نقاش الحريات الفردية لا ينتهي في المغرب بين «حداثة مترددة» و«لغة قدحية للنساء» والدعوة لتغيير القانون الجنائي

بنعبو

عاد نقاش الحريات الفردية إلى المغرب من زاوية أكاديمية وحقوقية هذه المرة، مع محاضرات نظمها جيل «فوج محمد سبيلا» الذي أطلقته مؤسسة «منصات» في مدينة المحمدية القريبة من الدار البيضاء.
أفادت الورقة المفصلة التي عممتها مؤسسة «منصات» بأن المشاركين في هذه المحاضرات من حقوقيين وناشطين مدنيين وأكاديميين أجمعوا على أن الحريات الفردية عالقة في مؤسسات مترددة، ودعوا إلى إعادة النظر في فصول القانون الجنائي المغربي بما يجعل فلسفته متكاملة وتعلي من الحقوق الإنسانية.
بالنسبة لأحمد عصيد الذي يثير الجدل باستمرار من خلال تصريحاته أو مداخلاته، وذلك بالنظر إلى كمية الجرأة المضاعفة التي تتضمنها، وصف التجربة المغربية في مجال الحريات الفردية بكونها تجربة حداثية مترددة لم تصل إلى الحسم.
ووفق المتدخل، فإن وثيقة دستور 2011 حاولت فقط أن ترضي الجميع وهذا ما جعلها وثيقة دستورية متناقضة؛ مؤكدا أن المكلفين وضعوا دستورا حداثيا غير أن الصيغة النهائية له تميزت بتراضي الأطياف المكونة للمنظومة السياسية المغربية، ومن هنا فقد عانى النقاش حول الحريات الفردية من حداثة مترددة في دولة عالقة، وفق تعبيره.
وتوقف عصيد عند استعمال الإعلام بشكل مكثف من أجل إعادة إنتاج الطابع التقليداني للمجتمع، مستدلا في ذلك باستعمال الدين في مواجهة المعسكر الشرقي. وتابع تأكيده على أن التيار المحافظ يعتبر أن الحرية محدودة بتقاليد الجماعة، وأن الخارج عن الجماعة يستباح قتله، أما موقف الحداثيين من الحرية فمبني على أن الحرية هي مقتضى كوني لا تنتهي إلا عند مساسها بحرية الآخرين.
وحسب المتدخل، فإننا في سنة 2022 وما يزال الفرد غير معترف به، خاصة مع تطور العلاقات الاجتماعية ككل، ما يعني أننا في حالة إعادة إنتاج الطابع التقليداني الذي تمت معاينته من خلال السياسات العمومية، ما أدى إلى عدم تطور المجتمع بشكل طبيعي.

القوى المحافظة سياسيا واجتماعيا تشكل العقبة

واعتبرت عائشة الأبلق، عضو المكتب السياسي لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، أن القوى المحافظة سياسيا واجتماعيا تشكل العقبة الرئيسية نحو إقرار التعديل المنشود للقانون الجنائي المغرب وخاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية.
ووفق المداخلة، فإن «القانون يمكنه أن يلعب قاطرة لتوجيه السلوك والأخذ بعين الاعتبار التنوع الموجود بالمغرب؛ وأنه لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي دون الحديث عن كونية حقوق الإنسان».
المتحدثة نفسها أكدت أن الحريات الفردية سيرورة مجتمعية يحكمها التاريخ، وأن الحريات الفردية خرجت في المغرب من صلب اليسار، ونجد على سبيل المثال الحركة النسائية، معتبرة أن كل ما يعتبر قيمي يخلق جدلا داخل المجتمع، باعتبار أن النقط العالقة حول الحرية الفردية هي من المواضيع المثارة داخل البرلمان، وأن طبيعة المنتخبين وسمعة البرلمان جعلته حبيسا.
وفي تناولها للجانب القانوني من النقاش، أفادت الأبلق بأن تحديث السياسة الجنائية ومجال القانون الجنائي مهم جدا للرقي بالحريات الفردية وذلك من خلال الاعتراف بكونية حقوق الإنسان والتي جاء بها الدستور في الديباجة، لكن تعديل السياسة الجنائية وخاصة القانون الجنائي لم يتحقق، وتم فقط تقديم مشروع القانون الجنائي إلا سنة 2015.
وتابعت القيادية في حزب «التقدم والاشتراكية» قائلة إن مشروع تعديل القانون الجنائي، خاصة في شقه المرتبط بالحريات الفردية اصطدم بقوى محافظة سياسية كانت أو مجتمعية، إذ من المواضيع المثارة في هذا الشأن الإعدام، الإجهاض، حرية اللباس، ووفقها، فقد بقي حبيس الرفوف وطرح بعد ذلك سنة 2019، لكن لم يخرج لحيز الوجود خاصة بعد مرحلة عرقلة تشكيل الحكومة، والتعارض بين الفرقاء السياسيين الذي وقع حول هذا المشروع.
واعتبرت أن القانون الجنائي المغربي يتم تجزيئه وتعديله مادة مادة ولا يعبر عن تطور المجتمع من سنة 1962 إلى الآن. لكن هذا لا ينكر قيمة التعديلات التي عرفها هذا القانون، وعبرت فيما يخص مسألة الإجهاض أنه واقع مجتمعي يتطلب تأطيره قانونيا خاصة «الإيقاف الطبي للحمل» حيث إن هذا النقاش حول الإجهاض مثار في المجتمع ككل.
وأشارت المتدخلة إلى أن حزبها قدم ما ذهب إليه «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» معتبرة أن القانون يمكنه أن يلعب قاطرة لتوجيه السلوك والأخذ بعين الاعتبار التنوع الموجود بالمغرب؛ وأنه لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي دون الحديث عن كونية حقوق الإنسان. ثورية العمري، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في الدار البيضاء، قالت إن فلسفة القانون الجنائي الحالي تقوم على الهاجس الأمني وحماية الأخلاق والآداب العامة على حساب الفرد وحقوقه وحرياته.
وفي اعتقادها، فإن بنية القانون الجنائي تفتقد لتصور تكامل ومنسجم لمعالجة الجرائم التي تمس النساء وسلامتهن الجسدية والنفسية وكذا كرامتهن، وترى أن اللغة المستعملة لغة محافظة متجاوزة وتعتبر في بعض الحالات قدحية.

حملات الترافع

وتوقفت العمري في مداخلتها عند أبرز وأهم حملات الترافع التي قامت بها الحركة النسائية من أجل حقوق النساء وحرياتهن منها حملة المليون توقيع سنة 1993، وتأسيس شبكة «ربيع المساواة» التي دشنت لاحترافية وقوة الحركة النسائية بحيث عرفت نقلة نوعية وأصبحت قوة اقتراحية سنة 2001، وقد تم إقرار قانون الأسرة ينظم العلاقات بين المرأة والرجل وفق مبدأ الرعاية المشتركة عوض الاتفاق مقابل الطاعة والتنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات ومن حيث الأهلية الشرعية في الزواج وجعل الولاية الشرعية للمرأة الرشيدة سنة 2004.
وأضافت العمري أن الحركة النسائية عملت في إطار حملات وطنية لمناهضة العنف ضد النساء من أجل رفع التحفظات على الاتفاقيات المتعلقة بالنساء، ومناهضة التمييز اتجاه النساء بتعديل بعض المواد القانونية، ومدونة الشغل، قانون الجنسية، تعديل أو إلغاء بعض مواد القانون الجنائي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: