تحت عنوان: “كيف حاول أوليغارشيو بوتين القيام بـ”البيزنس” في المغرب؟”، قالت مجلة ‘‘جون أفريك’’ الفرنسية إن رجال أعمال روس، كثيرون منهم مرتبطون بالكرملين، حاولوا منذ فترة طويلة إقامة علاقات تجارية في المغرب. لكن معظم الاتفاقات لم تؤت ثمارها قط، وانعدام الثقة بين الرباط وموسكو متبادل.
وأضافت المجلة القول إنّ الكثير من العناصر تثير تساؤلات حول الشبكات الروسية في المملكة المغربية. فمنذ غزو روسيا لأوكرانيا على وجه الخصوص، تجنب المغرب بعناية تنفير أي من أطراف النزاع، إذ لم يشارك في التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين العدوان الروسي. نتيجة لذلك، فإن المملكة ليست مدرجة ضمن قائمة الدول التي فرض عليها بوتين عقوبات.
وبحسب أرتيم تسينامدزغفريشفيلي، الممثل التجاري في السفارة الروسية بالرباط، فإن ‘‘المملكة المغربية تظل ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الروسي بين دول القارة الأفريقية، بعد مصر والجزائر’’. كما سجل حجم التجارة بين روسيا والمغرب زيادة بنسبة 50 في المئة في شهري يناير وفبراير من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، لكنه ما يزال منخفضا نسبيا، دون 2 مليار دولار.
وعندما حددت السلطات المغربية لنفسها هدفا طموحا يتمثل في استقبال مليوني سائح روسي بحلول عام 2020، لم يستقبلوا سوى 10 آلاف في عام 2019، فضل غالبيتهم مدينة أكادير. لدرجة أنه في عام 2018، افتتحت هذه المدينة الجنوبية حوض دولفيناريوم بتمويل روسي بقيمة 8 ملايين درهم (نحو 755 ألف يورو). ومؤخرا، بين فبراير ومارس الماضيين، سمحت السلطات المغربية لعدد من شركات الطيران الروسية والطائرات الخاصة بالهبوط والإقلاع من مطار أكادير المسيرة، فيما أغلقت حوالي ثلاثين دولة أوروبية مجالها الجوي أمام روسيا.
في الواقع – تتابع ‘‘جون أفريك’’ – كان من الممكن أن يكون الأوليغارشيون بالأساس يرغبون في عبور المحيط الأطلسي للوصول إلى الملاذات الضريبية في جزر الأنتيل. لذلك تمكنوا من التوقف في مدينة أغادير لملء الكيروسين قبل المغادرة. ونقلت المجلة عن مصدر مقرب من الدوائر العسكرية المغربية، قوله: ‘‘منذ اللحظة التي أصبح فيها هذا معلوما، طلبت السلطات المغربية بأدب من الروس عدم استخدام هذا الطريق الجوي بعد الآن’’.
إحباط الاتفاقات الروسية المغربية
ومع ذلك – توضح ‘‘جون أفريك’’ – على الجانب الروسي، كانت محاولات القيام بأعمال تجارية في المغرب عديدة، لكنها غالبا ما كانت غير ناجحة. في عام 2006، أعلنت الصحافة الروسية عن وصول واحدة من أكبر خمس مجموعات مالية روسية، IFC Metropol، إلى السوق المغربية. وتم الحديث وقتها عن استثمار 150 مليون دولار في مشروع سياحي بمدينة مراكش و60 مليون دولار في مصنع أسمدة لمكتب الفوسفات. وبعد ستة عشر عاما، توقف المشروع. في مارس عام 2016، بعد الزيارة الرسمية للملك محمد السادس إلى الكرملين، وعدت روسيا بتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى المغرب وتركيب مصنع شاحنات عسكرية ماركة كاماز في المملكة. لكن مرة أخرى لم يحصل أي شيء.
