لم يتضمن البيان المشترك الذي صدر عقب اجتماع وزير خارجية مصر، سامح شكري، بنظيره المغربي، ناصر بوريطة، في الرباط يومي الإثنين والثلاثاء من الأسبوع الجاري، أية إشارة لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المغرب، وهو الحدث الذي كانت أوساط سياسية وإعلامية تتحدث عنه لعدة سنين، دون أن يتيسر تنفيذه على أرض الواقع.
كما أن البيان المذكور لم يحدد أي تاريخ لموعد انعقاد “اللجنة العليا المشتركة المصرية المغربية”، برئاسة قائدي البلدين، واكتفى بدعوة مجلس رجال الأعمال إلى “استثمار العلاقات الجيدة بين البلدين والإطار القانوني الغني والمتنوع الذي يجمعهما، لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بما يدعم جهود الدولتين في تحقيق التنمية والرخاء، كما تم الاتفاق على المضي قدماً في تفعيل مختلف أطر التعاون بين المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية، تمهيداً لعقد اللجنة المشتركة العليا”.
وأعلن البيان كذلك عن “الاتفاق على عقد الدورة الرابعة لآلية التنسيق والتشاور السياسي في القاهرة، خلال النصف الثاني من العام الجاري، باعتبارها آلية مؤسسية تمكن البلدين من تبادل الرؤى، وتعزيز التنسيق تجاه مختلف القضايا التي تهمهما عربياً وقارياً”، بالإضافة إلى “عقد لجنة الشؤون القنصلية والاجتماعية المشتركة، لبحث كافة القضايا التي تهم جاليتي البلدين”، وأيضاً “دراسة تأسيس منتدى للمثقفين والمفكرين والإعلاميين والفنانين المغاربة والمصريين، لتعزيز التعاون وتبادل التجارب والخبرات في المجال الثقافي”.
تحريك المياه الراكدة
خارج إعلان النوايا الطيبة وتشكيل اللجان الثنائية وآليات العمل، تبدو الزيارة الأولى التي قام بها رئيس الدبلوماسية المصرية إلى المغرب كمحاولة لتحريك المياه الراكدة منذ أكثر من سبع سنوات، حيث كانت العلاقات بين البلدين قد شهدت فتوراً ملحوظاً، بعد هجوم وسائل إعلام مصرية على المغرب وقيادته، وانخرط في العملية فنانون وإعلاميون موالون للنظام الحاكم في القاهرة، فجاء الرد سريعاً من القنوات التلفزيونية المغربية التي بثت تقارير إخبارية تتحدث عن “الانقلاب العسكري عن الشرعية”، وذكّرت بما جرى في تموز/ يوليو 2013، عندما أزاح عبد الفتاح السيسي الرئيس محمد مرسي، وسيطر على الحكم.
وعلاوة على الموقف الرسمي المعبّر عنه على لسان وسائل الإعلام الحكومية، انخرط المجتمع المدني المغربي وقتها في حملة للاعتراض على الزيارة التي كانت مرتقبة للسيسي إلى المغرب، وهو ما جعل أوساطاً مصرية تلمّح إلى وجود تأثير “إخواني” في تلك الحملة التي شكلت شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية فضاء لها؛ خاصة أن حزب “العدالة والتنمية” ذا المرجعية الإسلامية كان يقود الحكومة لولايتين اثنتين، معززاً بحركة “التوحيد والإصلاح” الدعوية.
ولم يستسغ المغاربة أيضاً قيام وفد عن الحكومة المصرية سنة 2015 بحضور مؤتمر دولي داعم لجبهة “البوليساريو” في العاصمة الجزائرية، كما لم يستسيغوا اعتراض القاهرة على وثيقة كانت دول إفريقية مساندة للمغرب وقعت عليها مطالبة بتعليق مشاركة “الجبهة” المذكورة في جميع هياكل الاتحاد الإفريقي. ومن ثم، بدا غير مفهوم تردد السيسي في زيارة المغرب، رغم تلقيه دعوة رسمية في هذا الشأن من طرف العاهل محمد السادس، لا سيما أن قمة المناخ العالمية في مراكش سنة 2016 كانت فضاء مناسباً لهذه الزيارة، بحكم حضور العديد من قادة العالم؛ لكن الرئيس المصري تخلّف عنها فاتحاً المجال للعديد من القراءات.
وما زاد الطين بلة استقبال مصر لوفد ممّا يسمى “الجمهورية الصحراوية” في إطار جلسات البرلمان الإفريقي التي أقيمت في القاهرة سنة 2016 بمناسبة مرور 150 عاماً على إنشاء البرلمان المصري. حينها، احتج المغرب على رفع علم “البوليساريو” خلال جلسات هذا المنتدى الإفريقي.
زيارة سامح شكري إلى الرباط مطلع الأسبوع الجاري، حملت إذن، لغة جديدة وخلّفت صدى طيباً في الأوساط المغربية، حيث جاء في البيان المشترك الذي تلقت “أخبارنا الجالية ” نسخة منه مساء أول أمس، أن وزير الخارجية المصري “أكد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، والتزامها بالحل الأممي لقضية الصحراء، وتأييدها لما جاء في قرارات مجلس الأمن وآخرها القرار رقم 2602 (لعام 2021) والذي رحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدماً نحو التسوية السياسية”.
مكاسب متبادلة
خارج النشاط البروتوكولي الذي تمثل في تدشين المقر الجديد لسفارة القاهرة في الرباط، حمل البيان مواقف إيجابية لكل من المغرب ومصر: فالمغرب كسب من مصر موقفاً واضحاً من نزاع الصحراء مثلما تبين ذلك الفقرة السابقة. وهو موقف كان سفير مصر الجديد في الرباط، مصطفى كمال عثمان، قد مهّد له منذ بضعة شهور، حيث قال في تصريح صحافي إن بلاده تدعم بقوة الوحدة الترابية للمملكة المغربية، مؤكداً أن القاهرة لا تعترف بما تسمى “الجمهورية الصحراوية” و”لا تقيم أي علاقات معها”. وأشار إلى أن مصر “كانت قد شاركت في المؤتمر الدولي الذي نظمته المملكة المغربية والولايات المتحدة لدعم خطة الحكم الذاتي في يناير 2021″، وشدد على أن “الموقف المصري بخصوص دعم الوحدة الترابية للمغرب لا يقبل التأويل أو التشكيك”.
على صعيد آخر، استطاعت الرباط ضمّ القاهرة إلى صفّها، استعداداً للقمة العربية المرتقب عقدها في الجزائر خلال نوفمبر المقبل؛ مع العلم أن المغرب ومصر يوجدان في كتلة البلدان العربية التي تقيم علاقات رسمية مع “إسرائيل”، وهي الكتلة نفسها التي تدعم الرباط في نزاع الصحراء.
بالإضافة إلى ذلك، أعربت القاهرة عن ثنائها على الدور المغربي في القدس، حيث جاء في البيان المشترك أن وزير الخارجية المصري “أشاد بدور لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس في دعم صمود المقدسيين، والحفاظ على الطابع العربي والإسلامي للقدس، وعلى وضعها القانوني ومكانتها الحضارية ورمزيتها كأرض للتعايش بين الديانات الثلاث”. وأثنت مصر على الدور المغربي في المصالحة الليبية ـ الليبية، إذ “نوه وزير الخارجية المصري بجولات الحوار التي استضافتها المملكة المغربية، وأثمرت على اتفاق الصخيرات السياسي الموقع بين الأطراف الليبية”، مثلما جاء في البيان المشترك.
في المقابل، كسبت مصر من المغرب مواقف إيجابية، تجاه القضية الفلسطينية والمصالحة الليبية وقضية سد النهضة واستضافة القاهرة لمؤتمر أطراف اتفاقية تغير المناخ. وهكذا جاء في البيان أن وزير الخارجية المغربي “ثمّن الدعم الملموس الذي تقدمه مصر للشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة، فضلاً عن جهود مصر الرامية لتحقيق الاستقرار وتثبيت التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للحيلولة دون تكرار التصعيد العسكري الذي شهدته الأراضي الفلسطينية العام الماضي في مايو 2021، وأبرز جهود مصر في عملية إعادة إعمار قطاع غزة والتي تعد أولوية هامة لضمان تحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني. كما أعرب وزير خارجية المغرب عن تقديره لجهود مصر من أجل تحقيق المصالحة المنشودة بين الفصائل الفلسطينية، وذلك بهدف إنهاء الانقسام بما يساعد على تقوية ودعم الموقف التفاوضي الفلسطيني واستتباب الأمن والاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وأشاد الوزير المغربي باستضافة مصر لمسار اللجنة الدستورية الليبية في القاهرة، ودورها في إطلاق أعمال هذا المسار بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وعلاوة على ما سبق، جاء في البيان المشترك أن وزير الخارجية المصري أطلع نظيره المغربي على آخر التطورات المتعلقة بسد النهضة. وفي هذا الصدد، أكد ناصر بوريطة دعم المغرب الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن المائي العربي والحث على التخلي عن السياسات الأحادية اتصالاً بالأنهار الدولية، والالتزام بالتعهدات بمقتضي القانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015 بما من شأنه عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، وضرورة تعاون الأطراف بحسن نية للتوصل بلا إبطاء إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل اتساقاً مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021.
كما شهد اللقاء، وفق المصدر نفسه، التباحث حول الجهود الجارية لاستضافة مصر للدورة 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم الإطارية لتغير المناخ في نوفمبر 2022، وفي هذا الصدد أعرب الوزير المغربي عن دعم بلاده لهذه الجهود ولقيادة مصر لعمل المناخ الدولي خلال الفترة القادمة، مؤكداً على مشاركة بلاده في المؤتمر، وفي قمة القادة التي ستعقد خلاله على أعلى مستوى، وعلى دعم الجانب المغربي لجهود الرئاسة المصرية للمؤتمر، للخروج بنتائج تسهم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس للمناخ، وتأخذ في الاعتبار أولويات كافة الأطراف.