النظام الجزائري ماكينة لصناعة العزلة والفشل

ماموني

لم ينجح النظام الجزائري في تشكيل قوة ضغط على مدريد مستخدما ورقة الغاز لثنيها عن المضي قدما في خطوات المصالحة مع المغرب. رغم أهميتها ورغم التوقيت المناسب، لم تكن ورقة الغاز الخيار الأفضل، ولم تكن قراءة المسؤولين والمحيطين بالرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون موفقة.

اجتهد المغرب، دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، ونجح في كسب نقاط هامة سهلت عليه إدارة المفاوضات، واستطاع فرض مقاربته في عدد من الملفات وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية. نجاح قابله فشل ذريع للدبلوماسية الجزائرية التي تبنت ملف الانفصاليين ودافعت عنه باستخدام قوة مالية هائلة. فشل توضحت معالمه على أكثر من مستوى.

وبدل الانصراف إلى معالجة الأخطاء تفاديا للانهيار الذاتي، تابع قادة النظام الجزائري بممارسة هوايتهم في معاكسة المغرب، والوقوف ضد أي فرصة تاريخية لإعادة الحسابات في طبيعة علاقاتهم مع هذا الجار الذي عرف كيف يتفادى كل محاولات الاستفزازات الصادرة عنهم.

يستطيع المعارضون لقرار رئيس الحكومة الإسبانية إبداء رأيهم المخالف في ما يتعلق بعلاقات بلدهم بالمملكة المغربية، لكن في نهاية المطاف القرارات الحاسمة والاستراتيجية يتم اتخاذها بعد مشاورات وتمعن وتدقيق في أوجه الربح والخسارة على المستوى القريب والبعيد. ولم تكن الأحزاب اليمينية في إسبانيا والجمعيات التي راهنت عليها الجزائر بعيدة عن فهم الحقائق على الأرض، لتصل إلى قناعة وتبني خطة مشتركة للدفاع عن مصالح بلدها كأولوية.

تصريحات الرئيس الجزائري الأخيرة المتعلقة بعلاقة بلاده مع إسبانيا لم يكن لها الوقع المنشود، ولم تكن لديه هو وفريقه في قصر المرادية رؤية واضحة حول كيفية إدارة هذا الملف

بعد أسابيع من التحركات وتبادل اللقاءات بين المسؤولين المغاربة والإسبان وما نجم عنها من اتفاقيات، كان واضحا لمتابعي الشأن السياسي أن المناورات الجزائرية باء جميعها بالفشل، وانعكس ذلك على صورتها سلبا، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي.

واضح أن النظام الجزائري قد فشل في النيل من المغرب، وأن حديثه عن التنمية الداخلية مسرحية أكدها عجزه عن تنفيذ أي مخططات اقتصادية مركزية بشكل فعال على مدى العقود الأخيرة، الأمر الذي دفع بالمسؤولين إلى حيلة إلهاء الشارع الجزائري بصناعة عدو وهمي، متمثلا في المغرب، ذرا للرماد في عيون الجزائريين الذين خرجوا مطالبين بحقوقهم المهضومة، وهو ما يؤكد أن هذا البلد، رغم أنه يشهد مواجهة بين جيلين ويحاول القطع مع سياسات وقرارات تجاوزها الزمن، إلا أن ما يحدث داخله لا يعبر عن تحول سياسي حقيقي وعميق، بل مجرد فجوة سياسية بين جيل ولد قبل حرب الاستقلال، وجيل ولد بعدها.

بعبارة أخرى، اعتقد المسؤولون في الجزائر أنهم يمسكون بإدارة شؤون الحكومة الإسبانية، من خلال لعبة تشجيع صفوف المعارضة المتطرفة لتحدي رئيس الحكومة حتى يتراجع عن قرار يعتبره قرارا استراتيجيا، يخدم مصالح بلاده على المدى المتوسط والبعيد، ولم يرضخ لكل الضغوط التي مورست سواء قبل أو بعد القرار.

أكبر خدمة قدمتها الخطوات التي أقدمت عليها الجزائر في الأسابيع القليلة الماضية للمغرب، أكثر مما أثرت فيه، تمثلت في تعاملها مع الحكومة الإسبانية بأسلوب لا يخلو من الابتزاز، مشترطة النفط مقابل تغيير الموقف من المغرب، وهو ما فشلت فيه مرة أخرى. وفي نفس الوقت كشف المطالب عن طريقة تفكير النظام الحاكم في الجزائر، وأكدت هزيمة الانفصاليين داخل المجتمع الإسباني، بعد الفوز الذي حققته المملكة في إدارة الملف الاستراتيجي للصحراء.

