لا يتوقف حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا عن محاولاته استفزاز المغرب بطرح مقترحات في البرلمان تستعدي الرباط، وهو ما يواصل البرلمان الإسباني التصدي له، ما يعكس تناغم موقف البرلمان مع الحكومة في مدريد التي تعتبر الرباط شريكا.
تصدى البرلمان الإسباني لمحاولات جديدة من حزب فوكس اليميني المتطرف لاستفزاز المغرب، حيث عارض المجلس مقترحا تقدم به الحزب المذكور يهدف إلى غلق المعبرين الحدوديين لسبتة ومليلية المحتلتين، حتى تعترف الرباط بكونهما جزءا من الأراضي الإسبانية.
ولقي هذا المقترح، الذي دافع عنه بشدة نواب عن الحزب اليميني المتطرف في مجلس الشيوخ، على غرار يولاندا ميريلو، رفضا حاسما من أحزاب الأغلبية والمعارضة.
وشكلت إعادة فتح المعبرين الحدوديين لسبتة ومليلية تحديا للقوة المعارضة داخل إسبانيا وخارجها، وهو أمر تحقق بعد إصرار من إسبانيا في إطار مفاوضاتها مع المغرب، والتي انتهت بطي صفحة أطول وأعقد أزمة دبلوماسية في التاريخ الحديث للبلدين.
صبري الحو: البرلمان الإسباني متناغم مع الحكومة في اعتبار المغرب شريكا
وخلال جلسة البرلمان الإسباني المخصصة لمناقشة مقترحات تطوير التدابير الأمنية الخاصة بسبتة ومليلية، اعتبرت النائبة ميريلو أن رفض مقترح إغلاق الحدود في مواجهة إصرار المغرب على عدم الاعتراف بانتماء المدينتين إلى إسبانيا، هو ارتكاب لنفس “الأخطاء” التي يرتكبها حزب رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.
وبعدما قطع البرلمان الإسباني الطريق أمام الحزب اليميني المتطرف في نهج سياسة يهدف من ورائها إلى تأزيم العلاقات المغربية – الإسبانية، اتهم فوكس حكومة سانشيز بالعمل ضد مصالح إسبانيا القومية.
ولم يتوان الحزب في اتهام شركائه في المعارضة من أعضاء الحزب الشعبي، بمسايرة سياسات الحزب العمالي الاشتراكي الذي يقود الحكومة، والمتسمة بما وصفه بـ”الضعف والانبطاح للمملكة المغربية، والتخلي عن الأراضي الإسبانية في شمال أفريقيا”، معتبرا أن هذا الأمر “لا يمكن تحمله”.
وعلّق الخبير في القانون الدولي والهجرة صبري الحو في تصريح لـه أن “الخطاب السياسي لحزب فوكس مؤسس بشكل واضح على معاداته للمغرب وللمهاجرين المغاربة تحديدا”.
ورفضت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسباني مقترحا تقدم به حزب فوكس يسعى إلى فرض عقوبات اقتصادية على الرباط، بعد اتهامه للمغرب بأنه “يستخدم ورقة تدفقات الهجرة كسلاح جيوسياسي، لإضعاف الموقف التفاوضي لإسبانيا والاتحاد الأوروبي”.
ولم يلق المقترح المذكور تجاوبا في مجلس الشيوخ الإسباني، بعدما حصل على ما مجموعه 26 صوتا معارضا، مقابل امتناع واحد عن التصويت، وصوت نائب واحد ينتمي إلى حزب فوكس لصالح المقترح. وأكد الحو أن “اعتراض البرلمان الإسباني يتناغم مع موقف الحكومة في اعتبار المغرب شريكا، ومن ثم قطع الطريق على استغلال الحزب اليميني المتطرف لملف الهجرة لأجل مساع انتخابية”، مشيرا إلى أن “خطاب الحزب يرتكز في متنه ولغته على معاداته للمغرب وللمهاجرين”.
ومن الواضح أن الحكومة الإسبانية لا تلتفت إلى تحريض فوكس ضد المغرب، خصوصا في ما يتعلق بملف تدبير الهجرة بين مدريد والرباط، ما جعل وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس يبعث برسالة واضحة للحزب من جزر الكناري الأربعاء، من خلال تأكيده أن هناك تعاونا وتنسيقا بين الرباط ومدريد.
وأكد ألباريس وجود مساع لإيجاد حلول لتدفقات المهاجرين، وبالخصوص القضاء على العصابات الإجرامية التي تنشط في تهريب المهاجرين انطلاقا من السواحل المغربية نحو السواحل الإسبانية.
وأوضح وزير الخارجية الإسباني لرئيس حكومة جزر الكناري أنخيل فيكتور توريس أن العلاقات الجديدة بين المغرب وإسبانيا تتأسس على الاحترام المتبادل والتعاون والابتعاد عن اتخاذ القرارات أحادية الجانب، مشيرا إلى أن هذه المرحلة الجديدة من العلاقات سيكون لها تأثير إيجابي على جزر الكناري.
لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسباني ترفض مقترحا تقدم به حزب فوكس يسعى إلى فرض عقوبات اقتصادية على الرباط
ويبدو أن الحزب اليميني المعارض لم يستوعب أن إسبانيا والمغرب قد قطعا شوطا كبيرا في إدارة الأزمة التي خيمت على العلاقات الثنائية، حيث عادت نائبته في البرلمان إلى الوراء، بالحديث عن أزمة وصول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى سبتة في السابع عشر والثامن عشر من مايو 2021، خلال الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وأشارت ميريلو إلى أن ذلك حدث في فترة كانت فيها الحدود مغلقة، ما يعني أن تكراره بشكل أسوأ والحدود مفتوحة يبقى احتمالا واردا.
وشدد المتحدث باسم نواب فوكس في الغرفة السفلى بالبرلمان الإسباني إيفان إسبينوزا دي لوس مونتيروس “على منع الذين يفكرون في الهجرة إلى إسبانيا، لأن المال القليل الذي نملكه مخصص للإسبان الذين فقدوا وظائفهم”.
وفي المقابل يحظى ملف الهجرة باهتمام كبير في إطار علاقات التعاون بين المغرب وإسبانيا، حيث أكد عبدالرفيع حمضي، مدير الرصد وحماية حقوق الإنسان بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن المغرب وإسبانيا يدركان ضرورة إطلاق مقاربة متجددة لتدبير ملف الهجرة، لا تستحضر فقط الهاجس الأمني الذي يحمي المهاجرين في حد ذاتهم، بل تستدعي أيضا أبعادا أخرى اقتصادية واجتماعية وإنسانية وحقوقية.
ويعتقد الحو أن ”المغرب تمكن ميدانيا من فرض حضوره كرقم مهم في معادلة التوازن الماكرو – سياسي لإسبانيا، وتأثيره في سياستها الداخلية من مداخل متعددة، منها الهجرة وتجاوز الدور الدركي للمغرب في تطويق كل ما يتهدد القارة العجوز من مخاطر المخدرات والإرهاب والهجرة”.