ويضيف المصدر المقرب من الدوائر العسكرية المغربية القول: ‘‘في وقت مبكر من عام 2006، بعد زيارة قام بها بوتين، وقعت الدولة المغربية عقود أسلحة مع روسيا”. من بين أمور أخرى، خططوا لشراء 100 طائرة هليكوبتر ونظام دفاع جوي، لكن هذا لم يؤت ثماره لأسباب ثقافية وتقنية وسياسية: قرب روسيا من النظام الجزائري ومصالحها هناك، وموقفها الدبلوماسي بشأن الصحراء، ولكن أيضا بسبب قرب المغرب من الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تنظران نظرة قاتمة للغاية إلى هذا النوع من الصفقات المبرمة مع موسكو. إحدى الاتفاقيات النادرة التي نجحت تتعلق بتزويد السوق الوطنية بالقمح الروسي، الموقعة في عام 2016. لكن منذ ذلك الحين، نأى المغرب بنفسه عن مجتمع الأعمال الروسي، الذي يعتبره “ساما”. ومع ذلك، ما تزال روسيا تصدر القمح إلى المغرب.
مصفاة روسية: السراب العظيم
في أكتوبر عام 2019 – تواصل ‘‘جون أفريك’’ – على هامش المنتدى الاقتصادي الأفريقي الروسي في سوتشي، أعلنت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن توقيع اتفاقية لبناء مصفاة نفط بقيمة 2 مليار يورو. تم توقيع العقد بالأحرف الأولى في مارس 2019 من قبل المدير العام لشركة MYA Energy، مولاي يوسف العلوي، رجل الأعمال، المشهور بأنه قريب من الدوائر الأمنية المغربية، ورئيس بنك التنمية في الاتحاد الروسي (VEB)، دانييل ألغوليان، ونائب رئيس مركز التصدير الروسي (EXIAR)، نيكيتا جوساكوف.
وراء الكواليس، كان مولاي يوسف العلوي قد أخذ نصيحة من الخبير الروسي، روشان تيلياشيف، المدير السابق في شركة شل، الذي عمل مع العملاق الروسي لوك أويل، ثم في شركة Genoil متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط، قبل أن يفتح استشاراته الخاصة. كان من المفترض بشكل خاص أن يتوجه الروسي إلى المغرب لإجراء دراسات ميدانية والتأكد من جدوى المشروع.
في عام 2015، تم بالفعل إغلاق مصفاة سمير، المصفاة الوطنية الوحيدة، بالكامل، واستوردت المملكة 100 في المئة من احتياجاتها من الوقود. كان يمكن لمشروع المصفاة الروسي أن يمكّن المغرب من إنتاج الوقود البحري والوقود للسوق المحلية. ويبدو أن المشروع الفرعوني ولد ميتا. فمن جانب كبار المسؤولين التنفيذيين في الإدارة المغربية وخبراء الطاقة وحتى الجيش، لم يؤمن أحد بهذا المشروع أو حتى قرأ أو رأى أو سمع أي شيء ملموس.
وأوضحت ‘‘جون أفريك’’ أن الروس يستثمرون بشكل رئيسي في قطاع الطاقة والبنوك، وهي تعد بمثابة محميات خاصة في المغرب. ويقول مصدر المجلة القريب من الدوائر العسكرية المغربية: ‘‘أعتقد أن السلطات مترددة في فتح أسواقها أمام الأوليغارشية الروسية. هما قوتان اقتصاديتان بطبيعتهما عشائرية احتكارية إلى حد ما، مما يولد بالتالي عدم ثقة متبادلا’’.
ومع ذلك، تواصل روسيا محاولاتها. في بداية شهر مايو، أشار تيميبر سيلفا، وزير الدولة النيجيري للموارد البترولية، إلى أن العديد من المستثمرين الروس يريدون تمويل جزء من خط أنابيب الغاز المغربي النيجيري، وهو مشروع ما يزال افتراضيا للغاية.