واضح أن الضغوط الجزائرية على إسبانيا باءت بالفشل، وهو ما أكدته ردود فعل وتصريحات غاضبة لوزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عقراب الثلاثاء الماضي، جاء فيها أن “أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى إسبانيا تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستُعتبر إخلالا بالالتزامات التعاقدية وقد تُفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك بزبائنها الإسبان”. وهذا بمثابة تهديد لا غبار عليه.

الرد الإسباني لم يتأخر، وجاء على لسان وزيرة الانتقال البيئي الإسبانية والنائبة الثالثة لرئيس الحكومة تريزا ريبيرا، حيث أكدت أن الغاز الذي سيصل المغرب من إسبانيا عن طريق الاستخدام العكسي للأنبوب المغاربي – الأوروبي، ليس جزءا من الغاز الجزائري الذي تستورده بلادها، وأن ما يحكم هذه العلاقة هو الاتفاق الذي يربط الحكومة الإسبانية بالحكومة المغربية وفق شروط تجارية، والذي يهم البنى التحتية وليس بيع الغاز.

الإجراءات التي اتخذتها حكومة الجزائر ساهمت في تفاقم عزلة النظام الجزائري؛ بعد الولايات المتحدة، جاءت مواقف برلين وهولاندا وإسبانيا لصالح المغرب

وكان المغرب قد أعاد دراسة وترتيب خياراته لضمان إمدادات الغاز منذ مدة طويلة، عندما استشف أن حكومة الجزائر ستستعمل ورقة الغاز ضده، وأنها ستقوم بوقف الضخ عبر الأنبوب الذي يمر في الأراضي المغربية باتجاه إسبانيا، ولهذا وقع عقودا مع دول عديدة لتزويده بالغاز الطبيعي المسال الذي سيصل إلى المنشآت الإسبانية قبل أن يجري نقله إلى الأراضي المغربية عبر الخط المغاربي – الأوروبي.

لم تتقبل حكومة الجزائر الهزيمة وفقا لقواعد اللعبة، وراحت تقضم أظافرها من الغيظ؛ غيظ لم تكتمه بل عبرت عنه في مناسبات عدة على لسان مسؤوليها وفي مقدمتهم الرئيس عبدالمجيد تبون.

الإجراءات التي اتخذتها حكومة الجزائر ساهمت في تفاقم عزلة النظام الجزائري؛ بعد الولايات المتحدة، جاءت مواقف برلين وهولاندا وإسبانيا لصالح المغرب. وكذلك هو الأمر داخل جامعة الدول العربية. أما في أفريقيا فقد أخفقت حكومة الجزائر في كسب أصدقاء جدد، وتخلى آخرون عنها، بعد أن شح المال ولم يعد كافيا لشراء الدعم لأطروحة الجزائر المعادية للمغرب.

إسبانيا لم ترخ الحبل للجزائر في موضوع الغاز، وهناك مفاجآت قاسية أخرى، سواء داخل مجلس الأمن الذي يعتبر الجزائر مسؤولا رئيسيا في ملف الصحراء، أو على المستوى الأوروبي، بعدما أكد الاتحاد أنه لا بديل عن المغرب كطرف موثوق به في المنطقة له وزنه الجيواستراتيجي.

تصريحات الرئيس الجزائري الأخيرة المتعلقة بعلاقة بلاده مع إسبانيا لم يكن لها الوقع المنشود، ولم تكن لديه هو وفريقه في قصر المرادية رؤية واضحة حول كيفية إدارة هذا الملف، وهو ما جاء ضد توقعاتهم وراكم فشلهم وفرض عليهم العزلة. وتوضح هذه النتيجة سبب صعوبة إصلاح الموقف مع الحكومة الإسبانية التي اختصرت علاقتها مع الجزائر بتدفق الغاز المحكوم باتفاقيات سابقة لا مجال للتراجع عنها.

والآن، بعد عودة الدفء للعلاقات المغربية – الإسبانية، عقب أزمة دبلوماسية غير مسبوقة ناهزت السنة، ستكون أبواب المغرب مفتوحة أمام وزير الخارجية الإسباني، في الأيام القليلة القادمة لمعالجة عدد من الملفات بمنهجية وأسلوب مبتكر مستفيدا من السياق السياسي والزخم الذي واكب لقاء القمة الذي جمع العاهل المغربي الملك محمد السادس مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: