لا تتوقف الجزائر عن إرسال إشارات متناقضة إلى إسبانيا بشأن الاستمرار في ضخ الغاز إليها أو وقفه بسبب ما تقول الجزائر إنه توريد من مدريد لفائدة طرف ثالث، وهو المغرب. وفي ما يتعهد الرئيس عبدالمجيد تبون بأن الغاز سيستمر ولن يتوقف يأتي السفير الجزائري في إيطاليا عبدالكريم ظواهرية ليقول إن بلاده تفكر بجدية في قطع الغاز عن إسبانيا.
ويقول خبراء في الطاقة إن الجزائر لا تقدر على وقف إمداداتها إلى إسبانيا لاعتبارات منها أن العائدات المالية ملحة بالنسبة إليها، وكذلك لأن هذه الخطوة إذا تمت فإنها ستضرب مصداقية الجزائر في السوق العالمية كطرف مسؤول، ويمكن أن تثير تجاهها غضب أوروبا التي تبحث عن بدائل لتعويض الغاز الروسي ولن تقبل بأن يعمد أحد حلفائها إلى لعبة بهذا الشكل بأن يخلط الالتزامات بعيدة المدى في قضايا الطاقة بموقف سياسي عرضي كان يمكن أن يتم حله عبر القنوات الدبلوماسية.
ومن الواضح أن الرئيس تبون ومؤسسة الجيش قد استساغا ورقة الغاز للرد على موقف إسبانيا، كما استساغا المواقف المتضاربة التي لن تؤثر خارجيا لمعرفة إسبانيا بأن التهديدات الجزائرية ليست أكثر من مجرد كلام، لكنها تؤثر داخليا وتظهر النظام بمؤسستيه السياسية والعسكرية في صورة الطرف القوي الذي لا يهادن في كل ما يتعلق بالمغرب.
ويشير مراقبون جزائريون إلى أن النظام يريد الإيحاء لجمهوره بأن لديه خيارا للرد يستخدمه وقت ما يشاء، لكن من دون خسائر طالما أن الأمر لم يغادر مربع التصريحات.
النظام يريد الإيحاء لجمهوره بأن لديه خيارا للرد يستخدمه وقت ما يشاء، لكن من دون خسائر طالما لم يغادر مربع التصريحات
وجددت الجزائر تهديداتها بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا، في حال إخلالها ببنود الاتفاق المبرم بين الطرفين، لاسيما فيما يتعلق بتوريد الإنتاج إلى طرف ثالث، في إشارة إلى المغرب، وحمل مكان التهديد إشارة إلى أن الجزائر تلوح بورقة القطع مجددا، بالاستقواء بالاتفاق المبرم بينها وبين إيطاليا خلال الأسابيع الأخيرة، والذي يضعف حظوظ مدريد في التحول إلى قطب أوروبي في استقبال الطاقة وتصديرها.
وكشف سفير الجزائر في روما، في تصريح أدلى به إلى وكالة الأنباء الإيطالية، أن بلاده مستعدة لمراجعة اتفاق إمداد إسبانيا بالغاز، وبرر ذلك بفرضية عدم احترام مدريد للبند الذي يرفض توجيه المنتوج إلى طرف ثالث، وذلك في إشارة إلى قرار مدريد القاضي بتزويد المغرب بكميات من الغاز في توريد عكسي عبر الأنبوب المغاربي.
ورغم أن إسبانيا تؤكد أن الغاز الموجه إلى المغرب هو من السوق العالمية، وأن ذلك ضمن بدائل الرباط للتعويض عن إمدادات الغاز من الجزائر، إلا أن الجزائر تصر على أن الغاز الذي يذهب إلى المغرب هو غازها، في خطوة يعتقد المراقبون أن الهدف منها خلق مناخ جديد من التوتر مع المغرب بالدرجة الأولى بالرغم من أن الأخير يقابل التصريحات الجزائرية بالإهمال التام.
وذكر السفير الجزائري في إيطاليا أن “الجزائر مستعدة لقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن إسبانيا، في حال لم تحترم المملكة الاتفاقيات بين البلدين”، وتتحجج الجزائر في ذلك بأن الاتفاق المبرم مع إسبانيا يتضمن بندا بعدم توريد الإنتاج إلى طرف ثالث.
سفير الجزائر في روما كشف أن بلاده مستعدة لمراجعة اتفاق إمداد إسبانيا بالغاز، وبرر ذلك بفرضية عدم احترام مدريد للبند الذي يرفض توجيه المنتوج إلى طرف ثالث
وأعاد السفير التذكير بالبيان الرسمي الذي أصدرته الحكومة الجزائرية حول إمكانية وقف الإمداد إذا لم يتم الوفاء من طرف إسبانيا بتصدير الغاز مجددا إلى أطراف أخرى.
