حميد شبار يبني صرحًا ثنائيّا متينًا في محيط معقّد

ماموني

دشن حميد شبار، سفير المغرب في نواكشوط، قبل أيام تواصله الدبلوماسي مع الوزير الجديد محمد سالم ولد مرزوك، بعد تواصله مع وزير الشؤون الخارجية السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتناولا فيه مستجدات الساحة الإقليمية، وترجمة طموح المملكة إلى بناء شراكة قوية مع موريتانيا، وتليين جميع الظروف الإقليمية بما يناسب هذا التوجه الذي يلقى ترحيبا عند المسؤولين الموريتانيين خصوصا أن ذلك تزامن مع النهج العقلاني الذي تتوخاه الرئاسة الموريتانية.

وتميزت العلاقات بين الرباط ونواكشوط خلال السنين الأخيرة بتبادل كثيف للزيارات وبتنسيق دائم ومستمر في جميع القضايا الإقليمية والقارية والدولية. وقد ساعدت الدراسات المعمقة، التي تابعها السفير شبار في معهد الدراسات حول البلدان السائرة في طريق النمو بجامعة لوفران، على دعم موقعه الدبلوماسي كممثل للمغرب في بلد له حساسيته السياسية والقبلية وارتباطه بملف الصحراء المغربية، لما يتطلبه هذا الموقع من حنكة في تقديم الحلول والسلاسة في التواصل مع كل المتدخلين في القرار السياسي والاقتصادي والعسكري. وقد استفاد من تمرسه السياسي والدبلوماسي، إلى جانب تمرسه المهني، كخبير في العلاقات الدولية وأستاذ في المدرسة الوطنية للإدارة ومعهد التهيئة والتعمير.

ملف الصحراء المغربية
وشكلت التطورات المتسارعة التي تمر بها العلاقات الثنائية ارتياحا كبيرا لدى قيادة البلدين تعرفه مسيرة التعاون الثنائي، وهو الآن يترجم تلك الرغبة الشديدة في تعزيز هذه العلاقات والارتقاء بها، وقد ذهب شبار إلى حد التأكيد على أن المغرب مستعد لدعم الأمن المدني وتسيير الأزمات في موريتانيا، ومواصلة التعاون بين البلدين في هذا الخصوص.

المغرب، وفقًا للأرقام التي يتابعها شبار بشكل مستمر، يعتبر أول مورد أفريقي للسوق الموريتانية بنسبة تفوق 50 في المئة، وهي تستورد من المغرب ما يقارب 660 ألف طن سنويّا من مختلف السلع

ملف الصحراء بالنسبة إلى الموريتانيين يبقى ملفاً حساساً ويحتاج إلى الكثير من الوقت لترتيب أولويات جديدة تتماشى مع التطورات المتسارعة في العلاقات مع المملكة. وهذا ما تبناه وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد ماء العينين ولد أييه، الأربعاء 27 أبريل الماضي؛ عندما أعلن أن موقف موريتانيا من قضية الصحراء موقف ثابت يكتسب شرعيته من اقتناع موريتانيا بضرورة تبني خيار الهدوء وتغييب الصراع، وأن بلاده تتابع هذا الملف عن قرب ومستعدة للعب دورها المنوط بها في أي لحظة.

وتكونت لديه وجهة نظر معمقة حول حيثيات الموضوع ودقائقه المستترة عندما عمل مستشارا في وزارة الداخلية مكلفا بمتابعة هذا الملف على مستوى منظمة الأمم المتحدة، وعضوا في اللجنة التي وضعت مشروع الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، المقدم إلى الأمم المتحدة في أبريل 2007، كما تولى لفترة مهمة التنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء حول الصحراء “مينورسو”.

وشغل شبار منصب سفير فوق العادة بدرجة وزير مفوض، والممثل الدائم المساعد للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ومنصب سفير سابق للمغرب بغانا، وعُيّن واليا على جهة وادي الذهب الكويرة جنوب المملكة. وكانت تلك الخبرات بمثابة ورشات وحقول تجارب دبلوماسية أضفى عليها لمسته الشخصية لتشجيع القيادة الموريتانية على الفهم النظري والسياسي والجيوستراتيجي للمتغيرات التي تحيط بقضية الصحراء المغربية، آخرها الاعتراف الإسباني بمبادرة الحكم الذاتي، وكمنصة لمقارعة خصوم الوحدة الترابية بطرق مبتكرة.

ومن موقعه كثيراً ما أفحم شبار الجانب الانفصالي في الطرف الشرقي من موريتانيا؛ فعندما انسحبت بوليساريو من اتفاق إطلاق النار مع المغرب من طرف واحد، وإطلاقها الدعوة إلى العودة لحمل السلاح معتبرة أن الصحراء أصبحت ساحة حرب، تصدى لها شبار مُقرّا بأنه لو كانت هناك حرب كما تزعم بوليساريو لتناولتها وسائل الإعلام الدولية بإسهاب كبير مشفوع بالصور والتقارير، فالعالم أصبح قرية صغيرة، وتطور وسائل الإعلام والاتصال لا يدع مجالاً للكذب وإخفاء الحقائق.

