العفو عن مدانين بالإرهاب نجاح للمغرب في مصالحتهم مع النص الديني

ماموني

يعكس قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس العفو بمناسبة عيد الفطر لهذا العام عن 29 شخصا مدانين في قضايا إرهاب، نجاح برنامج “مصالحة” الذي يساهم في تصحيح ومراجعة مفاهيم وأفكار تبنتها تلك الفئة، التي جرى استقطابها من قبل جماعات متطرفة.

وشمل العفو الملكي محكوما عليهم في قضايا التطرف والإرهاب من الذين شاركوا في الدورة السابعة من برنامج “مصالحة”، استجابة من الملك محمد السادس لملتمسات العفو التي سبق للمعنيين بالأمر رفعها، بعد أن راجعوا مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية.

وأكد منتصر حمادة، الباحث في الشأن الديني والجماعات الإسلامية بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أن “العفو الملكي الصادر مؤخرا تجاه العشرات من المعتقلين الإسلاميين، من التيار السلفي الجهادي أو من المتأثرين بالمرجعية السلفية الجهادية، يحمل عدة رسائل تهم الدولة والتيار السلفي الجهادي، كما تهم تدبير الدولة المغربية لهذا الملف المركب والشائك، لأنه لا يرتبط بأوضاع مغربية فحسب، بل له تعقيدات في الخارج أيضا، بسبب تأثير المنظومة السلفية الجهادية على نسبة من مراهقي وشباب المنطقة”.

منتصر حمادة: أداء المغرب في محاربة التطرف يحظى بتنويه إقليمي ودولي

وأضاف حمادة في تصريح لـه، أن “العفو يندرج في سياق تزكية مشروع المصالحة الذي أطلقته الدولة المغربية عبر انخراط عدة مؤسسات في تفعيله، منها المؤسسة السجنية والمؤسسة الحقوقية والمؤسسة الدينية، وغيرها، والذي يدخل في أداء الدولة المغربية مع موضوع شائك، وهو أداء يحظى بتنويه إقليمي ودولي بخصوص التصدي لظاهرة التطرف العنيف من جهة، وتدبير ملف المعتقلين من جهة ثانية”.

واعتبر باحثون في الشأن الديني أن هذه المبادرة بمثابة إشارة قوية إلى أن الدولة مستعدة لاحتضان تلك الفئة، التي انحرفت سابقا عن السلوك السليم في فهم النص الديني، والتكفل بإعادة إدماجها في الحياة الطبيعية وإعطائها فرصة الاندماج في المجتمع والتصالح مع مؤسسات الدولة.

وقال الكاتب الصحافي مصطفى الفن إن “العفو الملكي عن 29 سلفيا، لا ينبغي أن يمرّ في صمت، هذا العفو عن هذا العدد من السلفيين هو حدث غير عادي ويفرض أن نتفاعل معه تفاعلا إيجابيا”. وتابع أن “هذا العدد مهم ودال إذا ما استحضرنا هويات المستفيدين من العفو”.

ويستهدف برنامج “مصالحة” الذي تنظمه وتنفذه المندوبية العامة للسجون بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخبراء مختصين، منذ 2017، الراغبين في مراجعة أفكارهم بين المدانين في قضايا التطرف الديني.

ويندرج هذا البرنامج ضمن مساعي المندوبية لتوفير الشروط المناسبة لإعادة إدماج فئة المعتقلين المدانين في قضايا التطرف والإرهاب بالمؤسسات السجنية، من خلال تبني مقاربة علمية تتكامل مع الجهود متعددة الأبعاد والمبذولة على المستوى الوطني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، في إطار الاستباقية الأمنية والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة.

وأفاد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج محمد صالح التامك قبل أيام، بأن 15 سجينا استفادوا من برنامج “مصالحة” في دورته التاسعة، ليصل العدد الإجمالي إلى 222 مستفيدا منذ انطلاق البرنامج سنة 2017.

وأكد في كلمة بمناسبة حفل اختتام هذه الدورة التي استمرت ثلاثة أشهر ونصف الشهر، أنه تم الإفراج عن 156 منهم، بينهم 116 بموجب عفو ملكي، إضافة إلى تخفيض العقوبة لفائدة 15 نزيلا آخرين، لتصل بذلك نسبة الاستفادة من العفو الملكي إلى 63.27 في المئة.

وقال التامك إنها تتمثل في “المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع النظم والمعايير المنظمة للمجتمع في علاقته بالفرد وبالمؤسسات الشرعية المؤطرة للحياة العامة”.

وشدد على أن “البرنامج يكرس المبدأ الذي قامت عليه تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في صيغة جديدة تتميز بكون مفهوم ‘المصالحة’، الذي يقوم عليه، يجعله مبادرة صادرة عن النزلاء الذين تحمّل المجتمع أضرارا مادية ومعنوية بسبب أفكارهم المتطرفة أو أعمالهم الإرهابية”.

وقال حمادة إن “الرسالة المتعلقة بالمتمتعين بالعفو تبعث على التفاؤل على عدة مستويات، بأن يتم الإفراج عن أسماء لها وزنها في التيار، أخذا بعين الاعتبار طبيعة الاتهامات التي كانت لصيقة بها، والحديث عن ثمانية أسماء بالتحديد ضمن لائحة 29 من المفرج عنهم، بما يفيد استجابة الدولة للمراجعات الصادرة عن هذه الأسماء، وبالتالي تشجيع باقي المعتقلين على الانخراط في هذا الخيار، وعنوانه ثنائية المراجعات والمصالحة”.

واعتبر التامك أن برنامج “مصالحة” فريد من نوعه على المستوى العالمي، إذ نال استحسان العديد من الشركاء الإقليميين والدوليين، مشيرا إلى أنه يدخل ضمن الاستراتيجية العامة التي وضعتها المملكة المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، الخاصة بتدبير الحقل الديني والقائمة على التعاليم الإسلامية الحقة المبنية على الوسطية والاعتدال والانفتاح والتسامح، ونبذ كل أشكال التطرف والعنف.

أما رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش فترى أن “مصالحة” يعبّر عن انخراط الدولة في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، وإدماج المعتقلين على خلفية هذه القضايا. كما يعمل بحسب بوعياش على خلق الشروط الذاتية والموضوعية للتصالح مع ذواتهم ومجتمعهم، مبرزة في السياق ذاته انخراط المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مواكبة برنامج “مصالحة” منذ انطلاقه قبل خمس سنوات، والعمل على إبراز ثقافة حقوق الإنسان وعدم تعارضها مع قيم الدين الإسلامي.

ولفت إبراهيم الصافي، الباحث في العلوم السياسية وقضايا الإرهاب، في تصريح لـه، إلى “ضرورة تطوير منظومة اجتماعية منسجمة لنبذ العنف وتفكيك خطاب التطرف، وذلك من خلال تعزيز البحث العلمي في هذا المجال على غرار ما نتابعه في العديد من الدول الغربية، لأن ظاهرة الإرهاب هي في المقام الأول ظاهرة تنطلق من الفكر المتطرف، وهذا الفكر لا يمكن معاقبته أو سجنه، لكن يمكن مواجهته بفكر عقلاني تنتجه مراكز بحثية متخصصة”.

وأضاف الصافي أن “ذلك بالإضافة إلى تأسيس مركز وطني متخصص في إعادة الإدماج وفك الارتباط بالتطرف والإرهاب، لتحصين المجتمع من هذا التهديد على الأمد البعيد”.

وحسب أرقام رسمية، اعتقلت السلطات المغربية منذ عام 2002 أكثر من 3500 شخص، وجرى تفكيك أكثر من ألفي خلية إرهابية. واقترح حقوقيون مواكبة الحكومة المغربية لهذا الجهد، الذي تقوم به مؤسسة إمارة المؤمنين ومؤسسات أخرى على تشجيع المعتقلين السلفيين على خلفية الإرهاب، لتخطي الأفكار المتطرفة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: