كشفت تصريحات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال الزيارة التي أجراها إلى إيطاليا أن الجزائر، البلد المأزوم سياسيا والذي يمارس فيه الجيش نفوذا مطلقا، تريد ممارسة وصاية على تونس وليبيا وفرض مسارات سياسية في البلدين تتماشى مع مزاجها وارتباطاتها الخارجية خاصة مع تركيا، متسلحة في ذلك بعائدات النفط والغاز.
وقالت أوساط سياسية إن الجزائر التي اتخذت خلال السنوات الماضية سياسة الانكفاء في أغلب الملفات لأسباب داخلية تحاول الآن لعب دور إقليمي. ورجحت الأوساط ذاتها أن يكون نموّ إيرادات النفط والغاز بسبب ارتفاع الأسعار في السوق العالمية هو الذي أوحى إلى الجزائر بأنها أصبحت أكثر أهمية في المنطقة.
واستبعدت هذه الأوساط نجاح محاولات الجزائر في التأثير في الملفات الإقليمية وخاصة في الملف الليبي الذي تسيطر عليه القوى الكبرى وخاصة روسيا والولايات المتحدة، لافتة إلى أن قيس سعيد المعروف بمواقفه المتصلبة لن يرضخ للضغوط التي تمارسها الجزائر على تونس لإعادة الإسلاميين إلى السلطة وأن هذه الضغوط قد تقود إلى فتور مع البلد الجار.
أوساط سياسية تونسية: ما الذي يعنيه تبون بـ”الطريق الديمقراطي”؟ هل يقصد النموذج الجزائري؟
واعتبرت الأوساط نفسها أن ممارسة دور الوصاية تحتاج إلى قوة اقتصادية لا تملكها الجزائر رغم ارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى الضعف الذي تعانيه دبلوماسيتها حيث لم تنجح أي مبادرة أو جهود وساطة اضطلعت بها الجزائر منذ وصول تبون إلى السلطة، ما بدد أمل أن تسترجع الدبلوماسية الجزائرية -التي شهدت خمولا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة- نشاطها. وأعلن الرئيس الجزائري خلال ندوة صحافية الخميس في روما رفقة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا عن استعداد البلدين لمساعدة تونس وليبيا على الخروج من الوضع الذي تتخبطان فيه، وذلك في أعقاب مشاورات دبلوماسية بين الرئيسين تناولت الملفات المشتركة والقضايا الإقليمية والدولية، لاسيما الوضع في منطقة شمال أفريقيا والساحل.
وذكر الرئيس تبون للصحافيين أن “الجزائر وإيطاليا مستعدتان لمساعدة تونس على تجاوز المأزق الراهن والرجوع إلى الطريق الديمقراطي”، في إشارة إلى حالة الانسداد السياسي الناجم عن مسار الخامس والعشرين من يوليو الماضي، والذي أمسك من خلاله الرئيس التونسي قيس سعيد بزمام مختلف السلطات.
وأضاف “هناك تطابق في الموقف، وفي بعض الأحيان تقارب كبير في الرؤى بين الجزائر وإيطاليا بشأن قضايا المنطقة الراهنة، والبلدان مستعدان لتقديم المساعدة اللازمة لتجاوز تونس المأزق الراهن والرجوع إلى الطريق الديمقراطي”.
وتساءلت أوساط سياسية تونسية عما يقصده الرئيس الجزائري بـ”الطريق الديمقراطي” الذي يريد إعادة تونس إليه؟ واعتمادا على أي مقياس؟ هل بالاعتماد على النموذج الجزائري الذي ظلت من خلاله السلطة تتحكم في الانتخابات منذ عقود، وتفرض عبرها المؤسسة العسكرية من يواليها في رئاسة الجمهورية، أم من خلال برلمان يتم توزيع حصص الأحزاب فيه مسبقا، لتكون فيه المعارضة أقلية ودون أي تأثير؟
وقالت الأوساط السياسية التونسية إن تصريحات الرئيس الجزائري جاءت بعد زيارته الأخيرة إلى أنقرة وانضمامه إلى المسار الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والهادف إلى فرض حكومات ضعيفة تراعي مصالح بلاده في شمال أفريقيا، من بوابة رعاية الإسلاميين ودعمهم، مضيفة أن الجزائر صارت الآن تبشر بهذا المسار وتجاهر به وتحاول استقطاب إيطاليا إليه من خلال إغراءات تزويدها بالغاز والكهرباء وجعلها منطلقا لتزويد أوروبا.
وتعرف العلاقات الجزائرية – التونسية فتورا ملحوظا في الآونة الأخيرة، فتورا أثارته العديد من التقارير الصحافية الدولية التي تحدثت عن غموض الدوافع التي تقف وراء استمرار الجزائر في غلق مجالها البري مع الجارة تونس رغم انتفاء مبررات الجائحة الصحية، باعتبار أن البلد يمثل وجهة سياحية مفضلة للجزائريين ويحقق بذلك عائدات مالية واقتصادية.
كما يستمر الغموض بشأن القرض المعلن من الجزائر لتونس الذي تقرر بمناسبة زيارة تبون إلى تونس مطلع العام الماضي، فضلا عن المخاوف التي عبّر عنها مسؤولون تونسيون بسبب إمكانية عدم ضخ الجزائر لكميات إضافية من الغاز إلى بلادهم خلال هذه الصائفة مما قد يسبب للبلاد متاعب وصعوبات في توفير الطاقة والكهرباء.
وفي الشأن الليبي قال الرئيس الجزائري إن بلاده وإيطاليا “لا تسعيان لأي مصلحة في ليبيا ومستعدتان لدعم الاستقرار فيها، لكي نصل إلى الطريق الوحيد بعد التجارب السابقة، وهو الوصول إلى انتخابات تشريعية تعطي الكلمة للشعب وبناء دولة على أسس ديمقراطية”، وهو الموقف الذي يعكس انحيازا إلى رؤية رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، ما يفرض التساؤل التالي: كيف يمكن للجزائر أن تساعد ليبيا وهي قريبة إلى جهة واحدة فقط وعلاقتها سيئة بالشرق وبالقيادة العامة للجيش؟
وأكد الرئيس الإيطالي أنه “تحدث مع نظيره الجزائري مطولا حول أزمات مثل ليبيا وهناك تقارب في وجهات النظر التي تصب في صالح الشعب الليبي ودعم الأمم المتحدة للتوصل إلى حلول تكون فقط من خلال انتخابات ديمقراطية”، وأنه تحدث مطولا أيضا عن “ضرورة دعم الاقتصاد التونسي وإرساء أسس الديمقراطية.. الجزائر وإيطاليا مصلحتهما الوحيدة هي دعم الشعب التونسي”.
وكان الغاز والكهرباء في صدارة أجندة زيارة الرئيس الجزائري إلى إيطاليا، حيث أكد على أن ملف الطاقة أخذ حيزا كبيرا من محادثاته مع نظيره الإيطالي، وأعلن عن توصل البلدين إلى إبرام خمس مذكرات تفاهم، أبرزها الاتفاق بين شركتي “إيني” و”سوناطراك” حول مشاريع مستقبلية هامة، حيث لا يستبعد أن تكون الشركة الإيطالية من ضمن الشركات العالمية التي ستحوز استثمارات في الطاقة خاصة إذا فتح المجال أمام استغلال الغاز الصخري، الأمر الذي سيفتح الآفاق أمام إيطاليا لتتحول إلى لاعب فاعل في تزويد أوروبا بالغاز والكهرباء انطلاقا من الجزائر.
وينتظر أن تفصل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين -والتي من المنتظر أن تعقد اجتماعها خلال شهر يوليو القادم- في مختلف الاتفاقيات، بعد الاتفاق المبرم منذ أشهر بين البلدين حول تزويد الجزائر لإيطاليا بالغاز إلى غاية عام 2029، ورفع الكمية إلى 12 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
وكشف تبون عن “مشروع خط كهرباء بحري بين الجزائر وإيطاليا، لتزويدها بهذه الطاقة والوصول مستقبلا إلى تزويد جزء من أوروبا بالكهرباء، فضلا عن الدخول في مشاريع شراكة تخص الصناعات البحرية المدنية أو العسكرية”.