الباقة الشعرية لكي نعيد عبرها لفت النظر إلى فلسطين”.
ويضيف أنه من خلال متابعته على وسائل التواصل الاجتماعي والمجلات الإلكترونية شعر “بأن هناك أشياء جديدة تحصل في الشعرية الفلسطينية، تحولات على مستوى القضايا، تخفف من الشعار وتبتعد عن القضايا الكبرى”.
ويقول “ربما أناس يكتبون هشاشتهم دون عقدة نقص، لا يحسون بالفخر في انتمائهم العربي حتى علاقتهم بفلسطين، لم يعد ذلك الفلسطيني الذي يتغزل بفلسطين هناك تحولات عميقة طالت الكائن والذات الفلسطينية وتمظهرت في القصيدة”، معتبرا أن الاختيارات الشعرية في الأنطولوجيا حاولت أن تعكس هذه التحولات.
ويوضح عدنان “نحن بعيدون عن صوت محمود درويش الذي يقول ‘سجل أنا عربي‘، ويفتخر بالانتماء إلى الأمة العربية.. لا نحس بهذا الفخر في هذه القصائد.. أحيانا تشعر بأن فلسطينيتهم ورطة وجودية يعانونها ويشتبكون معها بقلق”، متابعا “لم يعد الشاعر الفلسطيني الجديد رومانسيا كالسابق لم يعد تبشيريا. بلغ به الإحباط درجة قادته إلى هشاشة قصوى”.
المعرض احتفى في واحدة من ندواته بالشعراء الفلسطينيين الجدد، مواصلا مسار انفتاحه على أهم روافد الثقافة العربية اليوم
ويقول الشاعر الفلسطيني خالد سليمان الناصري بعد الندوة “هذه الأنطولوجيا انتبهت لشيء مهم، وهو أن الشعر الفلسطيني ما عاد هو الشعر الذي كان زمان تقريبا يشبه السلاح والقتال، أصبح الشعر يرتبط بالحالة الفلسطينية الإنسانية بالقضية الإنسانية أكثر”.
ويضيف “الانتفاضة متوقفة للأسف، سلاح الشاعر الآن هو كلمته. اكتشفنا مع الزمن أنه الاشتغال على الفن والإبداع الحقيقي بعيدا عن الأيديولوجيات والأصوات العالية هو أكثر جدوى”.
ويقول عدنان إن الأنطولوجيا ابتعدت عن الشعراء الكبار وركزت على مستقبل الشعر الفلسطيني “توجهنا إلى أصوات جديدة وواعدة فيهم أناس ليس لهم ولا ديوان ومع ذلك اخترناهم ولكن العبرة بالنصوص والاحتكام إليها”.