في ظرف إقليمي متحول ومحفوف بالعديد من التهديدات الأمنية تكتسي زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى تركيا أهمية بالغة سواء في ما يتعلق بالقصايا الثنائية أو الملفات الإقليمية الساخنة والتي شكلت نقاطا خلافية بين البلدين.
يؤدي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بداية من الأحد زيارة إلى تركيا تدوم ثلاثة أيام، يأمل من خلالها البلدان في تسوية الملفات العالقة بين البلدين وفي المنطقة، فضلا عن مسألة البحث في تمتين العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وينتظر أن تتصدر قضية الميليشيات المسلحة المحسوبة على تركيا في ليبيا، وموقف إسطنبول من نزاع الصحراء، المباحثات المنتظرة بين الرئيسين الجزائري تبون ونظيره التركي أردوغان، بما يمثلانه مصدرا للشكوك القائمة بين البلدين، رغم التقارب القائم بينهما واتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع بين الطرفين.
وكانت وسائل إعلام مغربية مقربة من القصر الملكي قد تحدثت عن دعم تركيا للمقاربة المغربية في حل ملف الصحراء المغربية، مضيفة أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو كان قد أعرب بمناسبة الاجتماع الوزاري للتحالف ضد تنظيم داعش المنعقد في المغرب عن تأييد بلاده للوحدة الترابية.
الموقف التركي يبدو غامضا بسبب رغبة أنقرة في الحفاظ على المغرب والجزائر في آن واحد
وهو ما تراجعت عنه الدبلوماسية التركية عبر بيان نفت فيه أي تغيير في الموقف التركي تجاه الملف.
وذكر الناطق باسم الخارجية تانجو بيلغيج بأنه “منذ البداية دعت تركيا إلى حل سياسي لمسألة الصحراء المغربية في إطار لوائح وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وإلى الحوار بين الأطراف، وأن تركيا تدعم وحدة أراضي وسيادة جميع دول المنطقة داخل الحدود المعترف بها دوليا”.
ولفت البيان إلى أن الوزير جاويش أوغلو أكد على هذا الأمر خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره المغربي ناصر بوريطة بمراكش الأربعاء الماضي.
ويبدو أن تركيا التي تربطها علاقات وثيقة بالمغرب والجزائر لا تريد إزعاج أي من الطرفين، ولذلك بدا الموقف غامضا. وهو ما يريد الرئيس تبون بحثه مع أردوغان.
وسيكون الانزعاج الجزائري غير المعلن من دور تركيا في الأزمة الليبية محل مشاورات الرئيسين، خاصة وأن الجزائر أكدت في أكثر من مناسبة على لسان الرئيس تبون رفضها الثابت لوجود ما أسمته بـ”المرتزقة والميليشيات المسلحة الإقليمية على الأراضي الليبية”، بما تمثله من تهديد للأمن والاستقرار الداخلي وللحدود المشتركة بين ليبيا والجزائر.
وكان وزير الخارجية المغربي بوريطة قد صرح بأن “بلاده تعمل على تقوية العلاقات الثنائية مع تركيا”.
وأضاف “في هذا الإطار اتفقنا على استحقاقات قادمة بخصوص آليات التعاون بين البلدين، وقد تم الاتفاق على تبادل الزيارات، وزيارتي لتركيا، وعلى ضرورة عقد اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين”.
ولفت إلى أن بلاده “تشكر وتقدر موقف تركيا من قضية الصحراء المغربية”، مضيفا “بدورنا نؤيد أنقرة ونقف معها في قضاياها الأساسية، في إطار علاقات التضامن بين بلدين مسلمين لهما طموح لتقوية هذه الشراكة”.
وفضلا عن كل ما تقدم، تمثل زيارة تبون إلى تركيا محطة بارزة لتعميق التعاون الاستراتيجي بين البلدين وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، خاصة وأن المبادلات ارتفعت بعد جائحة كورونا بنحو 30 في المئة، في ظل تحول وجهة المتعاملين المحليين من الصين إلى تركيا.
وذكر في هذا الشأن رئيس جمعية التجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، في تصريح لوسائل إعلام محلية، بأن “العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجزائر وتركيا في ارتفاع متتابع بشكل محسوس، إذ يزيد حجم التبادل عن 4 مليارات دولار”.
وأوضح أن “حجم الاستثمارات التركية في الجزائر في تزايد متواصل، إذ قارب السنة الماضية الخمسة مليارات دولار. وتتواجد حاليا أكثر من 1300 شركة ومؤسسة تركية في الجزائر، وهو ما يعد من أكبر الاستثمارات الأجنبية، خاصة أنها تنشط في قطاعات حساسة على غرار الحديد والنسيج والأشغال العمومية والطاقة والبيتروكيمياويات والأدوية والنقل وحتى الخدمات”.
ووصف المتحدث العلاقات بين البلدين بالاستراتيجية، خاصة أن تركيا تُعد من بين أهم سبعة متعاملين مع الجزائر في العالم ومن الدول الممونة للسوق الجزائرية. كما أن التبادل يمكن أن يتضاعف لأكثر من عشرة مليارات دولار خلال السنوات المقبلة بحسب خبراء من البلدين.
كما كشف عن ارتفاع التبادل التجاري منذ بداية أزمة الكوفيد بأكثر من 30 في المئة، لأن الكثير من المستوردين غيروا وجهتهم من الصين نحو تركيا في ظل الأزمة، ذلك أن الخدمات التركية أكثر جودة نسبيا فهي قريبة من الجودة الأوروبية مع أسعار أقل مقارنة بالمنتجات الأوروبية.
ونوه أيضا بكثافة خطوط النقل التي تفوق الـ30 خطا جويا بين البلدين في الأسبوع الواحد، معتبرا أن تواجد 30 ألف تركي في الجزائر مؤشر على قوة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وأعلنت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية أن الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى بين الجزائر وتركيا سيعقد في أنقرة الاثنين برئاسة الرئيس تبون ونظيره أردوغان.
وأفادت بأن “الاجتماع سيشارك فيه الوزراء المعنيون بمراجعة العلاقات التركية – الجزائرية المستندة إلى روابط تاريخية متجذرة”.