تعكس الزيارة التي أداها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى المغرب واستمرت الاثنين والثلاثاء تطور العلاقات بين الرباط والقاهرة، مدفوعة بامتعاض مصر من السياسات الإقليمية للجزائر ما يمهد لتخلي الدبلوماسية المصرية عن مقاربتها الحذرة تجاه المنطقة المغاربية.
تتبنى الحكومة المصرية في علاقاتها المغاربية سياسة تقوم على قدر كبير من التوازن ولا تفضل البوح مباشرة بمواقفها إلا في محكات مصيرية، ويصعب التقاط إشارات حاسمة بشأن موقف القاهرة من الخلاف بين المغرب والجزائر، لكن زيارة وزير الخارجية سامح شكري للرباط الاثنين والثلاثاء لم تخل من ملامح دبلوماسية وتقاطعات تنطوي على امتعاض من سياسات الجزائر الإقليمية.
وحملت زيارة شكري، كأول زيارة له منذ سبع سنوات للمغرب، رغبة مصرية واضحة لتطوير العلاقات مع المغرب في توقيت شاب العلاقة مع الجزائر نوع من الغموض بسبب موقفها من أزمة سد النهضة وانضمامها إلى تحالف يضم إثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا لحل الصراعات الأفريقية، وهو ما قابلته القاهرة بالتجاهل.
ومضت الحكومة المصرية على حبل مشدود في علاقتها مع المغرب والجزائر من دون أن تتبنى رؤية تؤيد طرفا على حساب آخر في خلافاتهما السياسية الممتدة، ووجدت في الدبلوماسية حلا مناسبا يجنبها الانحياز لأي منهما.
ويمكن تفسير إعادة تكرار شكري لموقف مصر السابق “بدعم الوحدة الترابية للمغرب والالتزام بالحل الأممي لقضية الصحراء”، على أنه يصب في صالح المغرب، إذ استتبعته إشارة تفيد بتأييد قرارات مجلس الأمن وآخرها القرار رقم 2602 الذي رحب بجهود المغرب المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية للمضي للحل السياسي.
واقترحت الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة بوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير يحظى بدعم من الجزائر.
ويقول مراقبون في الرباط إن المغرب سعى لإقناع مصر بالاعتراف صراحة بسيادته على إقليم الصحراء وحياد القاهرة في هذه القضية لن يستمر إلى ما لا نهاية طالما أن المغرب وضع قواعد للعلاقات مع شركائه تقوم على الوضوح والثقة، لاسيما أن مصر غير معنية بمعاكسة المصالح المغربية في مسألة وحدته الترابية.
ويشير المراقبون إلى أن اتساع المسافة السياسية بين مصر والجزائر حول رؤية الأخيرة لبعض القضايا الإقليمية، مثل سد النهضة والعلاقات الغائمة مع قوى أفريقية، والتذبذب الحاصل في الموقف من الأزمة الليبية، كلها عوامل تضع العلاقات بين القاهرة والجزائر في خندق الجمود، وتعبر عن تباينات داخل السلطة الجزائرية.
وقد تقود المعادلة المصرية إلى التفكير جديا في المزيد من الانفتاح على المغرب وتخفيف جرعة الحذر، وغير مستبعد أن تتخلى عن ثوابتها في قضية الصحراء بما يدفعها إلى الوقوف بلا مواربة بجانب رؤية المغرب التي أظهرت ميلا إلى الانسجام مع مصر في عدد من القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها أزمتي سد النهضة وليبيا.
وأكد وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة دعم المغرب الكامل للأمن المائي المصري كجزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي والحث على التخلي عن السياسات الأحادية اتصالا بالأنهار الدولية، في رسالة تؤكد رفضها التوجهات الإثيوبية في ملف سد النهضة، وقد بدت الجزائر متفهمة لشواغل أديس أبابا أكثر من القاهرة.
ويتفق المغرب مع موقف مصر الذي يؤكد على أهمية دعم الحوار الوطني الليبي – الليبي، ووقف التدخلات الخارجية وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بالتزامن، وهي من القواعد الرئيسية التي تسمح بفتح الباب لتسوية سياسية تحظى بدعم القاهرة والرباط.
وقال الباحث المصري في الشؤون الإقليمية محمد فتحي إن زيارة شكري استهدفت بناء مواقف مشتركة من تعقيدات الأزمة الليبية وتوظيف تخفيف تأثيرات جماعة الإخوان على الحكومة المغربية لتبني مواقف تسهم في إيجاد حل سياسي للأزمة.
وأضاف في تصريح لـه أن القاهرة تتحرك باتجاه المغرب الذي أبدى ترحيبا بالموقف المصري من الأزمة الليبية تزامنا مع الانحياز الذي ظهر أخيرا في موقف الجزائر إلى حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة.
زيارة شكري للمغرب التي تأجلت أكثر من مرة تؤسس لضبط مسار العلاقات بين البلدين وتضاعف من التعاون في عدد من القضايا الإقليمية
وتؤسس زيارة شكري للمغرب التي تأجلت أكثر من مرة لضبط مسار العلاقات بين البلدين وتضاعف من التعاون في عدد من القضايا الإقليمية، ما يمكن أن تفهمه الجزائر على أنه علامة سلبية قد تجبرها على تعديل موقفها من القضايا الخلافية مع مصر أو تمضي في طريقها وتمنح القاهرة مبررات قوية للتخلي عن توازناتها الدقيقة في منطقة المغرب العربي.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ أن شكري وبوريطة تبادلا الرؤى تجاه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وجددا التأكيد على أهمية تحقيق تعاون دولي فاعل لمواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
واتفق الجانبان على عقد الدورة الرابعة لآلية التنسيق والتشاور السياسي بالقاهرة في النصف الثاني من العام الجاري كآلية مؤسسية تمكن البلدين من تبادل الرؤى وتعزيز التعاون والتنسيق حيال القضايا المشتركة في مجالات مختلفة.
ويمنح هذا التطور دفعة معنوية ومادية لتطوير الروابط المشتركة الفترة المقبلة، ويكشف لأي مدى يمكن أن تظل علاقات مصر بالمغرب محكومة بتوازنات الأولى مع الجزائر والتمسك بدبلوماسية تحمل وجوها وتفسيرات متعددة أم أن زيارة شكري يمكن أن تكسر “تابوهات” أو محرمات لم تفارق القاهرة مدة طويلة.