ونظرا إلى ما نتج من مخرجات لصالح المملكة في ملف الصحراء، فقد دأب شبار على التعريف بقرار المملكة حذف المنطقة العازلة للكركرات أو ما كان يسمى بقندهار شمال أفريقيا، ومساهمتها في تعزيز عتاد الجيش الموريتاني ورفع نسبة فاعليته في السنوات الأخيرة بشمال البلد.

ولذلك يركّز شبار على اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء وسيادة المملكة المغربية الكاملة على الصحراء المغربية، وهو ما يعتبره حدثا بارزا وتاريخيا بكل المقاييس، وذلك بالنظر إلى حجم بلد كالولايات المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن والقوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، بالإضافة إلى دورها المحوري في صناعة القرار الدولي.

شراكة قوية
● شبار يركّز حالياً على التعريف بقرار المغرب حول كركرات وتعزيز قدرات الجيش الموريتاني
وقع الاختيار على شبار ليشغل منصب سفير العاهل المغربي الملك محمد السادس بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، في عام 2018، اختيار كان الهدف منه صنع كيمياء خاصة بين هذا المسؤول الدبلوماسي وصناع القرار في نواكشوط، وذلك لترتيب أجندة خاصة للمرور من علاقات متوترة إلى مستوى آخر من التعامل الموضوعي والواقعي. وكانت تلك السنة محورية في العلاقات التي استمرت إلى الآن دون أن ترجع إلى نقطة الصفر، وجعلت المسؤولين الموريتانيين على أعلى مستوى يصرّحون بأن العلاقات مع المغرب جيدة وممتازة، وتحكمها مجموعة من العوامل التاريخية والثقافية والاقتصادية والأمنية.

وبعد أربع سنوات من تنصيبه سفيرا يعلن شبار أن العلاقات المغربية – الموريتانية هي علاقات ممتازة قلّ نظيرها في المنطقة، ساهم في تدعيمها وتحصينها قائدا البلدين الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. وهو يعي جيدا أنه لا بد من ترجمة رؤية الملك بالنسبة إلى هذه العلاقات التي يجب أن تتجاوز ما هو تقليدي لبناء شراكة قوية ومتضامنة ترقى بالمشترك بين البلدين وتفتح آفاقا واعدة جدا لضمان الاستقرار والرخاء للشعبين الموريتاني والمغربي. فعلاقات التعاون الثنائي بين البلدين تبقى ضرورية في سياق إقليمي ودولي متشابك؛ وإحصائيا جرت أربع زيارات من طرف وزير الخارجية الموريتاني الأسبق ولد الشيخ، مقابل زيارتين قام بهما وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وزيارتين قام بهما رئيس الحكومة المغربية إلى موريتانيا.

الاقتصاد بوابة التعاون
تخصص شبار المعمق في معهد دراسات البلدان السائرة في طريق النمو بجامعة لوفران، يساعده على دعم موقعه الدبلوماسي كممثل للمغرب في بلد له حساسيته السياسية والقبلية وارتباطه بملف الصحراء المغربية
في نواكشوط يعمل شبار منذ مدة طويلة على إقناع الفاعلين الاقتصاديين الموريتانيين -من رجال أعمال وأرباب شركات وممثلي هيئات اقتصادية وبنوك موريتانية وشخصيات سياسية- بمبادرة “المغرب الآن” للعلامة الجديدة الخاصة بالاستثمار والتصدير والتي تبرز المملكة كمنصة صناعية تصديرية من الدرجة الأولى. والمغرب يفتح ذراعيه للموريتانيين بغرض الاستثمار على أراضيه، بضمانات كبيرة يقدمها لأجل نجاح الأعمال والتنافسية والاستدامة؛ فهذه العلامة كما يراها شبار تمثل انطلاقة قوية بخطة طموحة للانتقال والنهوض تجعل المغرب من أكثر الدول مصداقية وقدرة على الاستدامة في العالم اليوم، لكونه يملك بنية تحتية متطورة، من موانئ ومطارات، كميناء طنجة المتوسط، وطرق سيارة، وموارد بشرية ذات كفاءة عالية، فضلا عن الموقع الاستراتيجي للمغرب الذي يتيح الوصول إلى مختلف أسواق العالم في ظرف وجيز.

لا تقدم الجزائر وبوليساريو إلى الموريتانيين الشيء الكثير، وهذا عزز مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين؛ إذ يعتبر المغرب أول مورّد لموريتانيا على المستوى الأفريقي ويحتل كذلك الصدارة في ما يخص حجم الاستثمارات فيها.

الجدير بالذكر أن المغرب بالرغم من جائحة كورونا أبقى على الحدود البرية مفتوحة مع موريتانيا عبر المعبر الحدودي الكركرات، وذلك من أجل ضمان تزويد السوق الموريتانية بالمواد الأساسية -مواد مصنعة وفلاحية- وبعض المستلزمات الأخرى.

فالقرب الجغرافي بين البلدين يدعم التبادل التجاري، وشبار مطلع بشكل كبير على أرقام التعاملات التجارية المشتركة، إذ يعتبر المغرب أول مورد أفريقي للسوق الموريتانية بنسبة تفوق 50 في المئة، والتي تستورد من المغرب ما يقارب 660 ألف طن سنوياً من مختلف السلع، والخضر والفواكه في هذا الميزان لا تشكل إلا نسبة 13 في المئة من مجموع الصادرات. وحتى إن أضفنا المواد الفلاحية المصنعة أو المعلبة، فإن المنتجات الزراعية لا تتعدى ثلث الصادرات المغربية.

قوة ناعمة
مهام شبار متعددة ومتشعبة في هذا البلد ذي الأهمية الخاصة، فهو يتابع الأدوار التي يقوم بها المركز الثقافي المغربي باعتباره من أدوات القوة الناعمة داخل المشهد الثقافي في موريتانيا، وذلك من خلال تنظيم العديد من الندوات الفكرية والدينية واللقاءات الأدبية التي يقوم بها المركز والتي تتمثل أهميتها في تحصين الموروث الثقافي المشترك بين البلدين.

ملف الصحراء بالنسبة إلى الموريتانيين يبقى ملفّا حساسا ويحتاج إلى الكثير من الوقت لترتيب أولويات جديدة تتماشى مع التطورات المتسارعة في العلاقات مع المملكة

وقد خصص المغرب السنة الماضية أكثر من 300 منحة لصالح الطلبة الموريتانيين، متصدرا المنح المقدمة من طرف المملكة لطلبة البلدان الشقيقة والصديقة، وهذا المسعى بالنسبة إلى شبار تقليد دأبت عليه المملكة منذ إنشاء الوكالة المغربية – الموريتانية للتعاون المعروفة اختصارا لدى الموريتانيين بـ”لامامكو”، والتي تحولت فيما بعد إلى الوكالة المغربية للتعاون الدولي.

أما الجوانب الإجتماعية والإنسانية فتعتبر من المهام الأثيرة التي يضطلع بها مبعوث العاهل المغربي إلى بلد المليون شاعر، فهذا البعد من بين العوامل الأساسية في العلاقات بين البلدين، ولهذا يشرف شبار بشكل متواصل على توافد عدد كبير من المواطنين الموريتانيين َعلى المملكة تجسيدا للروابط الأسرية والإنسانية ثم الروحية بين البلدين، حيث يعتبر المغرب الوجهة المفضلة لدى الموريتانيين سواء للسياحة والزيارات العائلية أو للدراسة أو للتطبيب أو للعمل. وبعد تأكيد الحكومة الموريتانية أن التحركات في مناطق حدود الجزائر ومالي تشكل خطرا على مواطنيها المنقبين عن الذهب، وإحراجها لدولتهم، بقيت حدود المغرب عبر الكركرات مفتوحة ومؤمّنة، وهذه حقيقة على أرض الواقع؛ فمنذ تبوئه منصبه يولي شبار هذا الجانب اهتماما خاصا، وذلك بتوصية من الجهات العليا في المملكة، فالمصالح القنصلية بكل من نواكشوط ونواذيبو أجرت إصلاحات جذرية على منظومة منح التأشيرة حيث تمنح ما يزيد عن 40 ألف تأشيرة سنويا، بتحسين ظروف الاستقبال وتقليص آجال منح التأشيرة لتصبح أقل من 48 ساعة. ونتيجة لعمله ذاك في نواكشوط نوه الكل بشبار وبالإصلاحات التي قام بها على المستوى القنصلي، وعلى وجه الخصوص في صفوف الطلبة والمعنيين بالحالات الطبية المستعجلة، ناهيك عن رجال الأعمال.

شبار رجل مهام صعبة بجدارة، فقربه من حيثيات ملف الصحراء جعله مؤهلا لمواكبة تطوراته عند كل الحساسيات السياسية والقبلية داخل موريتانيا، وعلى الحدود مع الجزائر وبوليساريو. وبإدراكه العميق وتبحره الأكاديمي في العلاقات الدولية بدكتوراه الدولة التي يحملها في العلوم السياسية من جامعة بروكسل، لا يقارب ملفّا بهذه الدرجة من الأهمية عن فراغ.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: