مشاورات سياسية جديدة لحلحلة الانسداد السياسي في الجزائر

بليدي

أطلق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون سلسلة من المشاورات السياسية الجديدة مع الطبقة السياسية تهدف على ما يبدو إلى الدفع نحو حلحلة حالة الانسداد السياسي القائمة في البلاد.

واكتفت الرئاسة الجزائرية بنشر بيان مقتضب لم يتناول فحوى المشاورات الجديدة، والإعلان فقط عن استقباله لرئيس حزب البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، ورئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، ورئيس حزب جبهة المستقبل عبدالعزيز بلعيد.

ولم يصدر أي بيان من طرف أي حزب للإعلان عن تلقيه دعوة من الرئاسة للمشاركة في مشاورات سياسية جديدة، وهو ما يفضي إلى حالة من الغموض حول الخطوة.

ورغم ذلك ذهبت جل القراءات إلى إدراجها في خانة مساعي السلطة للوصول إلى وفاق سياسي في ظل الانسداد القائم في البلاد، خاصة بعد الإعلان عن مشروع “لم الشمل”، وشروع جهات منها في اتصالات مع معارضي الخارج لإقناعهم بالمشروع.

ولا يستبعد أن تكون تركيبة الحكومة المنتظرة جزءا من المشاورات، مع إمكانية استعانة السلطة بالطبقة السياسية وطرح المشاركة فيها على الأحزاب لتكون أكثر تمثيلية، ولو أن رئيس حزب جيل جديد نفى في تصريح له تناول المسألة بينه وبين الرئيس تبون، في الاجتماع الذي جرى بينهما.

وتعد هذه الجولة من المشاورات السياسية هي الثالثة منذ تنحي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في أبريل 2019، حيث تم تكريس الجولة الأولى للعودة إلى المسار الدستوري والذهاب إلى الاستحقاقات الانتخابية لتشكيل مؤسسات منتخبة جديدة، بينما حامت اهتمامات الجولة الثانية حول الدستور، في حين ينتظر أن تتفرغ الثالثة لمعالجة الوضع السياسي المأزوم في البلاد بسبب الشرخ العميق بين السلطة وقوى المعارضة.

لم يصدر أي بيان من أي حزب حول تلقيه دعوة للمشاركة في المشاورات السياسية الجديدة، ما يفضي إلى حالة من الغموض حول الخطوة

وصرح رئيس حركة البناء الوطني بأنه “قدم لرئيس الجمهورية رؤية حركته لمختلف القضايا التي تسهم في الحفاظ على مكسب الأمن والاستقرار، وتمتين الجبهة الداخلية وتجريم تمزيق النسيج المجتمعي والدفاع عن السيادة”.

وذكر جيلالي أن “الاستقبال الذي حظي به من قبل رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون يأتي في إطار مساعي تقوية الجبهة الداخلية”. وأكد على أن الرئيس تبون أطلعه على رؤيته والنتائج المحققة في عدد من القطاعات منذ توليه مهامه، وعلى رغبته في استمرار النقاش والتشاور مع الطبقة السياسية والاستماع إلى جميع الآراء.

وكانت السلطة الجزائرية قد أجرت عبر ممثلين عنها سلسلة اتصالات مع ناشطين ومعارضين يقيمون في الخارج، لإقناعهم بالانخراط في مبادرة “لم الشمل”. وعبّر عدد محدود من هؤلاء -ينحدر من فلول جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة- عن نيته في التفاعل الإيجابي مع المبادرة.

لكن الغموض يبقى يكتنف تفاصيل المسعى الجديد، حيث اكتفت برقية مقتضبة لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بالكشف عن تبني الرئيس تبون للمبادرة، دون أن تتطرق إلى تفاصيلها، وهو ما أثار شكوكا حولها خاصة في ظل استمرار الجمود على صعيد الحريات والحقوق في الجبهة الداخلية، والرفض المبدئي الذي أبداه ناشطون سياسيون في الخارج لخطوة الرئيس تبون.

واستبقت أحزاب الموالاة جولة المشاورات السياسية الجديدة، بإصدار بيانات “دعمت فيها مبادرة لم الشمل ومساعي الرئيس والقرارات التي أصدرها في الفترة الأخيرة”.

وأعلن حزب الأغلبية النيابية -جبهة التحرير الوطني- عن دعمه وانخراطه “الفاعل في إنجاح المبادرة، لأنها تعزيز للإرادة الصادقة لرئيس الجمهورية في تجاوز الماضي بسلبياته وصراعاته وأحقاده، وإزالة كل مخلفاته وتأمينا للجزائر في مواجهة مختلف التحديات التي تحيط بها، في وقت يعاني فيه العالم من العديد من التوترات والأزمات بكل ما لها من تداعيات خطيرة”.

السلطة الجزائرية أجرت عبر ممثلين عنها سلسلة اتصالات مع ناشطين ومعارضين يقيمون في الخارج لإقناعهم بالانخراط في مبادرة “لم الشمل”

كما رحب التجمع الوطني الديمقراطي بالمبادرة الهادفة “للم شمل الجزائريين”. وذكر في بيان له أن “الجزائر الجديدة تحتاج إلى تعاون وثيق بين مكونات الطبقة السياسية والقوى الحية في المجتمع، ونبذ الخلافات وتجاوز ما يعكر الصفو ويؤدي إلى الفرقة، والرئيس يحوز وحده على الأدوات القانونية والشرعية السياسية الكفيلة بلمّ شمل الجزائريين”.

وما زالت مبادرة الرئيس تبون بعيدة عن التسويق السياسي، خاصة وأنها لم تعلن حتى من طرفه شخصيا، رغم مداخلاته المتتابعة في الأسبوعين الأخيرين؛ حيث التقى ممثلين عن وسائل إعلام محلية، ووجه كلمتين إلى الشعب والمؤسسات الرسمية بمناسبة عيد الفطر.

ولم تعلن مؤسسة الرئاسة عن المبادرة ومضمون وفحوى المشاورات السياسية، الأمر الذي خلق حالة من التردد لدى المعارضة التي لم يصدر عنها أي موقف إلى حد الآن -كما هو الشأن بالنسبة إلى الأحزاب الراديكالية المعروفة بمواقفها المتشددة- شأنها في ذلك شأن رموز الحراك الشعبي.

وتحدثت تقارير محلية عن وجود تمهيد من طرف السلطة لتهدئة الجبهة الاجتماعية والسياسية، حيث تكون قد أبلغت المحاكم والمجالس القضائية بضرورة تخفيف الأحكام القضائية الصادرة بشأن ما يعرف بمعتقلي الرأي، تمهيدا للإفراج عنهم خلال الأيام القادمة.

ولفت رئيس حزب جيل جديد في تصريحه لوسائل الإعلام المحلية عقب استقباله في قصر المرادية إلى أنه أبلغ الرئيس تبون رؤية حزبه المتعلقة بتسيير بعض الملفات، خصوصا الاقتصاد والبيروقراطية التي مازالت تميز العمل الإداري، فضلا عن تصوراته حول السياسة الخارجية في ظل الوضع الراهن.

وأكد أن “ما فهمته من خلال حديث رئيس الجمهورية أنه يريد الحوار مع الطبقة السياسية وتلقي الاقتراحات ومناقشتها في إطار المؤسسات”، وأن حديثهما لم يتضمن أي إشارة إلى التغيير الحكومي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: