شيرين أبوعاقلة.. حين يتحول الصحافي من ناقل للخبر إلى الخبر نفسه

اردان ماجدة

مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة خسارة جديدة للصحافة، إذ كان على الصحافيين والمراسلين هذه المرة تغطية حدث متمثل في مقتل واحدة منهم.

تصدر خبر مقتل مراسلة قناة “الجزيرة” القطرية الصحافية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة اهتمام الإعلام العالمي، وقوبل بموجة من الإدانة والاستنكار الشديدين وسط مطالبات دولية بفتح تحقيق عاجل في هذه الجريمة.

وقتلت شيرين أبوعاقلة وهي صحافية فلسطينية مخضرمة كانت من أولى الوجوه التي ظهرت على شاشة قناة “الجزيرة” القطرية، برصاصة في وجهها خلال عملية أمنية للجيش الإسرائيلي في جنين في الضفة الغربية المحتلة.

وجال مشيّعون حاملين جثمان أبوعاقلة الذي لف بالعلم الفلسطيني وبسترة الصحافة التي كانت ترتديها في شوارع مدينة جنين قبل نقلها إلى مركز الطب العدلي في مستشفى جامعة النجاح الجامعي في نابلس.

وتحلق مراسلون ومصورون وصحافيون حول الجثمان، وكان عليهم هذه المرة تغطية مقتل واحدة منهم.

مقتل أبوعاقلة شكل صدمة، للإعلاميين الذين نعوها متحدثين عن شجاعتها، ولكن أيضا عن هدوئها ورصانتها

ووصفت شبكة الجزيرة مقتل الصحافية المعروفة بإقدامها وسعة اطلاعها على النزاع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بـ”الاغتيال”، مشيرة إلى أن القوات الإسرائيلية قتلتها “بدم بارد برصاص حي بينما كانت تقوم بعملها الصحافي”.

ولدت شيرين أبوعاقلة (51 عاما) في مدينة القدس، وهي تحمل أيضا الجنسية الأميركية. وتتحدر عائلتها من مدينة بيت لحم. درست أبوعاقلة الصحافة في جامعة اليرموك في الأردن، وعملت في الإذاعة الرسمية الفلسطينية “صوت فلسطين” وإذاعة مونت كارلو قبل أن تنضم سنة 1997 إلى “الجزيرة” بعد سنة من انطلاقها. وسرعان ما أصبحت شيرين أبوعاقلة نجمة في “الجزيرة” التي بدورها كانت أول قناة فضائية عربية شاملة.

وشكّل مقتلها صدمة للفلسطينيين، لاسيما الإعلاميين الذين نعوها متحدثين عن شجاعتها، ولكن أيضا عن هدوئها ورصانتها. وهي مشهود لها بين زملائها بأخلاقها ومهنيتها. ونعتها شخصيات سياسية وقيادية بارزة وتنظيمات فلسطينية ومنظمات نقابية دولية والرئاسة الفلسطينية وحركة حماس الإسلامية في غزة وسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل توم نيدز.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في منشور على فيسبوك إنه “يوم أسود على الصحافة في العالم وعلى كل إنسان حر بفقدان شيرين أبوعاقلة التي شكلت بمهنيتها العالية ذاكرة جيل كامل وساهمت في نقل الرواية الفلسطينية للعالم بكل إخلاص، وكانت في قلب الحدث على مدار 25 عاما”.

وتابع في منشور على تويتر “ساهمت شيرين أبوعاقلة في تكوين ذاكرة جيل كامل ورواية القصة الفلسطينية للعالم”.

وأدان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط الأربعاء بأشد العبارات مقتل الصحافية.

وقال عنها الصحافي محمد دراغمة المدرس في جامعة بير زيت وأحد أصدقائها المقربين “أنا أعتبرها إحدى أقوى الصحافيين في العالم العربي. أنا أدرّس تقاريرها لطلابي في جامعة بير زيت وفي قطاع غزة”.

وأشار إلى أنه “كان لديها اهتمام كبير بمواصلة علاقاتها مع السياسيين حتى لو لم تكن هناك قصة آنية. كانت تلتقي بهم باستمرار”.

كل فلسطين تبكي شيرين

وأضاف “هي لا تضع مشاعرها في الأخبار التي كانت تحرص على تقديمها بموضوعية وحيادية، كانت تقاريرها تتميز بجمل قصيرة مكثفة، ووتيرة صوتها هادئة لا تحمل تحريضا”.

ونقل عنها أنها كانت تقول “لا أريد تسييس قصتي، أريد أن أعطي وقائع ومعلومات”.

وقالت زميلتها هدى عبدالحميد الموجودة حاليا في أوكرانيا في اتصال هاتفي معها من مكتب وكالة فرانس برس في القدس “كانت بالتأكيد صحافية شجاعة جدا”. وأضافت “كنت أسألها: ألا تتعبين؟ لأنها كانت دائما حاضرة كلما حصل شيء، وكانت مقدامة أكثر مني بكثير”. وتابعت “لكنها كانت أيضا صحافية متمرسة لا تخاطر بشكل غبي لمجرد المخاطرة”.

وفي أشرطة الفيديو التي بثتها “الجزيرة” أو تمّ تناقلها على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر صحافيون مصدومون ومتوترون قرب جثمان شيرين التي كانت تضع سترة واقية من الرصاص كتب عليها “إعلام” بالإنجليزية، وخوذة على رأسها.

