شكلت إشادة كبار ممثلي العواصم العالمية على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش بمدينة مراكش، بالحكم الذاتي في الصحراء المغربية، غضبا لدى النظام الجزائري حيث أطلقت وزارة خارجيته بيانا رسميا تتهم فيه أولا الرباط بـ”تضليل عدد من المشاركين”، وأن ذلك الدعم “حاد بهذه المبادرة الدولية عن هدفها المعلن”.
وفي رد فعل انفعالي أدانت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان لها الخميس، ما وصفته بـ“تحويل المغرب إلى موضوع المؤتمر الدولي لمحاربة الجماعة الإرهابية داعش الذي انعقد بمراكش إلى حدث مخصص لقضية الصحراء”.
وقالت في بيانها “إن عناد المغرب في الترويج لمبادرته على نطاق واسع باللجوء إلى حيله المعهودة وسط تجمع دولي لمكافحة الإرهاب، قد أسفر عن تضليل عدد من المشاركين وسلط الضوء على تناقضات البعض منهم والتي يطمح الجانب المغربي إلى استغلالها في خضم مناوراته العبثية الرامية لتشويه قضية الصحراء”.
واعتبر مراقبون مغاربة أن ما أزعج الجزائر هو نجاح المغرب في الحصول على دعم طيف موسع من المشاركين جاؤوا خصيصا لتدارس ملف آخر، فإذا بهم يلتقون مع الرباط في اعتبار أن “دعم الكيانات الانفصالية في أفريقيا يمثل دعما للإرهاب”، في إشارة واضحة إلى حركة بوليساريو.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح الخبير المغربي في القانون الدّولي في تصريح لـ”العرب”، أنه لم يكن مستغربا رد الفعل المتشنج الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الجزائرية في البيان الرسمي، إزاء مخرجات اجتماع التحالف الدولي ضد داعش، متسائلا هل ستسحب الجزائر سفراءها من جميع هذه الدول وتهدد بقطع إمدادات الغاز عنها كما فعلت مع إسبانيا، أم سيلوذ النظام الجزائري بالصمت؟
وفرضت انتصارات الدبلوماسية المغربية إيقاعها على وزارة الخارجية الجزائرية، حيث كانت المبادرة المغربية للحكم الذاتي في قلب اهتمام دبلوماسي كبير تأكيدا على الرؤية المغربية ذات المصداقية والجادة في البحث عن حل سياسي لنزاع مفتعل طال أمده.
ناصر بوريطة: من يمول ويؤوي ويدعم ويسلح الانفصالية يساهم، في الواقع، في انتشار الإرهاب ويقوض السلم والأمن الإقليميين
وفي موقفها الجديد اعتبرت هولندا على لسان وزير خارجيتها ووبكي هوكسترا، الأربعاء، أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007 “مساهمة جادة وذات مصداقية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة” لإيجاد حل لقضية الصحراء.
وأبرز وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في تصريح صحافي عقب نهاية مؤتمر مراكش أن الموقف الهولندي ينضم إلى سلسلة مواقف أعلنت عنها دول أوروبية أخرى، ويتعلق الأمر بألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وصربيا والمجر ورومانيا وغيرها، وهو ما يؤكد تبلور ديناميكية أوروبية للوصول إلى حل لهذه القضية.
وانخراط هولندا في الديناميكية الدولية الداعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي لإنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، يأتي في سياق الدعم الذي أعربت عنه الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وقبرص وتركيا رومانيا والفلبين لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007 كأساس وحيد لحل هذا النزاع.
وما يثير حنق النظام الجزائري إزاء اجتماع مراكش حسب محمد سالم عبدالفتاح ليس الصيت الدبلوماسي والحضور الدولي الوازن للمغرب فقط، ولكن ربط ظاهرة الإرهاب بالأجندات الانفصالية التي تعيشها دول المنطقة.
وفي هذا الاطار أبرز وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، أمام الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش بمراكش، أن معطى التحالف الموضوعي بين الجماعات الإرهابية ونظيرتها الانفصالية قد تأكد من خلال تزايد عدد الأفراد الذين تحولوا من جماعات انفصالية إلى جماعات إرهابية أو العكس، مشيرا إلى أن “من يمول ويؤوي ويدعم ويسلح الانفصالية يساهم، في الواقع، في انتشار الإرهاب ويقوض السلم والأمن الإقليميين”.
ورغم أن ناصر بوريطة لم يشر في كلمته إلى الجزائر وبوليساريو، فقد أكد أن الانفصال والإرهاب يشكلان “وجهين لعملة واحدة”، إلا أن المسؤول الجزائري عمار بلاني اعتبر في تصريحات محلية أن كلمة الوزير المغربي “موجهة ضد بلاده وجبهة الانفصالية”.
انزعاج جزائري من حصول المغرب على دعم مشاركين جاؤوا لتدارس ملف آخر، فإذا بهم يدعمون الرباط في إدانة الانفصالية
وفي هذا الصدد تساءل عمار بلاني، سفير الجزائر السابق ببروكسل، “عن أي انفصالية نتحدث؟ بما أن أراضي الصحراء الغربية هي إقليم مستقلّ، لا يتمتّع المغرب بأي شكل من أشكال السيادة الشرعية عليه، مثلما تؤكده محكمة العدل الدولية ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي”، حسب تعبيره.
وقال مراقبون إن الجزائر تخشى بإثارتها هذا الموضوع في هذه الظرفية من ربط نشاطات جبهة بوليساريو بالجماعات الإرهابية في دول الساحل، ما قد يقود إلى استخدام هذا الملف لطرد الجبهة من الاتحاد الأفريقي ووضع الجزائر في موقف صعب.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح أن احتضان المغرب لاجتماع التحالف الدولي ضد داعش يعتبر مؤشرا واضحا على تغير تعاطي المجتمع الدولي، سواء في ملف الصحراء المغربية أو مع الملفات الأمنية التي تعيش المنطقة المغاربية على وقعها، وهو ما يستفز النظام الجزائري، خصوصا مع خروج عدد من الدول الفاعلة والمؤثرة على الساحة الإقليمية والدولية من المنطقة الرمادية وانخراطها في التوجه الأممي المعبّر عنه منذ أكتوبر الماضي، والداعم للمقاربة الواقعية والعقلانية التي تتقاطع مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وفي الوقت الذي أكد فيه بيان الخارجية الجزائرية أن “الجزائر التي دفعت ثمنا باهظا في حربها ضد الإرهاب وتمكنت من الانتصار عليه، كما تدين المغالطات التي يحاول المغرب الترويج لها”، أكد محمد سالم عبدالفتاح، الذي يشغل منصب رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، فشل الجزائر في التسويق لحربها المزعومة على الإرهاب والتي ظلت تسوّق لها منذ تسعينات القرن الماضي.