وتعتبر الجزائر من أكبر الموردين إلى إسبانيا بالغاز منذ سنوات، ويرتبط البلدان باتفاقيات متجددة ازدادت قوة في أعقاب نشوب الأزمة الأوكرانية، لكن الأزمة التي تخيم على العلاقات الجزائرية – المغربية، ألقت بظلالها على الملف، خاصة بعد التحول المسجل في الدبلوماسية الإسبانية في ما يتعلق بالنزاع في الصحراء.
وكانت مدريد قد دعمت المقاربة المغربية في حل القضية المذكورة ما اعتبرته الجزائر انقلابا مفاجئا على الحياد التاريخي لمدريد. وعلق عليه الرئيس تبون بالقول إنه “تنصل من المسؤولية التاريخية والأخلاقية تجاه القانون الدولي، على اعتبار أن إسبانيا هي التي كانت تحتل الإقليم”.
وقدم تبون، في تصريحه لوسائل إعلام محلية، تطمينات للإسبان حول التزام بلاده بالعلاقات الطبيعية بين الطرفين، بما في ذلك التموين بالغاز، وشدد على أن الخلاف قائم مع الحكومة وليس مع الشعب الإسباني، لكن الرسائل الواردة من دوائر رسمية أخرى كالحكومة وشركة سوناطراك وأخيرا السفير الجزائري في روما، تعطي الانطباع بأن الأمر يخضع لاعتبارات مختلفة.
وقال الدبلوماسي الجزائري “لقد غير رئيس الحكومة الإسبانية الموقف التقليدي لإسبانيا بشأن الصحراء، لا نعرف لماذا ولكن يمكننا تخيل ذلك، أريد أن أقول إنه ليس لدينا مشاكل مع الشعب الإسباني”.
وحمل تصريح السفير ظواهرية رسالة تنطوي على استقواء الجزائر بالاتفاق الضخم الذي أبرمته بلاده مع الإيطاليين خلال الأسابيع الماضية، والذي سيعوضها عن عائدات أيّ مراجعة أو قطع الإمدادات عن إسبانيا.
Thumbnail
وكان الأنبوب المغاربي الذي توقف العمل به، بعد عدم تجديد الجزائر للعقد مع المغرب مطلع شهر نوفمبر القادم، يضخ حوالي تسعة ملايين متر مكعب يوميا، وهو ما اعتبر مساسا بالحاجيات الإسبانية المطلوبة في ظل الأزمة الأوكرانية وفصل الشتاء، قبل أن تقدم الجزائر ضمانات لمدريد بضخ الكميات المطلوبة عبر الأنبوب المتوسطي إثر توسيعه لكميات إضافية واستغلال ناقلات النفط في عملية التموين.
ويبدو أن إسبانيا التي دخلت في أزمة دبلوماسية مع الجزائر، تبحث عن بدائل أخرى لتوفير حاجياتها من الغاز، حيث صرحت النائبة الثالثة لرئيس الحكومة الإسبانية ووزيرة التحول البيئي تيريزا ريبيرا رودريغيز بأن بلادها “لا تخشى توقف إمدادات الغاز من الجزائر، وأن إسبانيا تود أن تكون لديها علاقات أفضل من العلاقات الحالية.. لسنا خائفين من انقطاع الغاز من الجزائر، لكننا بالتأكيد نأمل أن تتحسن الأمور”.
وتريد إيطاليا الاستفادة من الخلاف القائم بين الطرفين، حيث ذكّرت وكالة الأنباء الإيطالية، ببيان وزارة الطاقة الجزائري الصادر نهاية شهر أبريل الماضي، والذي أكّدت فيه بأن “أيّ كمية من الغاز الجزائري المصدرة من إسبانيا إلى جهات غير تلك المشار إليها في العقود ستعتبر خرقا للالتزامات التعاقدية، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى إنهاء أحادي الجانب للاتفاقيات السابقة”.
وهو الأمر الذي نفته حينها الحكومة الإسبانية وقالت إن “الغاز الذي يتم توريده إلى المغرب هو من مصادر أخرى”، غير أن الشكوك التي تخيم على علاقات البلدين عمقت التصريحات والتصريحات المضادة، وحوّلت الغاز إلى ورقة ضغط بأكثر من دلالة، رغم دعوة خبراء ومختصين إلى عزل المسألة عن الخلافات الدبلوماسية.