تنظر تونس بقلق لغموض الموقف الجزائري القاضي بتأجيل فتح الحدود بالرغم من انتهاء المبرر المباشر لهذا الإغلاق، وهو وجود جائحة كورونا التي لم تعد تحول دون فتح الحدود بين بلدان العالم، في وقت تقول فيه أوساط سياسية تونسية إن هذا القرار يخفي موقفا رسميا جزائريا في الضغط على الرئيس قيس سعيد الذي يريد بناء علاقات على قاعدة الندية ودون التبعية لأيّ جهة.
وقالت الأوساط السياسية التونسية إن الجزائر عملت ما في وسعها لجلب قيس سعيد إلى صفها في ملفات وتحالفات إقليمية لكن الرئيس التونسي رفض منطق الأحلاف الإقليمية، وأنه أكد للجزائريين أن ما يهمه هو تقوية العلاقات المباشرة بين تونس والجزائر على المستوى الرسمي والشعبي كدولتين جارتين، وهو أمر لم تقبل به الجزائر التي كانت تريد أن يظهر الرئيس التونسي انحيازه العلني لموقفها من موضوع الصحراء المغربية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الجزائر تستغل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس كورقة ضغط ضد قيس سعيد، لافتة إلى أن إغلاق الحدود سيعني آليا منع البلاد من الاستفادة من وجود السياح الجزائريين الذين يزورون تونس بأعداد كبيرة بمناسبة الموسم السياحي، كما يزورونها في بقية العام.
ويتيح فتح الحدود لسكان المناطق الحدودية خاصة من الجانب التونسي الاستفادة من تسهيلات ومزايا كانت وضعتها الجزائر لفائدتهم. كما كانت السلطات الجزائرية تغمض الأعين عن تهريب البنزين والسلع المدعومة على نطاق واسع ضمن خطة مشتركة لتخفيف الضغوط الاقتصادية ومنع تحويلها إلى منطقة عبور للمجموعات الإرهابية، وذلك ضمن اتفاقيات سابقة منذ حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ويقول مراقبون إن الهدف من إحكام الإغلاق هو خلق مناخ من التوتر الاجتماعي ضد الرئيس سعيد خاصة في مناطق حدودية تعيش على علاقتها بالجزائر في غياب تام لمشاريع حكومية تونسية ذات قيمة، وهو أمر لا يتعلق بقيس سعيد ولكن بالدولة ككل التي تركت المناطق الحدودية مهمشة.
ويعتبر المراقبون أن استمرار الإغلاق على أبواب الموسم السياحي رسالة سياسية واضحة خاصة في ظل تلميحات لوقف تزويد تونس بالغاز بشكل تفاضلي مثلما جرت به العادة، والتلويح بزيادة الأسعار، وكذلك المطالبة بأموال الغاز المتخلدة لدى تونس، وهي تعرف أن تونس تكافح للإيفاء بالتزاماتها المالية داخليا وخارجيا.
وتسود في تونس مخاوف من أزمة كهرباء بسبب قرار الجزائر مضاعفة أسعار الغاز الذي تستخدمه تونس في توليد الطاقة الكهربائية.
وحذر كاتب عام جامعة الكهرباء والغاز التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل عبدالقادر الجلاصي من عدم تمكن تونس من إنتاج الكهرباء بالنظر إلى ما قال إنه رفض الجزائر مستقبلا إمداد تونس بالغاز، واصفا الوضع بـ”الكارثي”.
وأوضح الجلاصي على هامش أشغال الجامعة العامة للنفط والمواد الكيميائية التي انعقدت السبت بمدينة الحمامات (شمال شرق تونس) أن 70 في المئة من حاجيات تونس من الغاز تلبيها الجزائر بينما تتأتى البقية من الإنتاج المحلي.
وقال المحلل السياسي التونسي محمد ذويب “يبدو أن الجزائر رغم مساندتها في البداية لقيس سعيد ومسار الخامس والعشرين من يوليو، فإنها فيما بعد أخذت مسافة وشرعت في تغيير موقفها فيما يجري بالبلد، فمواصلة غلق الحدود مع تونس تشكل نقطة استفهام كبرى ونحن على أبواب موسم سياحي مهم، كما أن الاتفاقيات بين البلدين لم يتم الشروع في تنفيذها”.
وتمنى ذويب في تصريح لـه أن “تجرى اتصالات دبلوماسية بين البلدين في الأيام القادمة لتلافي المشاكل الحاصلة خاصة وأنه لا خيار أمامهما إلا التوافق وتقريب وجهات النظر والتعاون المشترك في ظل أزمة عالمية شاملة بعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا وتأزم الأوضاع في ليبيا”.
وتساءل المراقبون لماذا اختارت الجزائر التشدد في موضوع الحدود والتزويد بالغاز الآن وليس في فترات سابقة حين كانت تونس في وضع صعب، وكانت السلطات الجزائرية تتخوف من أن يفضي ضعف الدولة وغياب الأمن إلى خلق مناخ يتيح للمجموعات الإرهابية التحرك بسهولة والانتقال عبر الجبال المشتركة واستهداف أمن الجزائر.
ويتخوف هؤلاء المراقبون من أن يتطور هذا البرود من جانب الجزائر إلى محاولة تطويق لتجربة قيس سعيد المناوئة للإسلاميين في وقت باتت الجزائر جزءا من تحالف إقليمي داعم لعودة هؤلاء إلى السلطة، وذلك بعد زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى تركيا وتوقيع اتفاقيات كبرى تجعل من الصعب على الجزائر أن ترفض التحرك خارج أجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتخذ من موضوع الإسلاميين ورقة لإعادة التموقع في ليبيا وتونس.
وتنظر الجزائر إلى تونس كمتنفس على المستوى الإقليمي، خاصة بعد تراجع نفوذها في منطقة الساحل وعجزها عن التدخل في ليبيا التي باتت ساحة لصراع القوى العالمية الكبرى، أما المغرب فهو ند لها وينافسها إقليميًّا وأفريقيًّا.
وكان الرئيس الجزائري أوحى في تصريحات سابقة بأن بلاده حريصة على “تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات”. لكن مراقبين سياسيين يقللون من قيمة هذه الوعود، متسائلين عن قدرة الجزائر، التي تعيش بدورها أوضاعا صعبة، على تمكين تونس من دعم مباشر وعاجل لتسوية أوضاعها.
وأشاروا إلى أن تونس قلقة من غموض تصريحات الرئيس الجزائري التي تظهر فيها بلاده كأنها حامية لتونس، أو أن الأوضاع في تونس منفلتة، أو أنها واقعة تحت تأثير جهات خارجية، في الوقت الذي يقول فيه التونسيون إن قيس سعيد نجح منذ توليه السلطة -وخاصة بعد إجراءاته الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي- في أن يبعد تونس عن الصراعات الخارجية ويجنبها سياسة الأحلاف التي اتبعتها حكومات سابقة بعد الثورة.
وقال تبون “الجزائر لن تسمح لأيّ كان أن يهدد تونس أمنيا، ولن تبقى في موقف المتفرج في حال وقوعه”، في إشارة إلى استعداد بلاده لمساعدة تونس وتأمينها من ضغوط أمنية واقتصادية محتملة.
وأضاف “لن أقبل بالضغط على تونس، لا دخل لكم في تونس، لها دستورها ورئيسها ويمكنها تدبير أمورها بنفسها، الجزائر لن تتدخل في شؤون تونس الداخلية لأنها دولة مستقلة ويمكنها تسيير أمورها جيدا”.