وفي مقابلة معها أجرتها وكالة أنباء “النجاح” المحلية في نابلس، قالت أبوعاقلة “بالطبع أكون خائفة في كثير من الأحيان أثناء إعداد التقارير”، مضيفة “أنا لا أرمي بنفسي إلى الموت، أنا أبحث عن مكان آمن أقف فيه وأعمل على حماية طاقمنا الصحافي قبل أن أقلق على اللقطات”.

ويأتي مقتل الصحافية بعد نحو عام على تدمير قصف إسرائيلي لبرج الجلاء في قطاع غزة الذي كان يضم مكاتب القناة القطرية. وجاء ذلك خلال حرب غزة الأخيرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية التي استمرت 11 يوما وقتل خلالها 260 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا ومقاتلون، و14 شخصا في الجانب الإسرائيلي بينهم طفل وفتاة وجندي.

وفي مقابلة سابقة مع قناة “الجزيرة”، قالت شيرين أبوعاقلة إن الصحافي الفلسطيني “مُتهم دائما من قبل الجيش الإسرائيلي، ودائما يشعر باستهدافه”.

وأضافت “أينما وضعت الكاميرا ينظرون إليك على أنك تصور مكانا ممنوعا (…) دائما تشعر كصحافي أنك مستهدف”.

وعن الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002، الذي قامت بتغطيته وإعداد الكثير من التقارير حوله، قالت “لن أنسى حجم الدمار، ولا الشعور أن الموت كان أحيانا على مسافة قريبة”.

وتابعت “رغم الخطر كنا نُصر على مواصلة العمل”. وقالت أبوعاقلة إنها اختارت الصحافة كي تكون قريبة من الإنسان.

Thumbnail

وفي أكتوبر الماضي كتبت شيرين أبوعاقلة في دورية “فلسطين هذا الأسبوع” عن جنين “جنين بالنسبة إلي ليست قصة عابرة في مسيرتي المهنية أو حتى في حياتي الشخصية. إنها المدينة التي يمكن أن ترفع معنوياتي وتساعدني على التحليق عاليا”. وأضافت “إنها تجسد الروح الفلسطينية التي في بعض الأحيان ترتجف وتقع، لكنها تتفوق على كل التوقعات وتنهض لمتابعة رحلاتها وأحلامها”.

ورجّح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أن تكون نيران “فلسطينيين مسلحين” هي المسؤولة عن مقتلها.

وأفاد مصوّر لوكالة فرانس برس أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار خلال الموجهات، وأنه شاهد جثة تضع بزة الصحافيين الواقية من الرصاص، قبل أن يكتشف لاحقا أنها تعود إلى الصحافية أبوعاقلة.

وأكد الجيش الإسرائيلي في بيان أنه “يجري تحقيقا في احتمال إصابة صحافيين، ربما بنيران فلسطينية”.

وحسب وزارة الصحة الفلسطينية أصيب الصحافي علي السمودي الذي يعمل أيضا في قناة “الجزيرة” خلال الاشتباكات.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في تغريدة “عرضنا على الفلسطينيين إجراء تحقيق مشترك” في وفاة أبوعاقلة، مضيفا أن القوى الأمنية الإسرائيلية ستواصل “العمل حيثما كان ذلك ضروريا لمنع الإرهاب ومنع قتل الإسرائيليين”.

مقتل الصحافية يأتي بعد عام على تدمير قصف إسرائيلي لبرج الجلاء في قطاع غزة الذي كان يضم مكاتب القناة القطرية

ونفت السلطة الفلسطينية الأربعاء تلقيها طلبا من إسرائيل بالتحقيق في مقتل شيرين أبوعاقلة مراسلة قناة “الجزيرة” شمالي الضفة الغربية.

وقال رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية (حكومية) الوزير حسين الشيخ في تغريدة على حسابه في تويتر “ننفي ما أعلنه رئيس حكومة الاحتلال (نفتالي بينيت) عن توجههم للسلطة الفلسطينية بإجراء تحقيق في اغتيالها (أبوعاقلة)”.

وأضاف “نؤكد أن السلطة الفلسطينية ستحوّل هذا الملف إلى محكمة الجنايات الدولية”.

وقال السمودي الذي كان يعمل منتجا لشيرين للأسوشيتد برس إنهما كانا ضمن مجموعة من سبعة صحافيين توجهوا لتغطية المداهمة صباح الأربعاء. وأضاف أنهم كانوا جميعا يرتدون ملابس واقية تشير بوضوح إلى أنهم صحافيون، ومروا بجوار القوات الإسرائيلية حتى يراهم الجنود ويعرفون أنهم هناك.

وتابع السمودي الذي أصيب برصاصة في أعلى الظهر “كنا في طريقنا لتصوير عملية الجيش. فجأة أطلقوا علينا النار، لم يطلبوا منا أن نخرج، لم يطلبوا منا التوقف، أطلقوا النار علينا”.

وأوضح أن الطلقة الأولى أخطأتهم، ثم أصابته الثانية، وقتلت الثالثة شيرين، مؤكدا أنه لم يكن هناك مسلحون أو مدنيون آخرون في المنطقة، إذ لم يتواجد سوى المراسلين والجيش.

كما نقلت فرانس برس عن السمودي قوله “لم تكن هناك أي مقاومة، ولو كان هناك مقاومون لما كنا ذهبنا إلى هذه المنطقة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: