يشهد حزب الاستقلال المشارك في الحكومة المغربية أزمة تنظيمية بسبب خلافات بين تيارين داخله يقترح أحدهما إدخال تعديلات على النظام الأساسي للحزب تجرد النواب البرلمانيين من العضوية في المجلس الوطني، بينما يرفض التيار الثاني هذه التعديلات معتبرا أنها تنمّ عن توجهات غير ديمقراطية.
وتستهدف التعديلات التي يقترحها التيار الأول سحب اختصاصات الأمين العام وفرض منصب نائب له وتقليص عدد أعضاء المجلس الوطني للحزب ورفع عدد أعضاء اللجنة التنفيذية في المقابل، مع حذف عضوية المجلس الوطني بالصفة لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين.
ورغم حدة الخلافات داخل الحزب (81 نائباً برلمانيا) والتي تسببت في تراشق بالتهم حتى داخل الفريق البرلماني، إلا أن متابعين للشأن السياسي في المغرب يستبعدون أن تضع مكان الحزب في البرلمان والحكومة على المحك.
واعتبر الباحث في العلوم السياسية حمزة أندلوسي أن “أي نقاش يهم القوانين المؤطرة للحياة الحزبية الداخلية سيشهد اختلافات بين مقترحي المشروع ومعارضيهم داخل التنظيم الحزبي، لكن أعتقد أن حزبا مثل حزب الاستقلال لا يتأثر سلبا بهذه النقاشات، أي أنها لا تنعكس على قوة الحزب”.
الخلافات داخل الحزب جدت بين تيارين يقترح أحدهما إدخال تعديلات على النظام الأساسي تجرد النواب من عضوية المجلس الوطني
وأضاف أندلوسي أن “الحزب مستمر منذ إحداثه، قد تغادره شخصيات وقد تعود بعد مدة من الزمن لكن قواعده ومنتخبيه يمتثلون للقرار الحزبي باستثناء بعض الحالات القليلة التي شهدها تاريخ حزب الاستقلال. وعليه، فالنقاش حول القانون الأساسي يعتبر أمرا عاديا في التنظيم”.
وكانت مجموعة من أعضاء مجلس النواب وعضو مجلس المستشارين الرافضة للتعديلات، قد قالت في بيان توصلت جريدة “العرب” بنسخة منه، إن “تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني من ألف إلى 500 عضو، وإلغاء العضوية بالصفة داخل المجلس، لا يدلّان على رؤية ديمقراطية واضحة”.
وتابع هؤلاء ”بل هي مجرد حسابات تنظيمية مسكونة بهاجس الضبط، في تناقض كامل مع فلسفة الفصل السابع من الدستور الذي خول للحزب السياسي وظيفتي التمثيل والتأطير اللتين تتجلّيان في المنتخبين والكوادر الحزبية”.
وأكد أندلوسي أن “هذه المستجدات داخل حزب الاستقلال تندرج ضمن مسألة التنظيم الداخلي للأحزاب في إطار الحوكمة المؤسساتية وهي عملية ترتكز أساسا على الاحترام التام للقوانين المؤطرة للتنظيم، وحيث أن هذه القوانين تسعى عند وضعها لتنظيم الحياة الداخلية للأحزاب فإنها لا بد أن تنطلق من إيجابيات التنظيم قصد تعزيزها، وسلبياته الموجودة بهدف العمل على تجاوزها”.
ولم يسلم فريق حزب الاستقلال من شظايا المعركة داخل الحزب، حيث شهد تراشقا بالاتهامات خلال اجتماعه الأخير بسبب حالة الاحتقان التي يعرفها الفريق احتجاجا على التعديلات المقترح إدخالها على النظام الأساسي للحزب، والتي تستهدف حرمان البرلمانيين من العضوية بالصفة داخل المجلس الوطني للحزب.
وكشفت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أنها عقدت ندوة دراسية بالهرهورة قرب العاصمة الرباط برئاسة نزار بركة الأمين العام للحزب خصصت للتحضير للمؤتمر الاستثنائي الذي سيعقد من أجل مراجعة وتطوير نظام الحزب الأساسي، وأنها صادقت على مشروع هذه التعديلات، كما “سيتم الإعلان عن تاريخ ومكان المؤتمر الاستثنائي في الأيام القليلة المقبلة”.
وسيذهب حزب الاستقلال إلى المؤتمر الاستثنائي المزمع عقده في الشهر الحالي، وأعضاؤه يحملون مشاكل تنظيمية فجرها اجتماع 53 برلمانيا من الحزب بمجلس النواب والمستشارين مساء الأحد بالرباط.
وعبر هؤلاء النواب عن استغرابهم وأسفهم الشديد لـ”مضامين مقررات الندوة التي عقدتها اللجنة التنفيذية للحزب، في تجاهل تام لحساسية الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الدقيقة التي تستوجب تعزيز روح الوحدة والتضامن والتماسك عوض افتعال أزمات تزيد من التشويش على صورة الأحزاب وتعمق أزمة الفعل السياسي ببلادنا”.
وقالت مصادر إن مولاي حمدي ولد الرشيد النائب عن الحزب يعمل على التحكم فيه بالتقليل من دور الأمين العام للحزب دون إزاحته، وذلك بتمرير تعديلات تمس بالهيكل العام للحزب وإفراغ منصب الرئاسة من محتواه التنفيذي لصالح اللجنة التنفيذية.
وأكدت المصادر أن هناك صراع أجنحة قويا سيتم التعامل معه بحزم، مع الدفاع عن الأمين العام للحزب الذي يحظى بدعم كبير من عموم الأعضاء وهو ما يصعب معه إزاحته خلال المؤتمر الاستثنائي المقبل.
وقالت إن الجلسة التنظيمية التي نظمتها اللجنة التنفيذية للحزب كانت مناسبة لتدارس الوسائل التي ستعزز من حضوره وتقوية الحزب في الاستحقاقات القادمة وذلك من خلال الاتفاق على تغيير قوانينه.
وشدد برلمانيون عن حزب الاستقلال في بيان على “ضرورة دعم مؤسسة الأمين العام للحزب، حيث تبقى مؤسسة محورية في البنية التنظيمية والهيكلية للحزب، فالأمين العام هو المؤتمن على وحدة الحزب والضامن لاحترام قوانينه ومؤسساته وحقوق مناضليه وليس مجرد مسؤول عادي تابع يوكل إليه ترتيب أشغال اللقاءات والتنسيق بين مسؤولي الجهات لتسهيل قضاء المأموريات”.
والقرار الذي اتخذته اللجنة التنفيذية يهدف إلى تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني للحزب، وإلغاء العضوية بالصفة البرلمانية في المجلس الوطني، وذلك من خلال المصادقة على مشروع تعديل القانون الأساسي الهدف منه حسب قيادي من داخل الحزب، هو ضبط التنظيم السياسي ليكون أكثر شفافية وديمقراطية.
وفي المقابل أبرز الرافضون لأي تعديلات تمس النظام الداخلي للحزب أنهم على استعداد كامل لاتخاذ كافة الخطوات التي من شأنها الحفاظ على وحدة الحزب وقوته وتماسكه وتوفير الشروط المثالية لإنجاح المؤتمر الوطني الثامن عشر باحترام تام للقواعد الديمقراطية، كما أنهم مستعدون لاتخاذ خطوات أخرى سيتم الإعلان عنها في حينها.