تسيطر الخلافات الأيديولوجية والخصومات الشخصية على العلاقات بين أحزاب المعارضة المغربية خصوصا بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، وهو ما ظهر في فشل مبادرة من رؤساء الفرق النيابية لتلك الأحزاب إلى جانب الحركة الشعبية في لم الشمل وتقريب وجهات النظر تمهيدا لقيام تحالف بينها على غرار تحالف أحزاب الأغلبية.
وأبرزت مجموعة المعارضة في مجلس النواب في بلاغ أصدرته عقب لقاءات رؤسائها مع القيادة السياسية لأحزابها الأسبوع الماضي التزامها بالحرص الشديد على مواصلة ممارسة معارضةٍ وطنية قوية ومسؤولة وبَنَّاءة، على أساس خدمة الصالح العام من خلال السعي نحو التأثير في السياسات العمومية.
ويرى المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق أن هناك صراعات شخصية وعداوات بين رؤساء الأحزاب المعارضة، لافتا إلى أن المعارضة تحاول إخفاء تلك العداوات التي تملكت القيادات خصوصا رئيس الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر ورئيس العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران.
حزب الحركة الشعبية المعارض يقترح القيام بمحاولة التقريب بين عبدالإله بنكيران وإدريس لشكر ونبيل بن عبدالله في لقاء واحد
وأشار لزرق في تصريح لـه ، إلى أن “الأحزاب المعارضة لها اختلافات أيديولوجية تنعكس على تنسيق أدوارها داخل البرلمان وحتى عند تقديم مقترحات قوانين لا نلمس فيها النَّفَس السياسي الذي يعطيها قوتها ووقعها الذي يؤثر على التحالف الحكومي، وبالتالي من الصعب أن يتم إفراز قطب سياسي قوي يواجه الحكومة ويعمل على ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وأكد رؤساء مجموعات المعارضة البرلمانية على عزمهم الرفع من وتيرة التنسيق المُحكَمِ والفَعَّال، والانتقال إلى مرحلة أقوى من العمل المشترك في مجلس النواب لتحصين الحقوق الدستورية للمعارضة، والدفاع عن التوازن والتكامل المؤسساتي الضروري.
وجدّدت المعارضة في بيان توصلت الجريدة بنسخة منه تأكيدَ حرصها على العمل إلى جانب باقي مكونات مجلس النواب بروحٍ من التعاون والتكامل، من أجل النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل إعطاء المكانة اللازمة للبُعد الديمقراطي والحقوقي.
ولا تشارك جل أحزاب المعارضة في الحرب الكلامية التي تدور رحاها هذه الأيام بين رئيس حزب العدالة والتنمية وغريمه رئيس التجمع الوطني للأحرار، وترى مصادر من حزب الاتحاد الاشتراكي أنه لا يعنيها الدخول في مهاترات كلامية تخلقها قيادة العدالة والتنمية لتغطي على الدور الحقيقي للمعارضة داخل وخارج البرلمان في تنسيق خططها.
ويعد الاختلاف القائم بين حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي أيديولوجيا وسياسيا وعلى مستوى التقييمات الاجتماعية، ولهذا ترى ذات المصادر من الحزب اليساري في تصريح لـه، أن التنسيق يكون صعبا مع العدالة والتنمية وهو ليس راجعا فقط إلى المرجعية الدينية، وإنما إلى عناد قيادته متمثلة في عبدالإله بنكيران لأجل فرض اختياراته.
رشيد لزرق: المعارضة المغربية تفتقر إلى وحدة البرامج السياسية
وأوضح لزرق أنه بالنسبة إلى أحزاب المعارضة هناك تخبط كونها خرجت إلى المعارضة مكرهة ولأنها كانت تتوق للمشاركة في الحكومة مثل الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وأخرى خسرت الانتخابات وهي العدالة والتنمية وبالتالي لم تكن هناك وحدة في البرنامج وليست سوى معارضة منبرية من أجل “البوز” الإعلامي (الإثارة).
ونبّهت المعارضة الحكومة إلى خطورة نُزُوعها المفرط نحو الهيمنة والاستقواء بالمنطق العددي الضيق على حساب الاستناد إلى المنطق الديمقراطي والتوافقي المُكرّس لثبات الخيار الديمقراطي.
لكن لزرق أكد أن التحالف الحكومي له أغلبية متقاربة ومريحة تمكنه من النجاح في التدبير المؤسساتي للمرور بالسرعة الملائمة لتمرير القوانين التي يراها ملائمة للظرفية، عكس ما كانت عليه الحكومات السابقة وهذا امتياز حقيقي لا نلمسه عند المعارضة.
ويقترح حزب الحركة الشعبية المعارض القيام بمحاولة التقريب بين عبدالإله بنكيران وإدريس لشكر ونبيل بن عبدالله في لقاء واحد، ويراهن الحزب على علاقاته المتوازنة مع الجميع.
ويرى لزرق أن المعارضة لا تزال تبحث عن نفسها كمجموعة موحدة ومنسجمة. وبالتالي لا يزال هناك غموض حول الدور الحقيقي للمعارضة: هل ستقدم مشروعا سياسيا وحلولا مبتكرة، أم تنتظر أي فرصة للعودة إلى صفوف الحكومة؟
ووجهت المعارضة الاثنين في بداية جلسة الأسئلة الشفوية داخل البرلمان انتقادات شديدة اللهجة للحكومة، واتهمتها بـ”احتقار المؤسسة التشريعية” بعدما رفضت مجموعة من مقترحات القوانين المقدمة من طرف النواب.
واعتبرت مجموعة الاتحاد الاشتراكي إلى جانب مجموعة العدالة والتنمية بمجلس النواب أن هذه الخطوة تمثل خرقا واضحا لعدد من فصول النظام الداخلي ومبدأ الفصل بين السلطات، وهو الموقف الذي وُوجه بانتقاد من طرف رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار الأغلبي يونس بن سليمان الذي اتهم المعارضة بـ”إقحام النظام الداخلي لتمرير رسائل سياسية”.
ويرى لزرق أن تجمع المعارضة الحالي هو اضطراري أكثر مما فرضته الشروط الموضوعية للمعارضة، وأضاف أن التمعن الدقيق في انتقاداتها يظهر أنها دون جدوى سياسية وهي مجرد تنفيس سياسي لا أكثر، لأن التنسيق يبدأ أساسا من قيادات الأحزاب.