أعلنت فيدرالية اليسار الديمقراطي في المغرب عن الانصهار في حزب واحد بين مكوناتها الثلاثة: حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي والتيار الوحدوي المنشق عن الحزب الاشتراكي الموحد برئاسة نبيلة منيب.
ويهدف هذا الانصهار الذي يأتي في وقت يعاني فيه اليسار من حالة من التشظي والوهن إلى إعادة الثقة في السياسة وإعادة ثقة المغاربة في المشروع اليساري، وفق ما يقول مهندسوه.
وأكد عبدالسلام العزيز الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي أن “مشروع توحيد اليسار عبر اندماج الأحزاب الثلاثة التي كانت تشكل فيدرالية اليسار الديمقراطي ليس جديدا فنحن نشتغل عليه منذ سنة 2016، ولولا تلكؤ الرفاق في الاشتراكي الموحد من جهة وظروف جائحة كوفيد – 19 من جهة أخرى لكنّا ذهبنا إلى الاندماج قبل انتخابات 2021”.
وأوضح العزيز “الحزب الذي نحن بصدد الإعلان عن تأسيس نواته المركزية اندماج حزبين ومكون سياسي وبالتالي فهو ليس حزبا جديدا بمعنى رقم جديد في المشهد السياسي، بل إنه من جهة يجمع تيارات سياسية مختلفة ونشطاء سياسيين ومن المجتمع المدني والذين يلتقون حول تشخيص الوضع الوطني في حقوله المختلفة وكذا حول الأسس النظرية والسياسية والتنظيمية للمشروع الجديد”.
وفي ندوة للتعريف بالحزب وظروف تأسيسه، قال الأعضاء المؤسسون إنه سيكون حزبا يساريا توافقيا وبنَفس سياسي مختلف وبمكونات وفعاليات جديدة.
واعتبرت شريفة لموير الباحثة في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن التوجه نحو خلق حزب موحد هو محاولة لإعادة إحياء حلم توحيد اليسار بنمط جديد، لكن هذا بعيد التحقق خاصة بعد كل المحاولات التي باءت بالفشل في هذا الاتجاه.
وأوضحت لموير في تصريح لـها “لسنا في حاجة إلى المزيد من إغراق الساحة السياسية بأحزاب جديدة خاصة مع الجمود الذي تعرفه مجموعة من هذه الأحزاب التي لا تنشط إلا خلال المحطات الانتخابية”.
ولفتت إلى أن “حلم توحيد اليسار يراود كثيرا يساريي المغرب، لكنه بعيد المنال والتحقق في ظل ما يشهده اليسار المغربي اليوم خاصة أن أعرق حزب يساري، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رغم تموقعه في المعارضة إلا أن توجهه لمخاطبة ود الأغلبية الحكومية أملا في التحاقه في التعديل الحكومي القادم لا يعطي انطباعا عن التزام حقيقي بقضايا المجتمع المغربي خاصة منها موجة الغلاء التي مازالت تخيم على الساحة المغربية”.
ومن الأسماء اليسارية التي تم استقطابها في المبادرة السياسية الجديدة رجل الأعمال كريم التازي، الذي قرر الانخراط في اللجنة التحضيرية، إلى جانب الأستاذة الجامعية والخبيرة في مجال النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان لطيفة البوحسيني، والمفكر عبدالله حمودي وعدد من الأسماء الأخرى من تيار الاتحاديين الغاضبين من رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر.
وأكد محمد الساسي القيادي المنشق عن الحزب الاشتراكي الموحد أن الجديد في هذه المبادرة يتجلى في المنهجية المتبعة، حيث تم الإعلان عن هذا الحزب لتأسيسه ببنية مشتركة.
وأشار الساسي خلال كلمته بالندوة إلى أن “مكونات هذا الحزب تفكر في أن يتقدم الشباب أكثر، وتتراجع أدوار من هم في عمري”، مضيفا “نحن تيارات ذات مصداقية، ودورنا أن نكون إضافة للتقدم، ولقضية الديمقراطية، وإعادة الاعتبار لليسار، لا لتعليق الديمقراطية تحت أي ستار”.
وبرزت قبل الانتخابات العامة الأخيرة مشاكل تنظيمية بين الحزب الاشتراكي الموحد وبقية مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، ما يشكل عقبة أمام هذا الاندماج إذا لم يتم التوافق على طريقة لحل المشاكل.
وكشفت منيب أن حزبها الاشتراكي الموحد لم ينسحب من الفيدرالية، بل يتعلق الأمر بمشكلة داخلية تم إخراجها إلى العلن.
وسبق لمنيب أن أطلقت تصريحات تؤكد بأن ”تحالف فيدرالية اليسار لم يستطع تحويل الأمل إلى عمل، حيث وجدنا أنفسنا في تصحر نظري، بسبب رغبة بعض القيادات في الاستفراد بالاندماج السياسي”، مشيرة إلى أن “الشروط الموضوعية للاندماج السياسي بين مكونات التحالف غير متوفرة”.
وقال العزيز إن “منيب غير معنية بهذه المبادرة، لأنها انسحبت من فيدرالية اليسار قبل الانتخابات الأخيرة”، مشيرا في تصريحه إلى أن الحزب الجديد سيشتغل على عرض سياسي جديد لتجاوز الاختلالات السياسية والتنظيمية التي عرفتها الحركة اليسارية في المغرب.
ويعتقد مراقبون أن هذه المبادرة من حيث المبدأ جيدة، لكن المشكلة تكمن في مدى التزام بعض الأعضاء الذين يتزعمونها لهذا النهج الوحدوي وعلى رأسهم الساسي، الذي له سوابق كثيرة في الانضمام لأحزاب سياسية مثل الاتحاد الاشتراكي ثم الانشقاق عنها، وآخرها انشقاقه عن الحزب الاشتراكي الموحد الذي كان يعتبر من دعامات تحالف الفيدرالية.
وأكدت لموير أنه “من الصعب اليوم الحديث بثقة عن نجاح هذه المبادرة لسببين أولهما أن ثقة المواطن المغربي في اليسار ليست هي نفسها التي كانت من قبل إبان الانشقاقات الأولى التي عرفتها أحزاب اليسار، وثانيها أن الساسي مع احترامي هو مهندس انشقاقات ولو كان لكل تلك الانشقاقات صدى ونجاح لما وصل اليوم لهذا الانشقاق الجديد الذي جاء بصيغة حزب موحد”.