أحيت الوكالة الرسمية للأنباء في الجزائر الجدل السياسي حول مبادرة “جمع الشمل” التي يطرحها الرئيس عبدالمجيد تبون، حيث استغلت الوكالة عيد الفطر المبارك لإعادة طرح هذه المبادرة التي تمثل نسخة جديدة معدلة من مسار المصالحة المفتوحة منذ ما يزيد عن عشرين عاما والتي لم تنجح بعد في احتواء الأزمة السياسية بشكل نهائي في البلاد.
استغلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية رمزية عيد الفطر للتذكير بمبادرة الرئيس عبدالمجيد تبون للم شمل الجزائريين، في إشارة إلى عرض صلح يسمح بعودة الناشطين المعارضين في الخارج، الأمر الذي يُحيي مسار المصالحة الوطنية المفتوح منذ عقدين دون الوصول إلى احتواء نهائي للأزمة.
وتكفلت وكالة الأنباء الرسمية بطرح مبادرة الرئيس تبون للرأي العام، الأمر الذي يحيل إلى طبعة منقحة من مشروع المصالحة الوطنية غير المنتهي في الجزائر، ولو أخذ في هذه المرة منحى آخر يتعلق بمخلفات الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
ومبادرة جمع الشمل التي تم الحديث عنها منذ أسابيع، هي خطوة جديدة من السلطة لاحتواء ناشطين ومعارضين سياسيين مقيمين في الخارج، وتمكينهم من العودة إلى بلدهم في إطار مسعى للتقريب بين الطرفين، وإزالة الحواجز النفسية المترسبة بينهما منذ عقود.
وذكرت برقية للوكالة الرسمية بأن “رئيس الجمهورية الذي انتخبه الجزائريون المتطلعون لحلول جزائر جديدة، يعتبر رئيسا جامعا للشمل، فالرئيس تبون الذي انتخب من قبل كل الجزائريين الذين يتطلعون إلى جزائر جديدة نجح في توحيد الشباب والمجتمع المدني خلال حملته الانتخابية، ليشكل انتخابه أول تداول ديمقراطي في تاريخ البلاد”.
وأضافت “الرئيس تبون الذي لطالما اهتم بالنقاش السائد في المجتمع يده ممدودة للجميع بشكل دائم، ما عدا للذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم، فهو ليس من دعاة التفرقة بل بالعكس تماما”.
الاحتشام خيم على مبادرة جمع الشمل حيث لم تحظ بالترويج السياسي والإعلامي لإقناع المعنيين بها من أجل الانخراط فيها
وخيم الاحتشام لحد الآن على مبادرة جمع الشمل، فرغم دخولها حيز التنفيذ منذ عدة أسابيع، إلا أنها لم تحظ بالترويج السياسي والإعلامي لإقناع الرأي العام والمعنيين بها من أجل الانخراط فيها وتحقيق الأهداف التي تم وضعها لها.
وتعد برقية الوكالة الرسمية أول إعلان عنها، بينما لم يتطرق إليها الرئيس تبون في تدخلاته الأخيرة، سواء خلال لقائه بوسائل إعلام محلية أو الكلمة التي وجهها بمناسبة عيد الفطر المبارك.
وكانت قيادات سياسية غادرت البلاد، قد كشفت عن شروع جهات محسوبة على السلطة الجزائرية في فتح قنوات اتصال مع ناشطين سياسيين معارضين يقيمون في مختلف المدن والعواصم الغربية، لاطلاعهم على المبادرة وبعرض السلطة لجمع شمل الجزائريين.
وتم التواصل بحسب تلك القيادات مع العديد منهم بما في ذلك وجوه صنفت في خانة الإرهابيين أو احتسبت على التنظيمين المصنفين كحركتين إرهابيتين، ويتعلق الأمر بحركتي “رشاد” و”استقلال القبائل” (ماك).
كما أفاد أشخاص مقبوض عليهم في إطار عملية محاربة الإرهاب، أو تم استقدامهم من الخارج، على غرار الضابط الشرعي السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال المدعو أبوحيان التوحيدي، والعسكري الفار إلى إسبانيا محمد بن حليمة، في الشهادة التي بثها التلفزيون الحكومي، بأنهما استفادا من مبادرة الرئيس تبون، ودعيا إلى الانخراط فيها وعدم الاستمرار في الارتباط برموز التطرف والتشدد الديني والسياسي.
وتعد هذه المبادرة الثالثة من نوعها في مسار المصالحة الوطنية، المفتوحة منذ العام 1999 من طرف الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولو تعلقت الأولى والثانية بوقف الحرب الأهلية بين مؤسسات الجيش والأمن من جهة والإسلاميين المسلحين من جهة أخرى، فإن الثالثة توجهت إلى النشطاء السياسيين المعارضين المتواجدين في الخارج.
وأفاد الإعلامي المعارض المتواجد في فرنسا هشام عبود، الذي صنف في خانة الإرهابيين واتهم بالانتماء إلى حركة رشاد، بأنه تلقى “اتصالا من طرف شخصية عسكرية محسوبة على السلطة، حيث عرضت عليه الانخراط في مبادرة جمع الشمل للاستفادة من عفو يسمح بعودته للجزائر مقابل التوقف عن معارضة السلطة”.
مبادرة جمع الشمل التي تم الحديث عنها منذ أسابيع خطوة جديدة من السلطة لاحتواء ناشطين ومعارضين سياسيين مقيمين في الخارج
غير أن العرض يبدو أنه لم يقنع المتحدث، بحسب ما ورد على لسانه في تسجيل له، كونه عبر عن رفضه “لأي مساومة أو مناورة تكممه عن التعبير عن مواقفه وأفكاره السياسية والأيديولوجية”.
وحض عبود على “ضرورة تقديم ضمانات حقيقية للرأي العام تبدأ بإطلاق سراح معتقلي الرأي والقيام بإجراءات تهدئة وفتح المجالين السياسي والإعلامي، قبل الحديث عن أي مبادرة لاحتواء المعارضين السياسيين”.
وذكرت برقية الوكالة الرسمية بأنه “يجب أن يعرف أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة. فكلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية الذي يسخر كل حكمته للم شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي، وأن الجزائر، بشعبها البطل والموحد بكل تنوعه، بحاجة إلى جميع أبنائها للاحتفال سويا بالذكرى الستين للاستقلال”.
وإذا كانت الطبعتان الأولى والثانية من المصالحة الجزائرية قد أفضتا إلى استعادة السلم والاستقرار إلى ربوع البلاد، وأوقفتا حمام الدم النازف طيلة عشرية كاملة، وسمحتا بعودة أكثر من 20 ألف مسلح إسلامي إلى المجتمع، رغم الانتقادات التي التي وجهت لهما، فإن الاحتشام الذي يخيم على مبادرة الرئيس تبون يحد من حظوظها في تحقيق التئام الشمل خاصة في ظل غياب التفاعل الكبير مع المبادرة إلى حد كتابة هذه السطور.
وذكرت مصادر مطلعة بأن عددا محدودا من الناشطين والمعارضين عبروا عن نيتهم في الانخراط في المسعى، يكونون قد باشروا عملية التسوية بالتوقيع على الالتزام الذي خصصته السلطة لذلك.
وفي المقابل، عبرت وجوه بارزة في مختلف المدن والعواصم الغربية عن تجاهلها للمسألة كونها “تنطوي على مناورة يائسة لتحويل الأنظار عن الأزمة الحقيقية بين الشعب والسلطة”.