تحيط شكوك كبيرة بشأن أهداف مبادرة لمّ الشمل التي يطرحها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وبينها استيعاب رموز النظام السابق، في ظل معلومات متداولة عن تسوية ودية بين هؤلاء وبين السلطة وفق شروط لم يعلن عن تفاصيلها.
يبقي الغموض الذي يلف مبادرة “لم الشمل” المعلن عنها في الجزائر، من أجل تحقيق المصالحة بين المعارضة والسلطة، المجال مفتوحا أمام إمكانية تعميمها على رموز نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، من رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين حزبيين ورجال أعمال.
وأعرب السجين السابق محمد جميعي، الذي قاد حزب جبهة التحرير الوطني، خلال مرحلة ما قبل الحراك الشعبي، عن دعمه لمبادرة لم الشمل التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون، بغية إرساء صلح جديد بين السلطة والمعارضين السياسيين، ودعا في منشور له الجزائريين إلى الالتفاف حولها.
وكان القيادي السابق في جبهة التحرير، ثاني رئيس حزب سياسي بعد سلفه جمال ولد عباس، قد زج به في السجن خلال العام 2019 بتهم تتعلق بالفساد، وتم الإفراج عنه منذ أشهر قليلة، ويحسب الرجل على النظام السابق، حيث كان من عرابي الولاية الرئاسية الخامسة، قبل أن تجهض تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية. وأشاد جميعي في تدوينة له نشرها على حسابه الخاص في الفيسبوك بما أسماه “المسعى الحضاري” من أجل البلاد وكيانها ووحدتها ومصيرها، الأمر الذي اعتبر تزكية له للمشروع المذكور، ورغبة في تعميمه على رموز المرحلة السابقة، بغية طي الصفحة تماما.
محمد جميعي: المبادرة من شأنها أن تقطع مع التهميش وتكرّس سيادة الحق
وقال إن “لم الشمل والتسامح والتصالح من شيم الشجعان، وفقط الظروف الصعبة هي من تدفع إلى ضرورة الالتقاء والاتحاد والاجتماع والسير سويا لتحقيق النجاح ومواجهة المشكلات وتضميد الآلام، وأن المبادرة هي فرصة لمواجهة تحديات المستقبل واكتشاف أسباب النهضة واتحاد الجميع والتآخي ودراسة ذاكرة الماضي للاستفادة من الأخطاء”. وباستثناء بعض الضباط الكبار الذين أفرج عنهم في العام 2020، كمدير جهاز الاستخبارات السابق محمد مدين (توفيق)، ووزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار، فإن باقي المسؤولين المدنيين لا زالوا يقبعون في السجون، وعلى عاتقهم سلسلة من العقوبات السالبة للحرية.
ولا يستبعد أن تكون رسالة الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، مقدمة لتعميم مبادرة لمّ الشمل على سجناء المرحلة السياسية السابقة، خاصة في ظل المعلومات المتداولة عن تسوية ودية بين هؤلاء وبين السلطة وفق شروط لم يعلن عنها بعد.
وكان الناشط السياسي سمير بلعربي، أكد تلك المعلومات في منشور له، حول ما أسماه بـ”رضى رجال المال والأعمال المسجونين بمقايضة حريتهم مقابل التنازل عن الأموال والممتلكات”، وهي المقاربة التي كرسها في وقت سابق برنامج الحكومة السنوي ببند “التسوية الودية” لكنه لم يتم تفعيل المشروع إلى غاية الآن.
ويبدو أن السلطة بصدد البحث عن غطاء سياسي للعملية، ولذلك تأخر الطرح الحكومي، ويرجح أن تدرج التسوية بين السلطة وبين رموز المرحلة السابقة خاصة رجال المال والأعمال، في المبادرة المعلن عنها مؤخرا من طرف عدة دوائر محسوبة على السلطة، لكنها لم تعلن بشكل رسمي من طرف الرجل الأول في الدولة إلى حدّ الآن.
وذكر جميعي، في تدوينته المطولة، بأن “المبادرة من شأنها تمتين علاقاتنا وتواصلنا في ما بيننا، وعدم التهميش وسيادة الحق والعدل والتحاور بالحكمة والأفكار البناءة والاحترام مهما اختلفت آراؤنا.. هذا ما يُمْكِن الْأُمَّة من أن تحافظ على كيانها وإرثها وتبني مجدها”.
وأكد على أنه “هذا هو الطريق الصحيح المستقيم وهو نفس المنهج الذي اختاره رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، المنبثق عن بصيرة وعن شجاعة وبمسؤولية لرجل يقود الجزائر في أصعب الظروف”.
وتابع “إن النجاحات لا تتحقق بالتناطح والانقسام بل تتأتى بلم شملنا واجتماعنا.. والحياة سلسلة من الأحداث بعض حلقاتها أزمات والأزمات تلد الهمم والهمم روح النهضة والتقدم”. وكان بعض رموز النظام السابق، كوزير العدل السابق طيب لوح، والمدير العام الأسبق للأمن الجنرال عبدالغني هامل، قد استفادوا من أحكام ترواحت بين التبرئة وبين تخفيف العقوبات، وهو ما اعتبر مقدمة للإفراج عنهم، خاصة في ظل الأوضاع الصحية التي يعاني منها بعضهم كرئيس الحكومة عبدالمالك سلال وأحمد أويحيى.
ولا زالت الأوضاع السياسية والحقوقية الداخلية تحول دون تحقيق نتائج ملموسة للمبادرة، في ظل استمرار التضييق على الناشطين المعارضين والملاحقات القضائية ضدهم، رغم حديث عن وجود خطة لدى السلطة للافراج التدريجي عما يوصف بـ”مساجين الرأي”.
وتفيد تنسيقية الدفاع عن المعتقلين السياسيين، عن وجود نحو 300 معتقل في السجون، وعن استمرار التضييق عن ناشطين معارضين، كما هو الشأن بالنسبة إلى رئيس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المرخص له كريم طابو، الذي يخضع للمراقبة القضائية.