تعد الموسيقى لغة عالمية قادرة على التعريف بثقافات الشعوب وجمعهم والمؤالفة بينهم، وهي أيضا سلاح ناعم قادر على تحقيق التغيير الاجتماعي، فالثقافة صارت في عصرنا قوة متاحة للجميع وقادرة على الوصول إلى الملايين من البشر بسرعة ودون قيود.
تراهن الدورة الثالثة والعشرين من “مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة”، التي تنعقد تحت شعار “المزج” على المزج بين موسيقى الكناوة والأنماط الموسيقية العربية والأفريقية والعالمية، لكنها تمزج كذلك بين ثقافات الشعوب، وتحاول الوقوف على أهمية الثقافة في تغيير المجتمعات والجمع بين الناس والتأثير فيهم بصفتها “قوة ناعمة” توظفها الدول خدمة لسياساتها الداخلية والخارجية.
وتنعقد في ثاني أيام المهرجان، بالصويرة، مائدة مستديرة حول موضوع “الثقافة قوة”، وذلك في إطار فعاليات جولة مهرجان كناوة التي تنعقد في الفترة ما بين الثالث والرابع والعشرين من يونيو الجاري بأربع ولايات مغربية هي الصويرة ومراكش والدار البيضاء والرباط.
ويشارك في هذا اللقاء السياسي الفرنسي جوليان دراي، وكيونغ تشونغ سفير جمهورية كوريا بالمغرب، ومريم سبتي مديرة المجلة الفنية المغربية (ديبتك)، والكاتب والصحافي خليل الهاشمي الإدريسي رئيس جمعية أصدقاء غوتنبرغ.
وتبحث هذه المائدة المستديرة، التي يديرها إدريس بناني، في مفهوم القوة الثقافية التي لم تعد تقتصر اليوم على التعبيرات الكلاسيكية، ولكنها صارت تحتضن أشكالا جديدة وتعتمد رموزا حديثة، ومشفرة في بعض الأحيان.
وحسب المنظمين “لم يحدث قط في تاريخ البشرية أن كانت الثقافة في متناول الجميع، سواء من حيث الإبداع أو النشر. سواء كان إبداعا شعبيا أو تجريبيا أو طليعيا، حيث إن لكل تعبير ثقافي الآن إمكانية الوجود وفرصة للوصول إلى الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم”.
لذلك فإن إمكانية الوصول هذه تمنح الثقافة المزيد من القوة والقدرة، باعتبار أن “الإبداع الثقافي يشكل قوة للتنديد والتغيير والترافع والتوعية والإقناع والجمع بين الناس”، وكذا بالنظر إلى أن “الثقافة، حتى الآن، هي واحدة من أقوى أدوات القوة الناعمة بما في ذلك ما يتعلق بالعلاقات الدولية”.
وأشار بيان المهرجان إلى عدد من الأمثلة التي تكرس هذا المعطى، متسائلا عن قياس تأثير وقوة “ثقافة المانجا”، ومدى قوة وتأثير المسلسلات التركية والمسلسلات الأميركية وموسيقى أميركا اللاتينية وفن الطهو الإيطالي، ومدى مساهمة السينما والأدب المصريين في تشكيل المخيلة العربية منذ سنوات، وكذلك دور القوة الإبداعية لكوريا الجنوبية في نفوذها الدولي إلى جانب أداتها الصناعية، كما تتناول النقاشات مدى اضطلاع المشهد الفني المغربي الجديد (موسيقى، أفلام، رقص…) بدور رئيسي في تشكيل صورة بلد منفتح ومتسامح وتعددي.
ويحتضن مهرجان كناوة، منذ 2012، منتدى يشكل فضاء للنقاش والتبادل بين متدخلين مغاربة ودوليين حول القضايا الراهنة للمجتمعات. وخلال هذه السنة يعود هذا المنتدى على شكل مائدة مستديرة.
القوة الثقافية لم تعد تقتصر على التعبيرات الكلاسيكية، لكنها صارت تحتضن أشكالا جديدة وتعتمد رموزا حديثة
وشارك في هذا المنتدى منذ إطلاقه أكثر من 160 متحدثا في دوراته الثماني. وطرح المنتدى نقاشات أساسية حول مواضيع قوية تم إشراكها وجمعت شخصيات من آفاق مختلفة، بمن فيهم صناع القرار السياسي، وفاعلون جمعويون، ومفكرون، وفنانون، وهو “تنوع له مكانة خاصة في مهرجان كناوة الذي يهدف إلى أن يكون ملتقى للتبادل والحوار”.
وموسيقى كناوة (أو قناوة) هي مزيج من موسيقى ورقصات أفريقية وبربرية، وهي مغربية الأصل وكانت بداياتها بمدينة الصويرة كما أنها منتشرة في بعض مناطق شمال أفريقيا.
ويمتاز “فن تاكناويت” بتاريخه العريق، فبعد أن كانت موسيقى كناوة توصف بموسيقى الشارع قبل ربع قرن من الآن، أصبحت هذه الموسيقى الآن تتمتع باعتراف دولي، وبصفتها موسيقى النشوة والدهشة المتواصلة، واستطاعت موسيقى كناوة أن تعبر الحدود وتصنع لنفسها نمطا موسيقيا قائماً بذاته.
ويقول الشيوخ القدامى للموسيقى الكناوية إن موسيقاهم مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالطقوس العلاجية التي مارسها أجدادهم الأفارقة في جنوب الصحراء الكبرى. وبذلك تصنّف هذه الموسيقى ضمن الأنماط الموسيقية القادرة على التغيير وبإمكانها أن تكون قوة ناعمة في يد الدولة.
ومهرجان كناوة وموسيقى العالم هو مهرجان ينظم كل سنة في مدينة الصويرة المغربية، ويقدم هذا المهرجان، عروضاً موسيقية فريدة من نوعها، تروج لموسيقى كناوة وللموسيقى العالمية والتقليدية، وتُعزز ثراء التراث الموسيقي العالمي. ويشارك في هذا المهرجان العديد من المعلمين الكناويين والفنانين العالميين. ويستقطب خلال تنظيمه ما بين 250 و400 ألف زائر. ويمتد هذا المهرجان لمدة 3 أيام، كما يعرف خلال فترة تنظيمه تغطية إعلامية كبيرة وطنية ودولية.
لكن جولة مهرجان كناوة لهذا العام تشهد تنظيم 12 حفلا في الصويرة، وخمس حفلات في مراكش يومي التاسع والعاشر من يونيو، وتسع حفلات في الدار البيضاء أيام السادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر من يونيو، وخمس حفلات في الرباط يومي الثالث العشرين والرابع والعشرين من الشهر ذاته.
كما تمت برمجة أكثر من 13 حفلا لموسيقى كناوة التقليدية، وتمت دعوة أكبر الأسماء في تكناويت من كل المناطق، إلى جانب معلمي كناوة الناشئين.
وسيقدم أكثر من 100 فنان خلال هذه الجولة مواهبهم بمختلف أشكالها، إذ يتضمن البرنامج “أصواتا دافئة وقوية ومجموعة غنية من الآلات الموسيقية مثل: الكورا، والبالافون، والفلوت، والأكورديون، والساكسفون، والرباب، والقيتارة، وأدوات الإيقاع، والبيانو، إنها قوس قزح حقيقي من ألوان الموسيقى”.
وحسب بيان لإدارة المهرجان، سيتّخذ نصف الحفلات المبرمجة شكل مزج “جديد وجريء ومن نوع فريد”، مشيرا إلى أن قائمة العروض تضم موسيقى الجاز والبلوز والموسيقى الأفريقية وموسيقى الفولك والفانك والموسيقى الكوبية، في مزح مع كبار معلمي كناوة.
وسيتم تكريم أفريقيا أولا عبر اندماج موسيقي طال انتظاره سيجمع الفنان المالي فيو فاركا توريه، الملقب بـ”هندريكس الصحراء” بالمعلم المولع بالموسيقى الأفريقية، عبدالسلام عليكان، برفقة موسيقى أمازيغية ستنقلها رباب الفنان عزيز أوزوس، من أجل مزيج موسيقي متناغم.
وورد ضمن البيان أن “فن الجاز سيكون حاضرا أيضا من خلال مشاركة الفنان الذي أحدث ثورة وأعاد تعريف الإمكانات الفنية لآلة ‘الباس’ والذي سافر حول العالم منذ السبعينات وعزف مع الكبار، جمال الدين تاكوما، الذي سيكون مرفوقا بعازف الطبول غوني بيراج، وكيلفين بيل على الغيتارة، حيث سيتشاركون المسرح مع المعلم صاحب الصوت الساحر سعيد بولحيمص”.
وستكون عائلة غينيا الموسيقية حاضرة بقوة في فعاليات المهرجان عبر حفلتين موسيقيتين، سيحييهما المعلم مختار والمعلم حسام في اندماج مع ما لا يقل عن ستة موسيقيين موهوبين، يتوزعون بين عازف فلوت، وعازف غيتارة، ومغنين.
وتشكّل جولة مهرجان كناوة فرصة للاحتفال مع الجمهور بإدراج هذا النمط الموسيقي على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في ديسمبر 2019 بمدينة بوغوتا، وهو احتفال تم تأجيله لعامين متواليين بسبب جائحة كورونا