ترسيم الحدود البحرية للمغرب يجمع مدريد والرباط على طاولة المفاوضات

الماموني

يستعد المغرب وإسبانيا إلى جولة من المفاوضات في شهر مايو المقبل حول ترسيم الحدود البحرية، وذلك بعد عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط بعد توقف دام قرابة السنة.

وبعد أن أعلنت مدريد عن تغير في موقفها من الصحراء المغربية من خلال دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط، من المرتقب إجراء المحادثات من أجل البت في الخلافات حول الحدود البحرية حيث يصر المغرب على البت فيها تعزيزا لسيادته البحرية.

وأكد خوسيه مانويل ألباريس وزير الخارجية الإسباني أن “مجموعة العمل المعنية بالحدود البحرية بين إسبانيا والمغرب تعتزم التوصل إلى اتفاقيات في الخلافات حول السيادة على المياه التي تحيط بأرخبيل الكناري، وستعمل على تحديد هذا الفضاء مرة واحدة وإلى الأبد وسيكون فضاء مشتركا”.

وتم تحديد موعد اجتماع مجموعة العمل المغربية الإسبانية في مايو المقبل، حسبما نقلته صحيفة “بيبليكو” الإسبانية عن مصادر رسمية، مضيفة أن ترسيم الحدود البحرية لمنطقة جزر الكناري، في المحيط الأطلسي، سيشكل أحد المحاور الرئيسية لهذا الاجتماع.

صبري الحو: إسبانيا لن تنتزع أحقية المغرب في حقوقه على الحدود البحرية

وقالت مصادر سياسية إنه من المرجح أن يتم التوافق بين الطرفين بتحويل المجالات المتداخلة إلى فرص تعاون ضمن تفاهمات من أجل تحقيق تنمية مشتركة، دون تفريط المغرب في سيادته على ما تحتويه حدوده البحرية القانونية.

وسبق لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن أكد في تصريحات صحافية على استكمال المملكة لترسيم حدود مناطقها البحرية، وممارسة صلاحيات سيادتها وولايتها بطريقة مسؤولة، مع تعزيز مجالات الاتصال والتعاون وفرص التنمية، مشددا على “أن المغرب يرفض الأمر الواقع الأحادي ولا يسعى لفرض موقفه، وسيتم ترسيم الحدود البحرية في الوقت المناسب، على أساس اتفاق عادل مع الدول المجاورة (إسبانيا)”.

وأكد صبري الحو الخبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء، أنه “بعد المتغيرات السياسية والدبلوماسية الأخيرة في ملف الصحراء المغربية، لن تقوم إسبانيا بانتزاع أحقية المغرب في حقوقه السيادية على الحدود البحرية، على اعتبار أن السيادة على الأرض تفرض السيادة على المياه البحرية والمنطقة الاقتصادية والجرف القاري”.

وصادق البرلمان المغربي، بالإجماع، قبل عامين، على مشروعيْ قانونين يُبسطان سيادة المغرب البحرية على الأقاليم الجنوبية، ويخلقان منطقة اقتصادية خالصة تبلغُ 200 ميل، في خطوة أثارت توجسا لدى الجارة إسبانيا، بينما اعتبرتها الرباط “سيادية وداخلية”.

وتشير الحكومة المغربية إلى أن القانونين يندرجان ضمن مسار تحيين الترسانة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات والحدود البحرية للمملكة المغربية، وتدارك الفراغ التشريعي الذي يعتري المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية، وملاءمتها مع السيادة الوطنية للمملكة، الكاملة المكتملة في حدودها، الترابية والبحرية.

وخلال الاجتماع المرتقب بين مدريد والرباط، سيتم الاتفاق على الحدود الإقليمية التاريخية لكل دولة في المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى المحددات البيئية المرتبطة بالقانون الدولي.

وأكدت أوساط سياسية أن خطوة المغرب ترسيم حدوده البحرية تكتسي أهمية بالغة، خاصة في ظلّ الحديث عن وجود البترول والغاز وموارد معدنية حيوية كالتيلوريوم والكوبالت والباريوم، على الشّريط الأطلسي في المنطقة الاقتصادية.

المغرب يراهن على الإسراع في ترسيم حدوده البحرية الأطلسية بشكل خاص، بعد الاعتراف الإسباني بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء

وتشترط اتفاقية البحار التّوافق بين المتنازعين في حالة وجود تعارض متعلّق بترسيم الحدود البحرية. وعيَّنت الأمم المتحدة بموجبِ هذه الاتفاقية المناطق الاقتصادية الخالصة إلى 200 ميل بحري من الشاطئ. وتمثّلُ هذه النّقطة أحد أهم معيقات ترسيم الحدود البحرية المغربية المتاخمة لجزر الكناري.

وسبق لإسبانيا أن قدمت في العام 2014 طلبا في لجنة الأمم المتحدة لحدود الجرف القاري، لتمديد الجرف القاري لجزر الكناري إلى الغرب والجنوب إلى 350 ميلا، وهي منطقة تضمُّ رواسب معدنية مهمة، حيث أكد الجانب الإسباني أن المطالبة بتوسيع الجرف القاري “لا يجب أن تخضع لأي نزاع مع دول ساحلية أخرى”، في إشارة إلى المغرب.

وأوضح الحو أن “مسألة ترسيم الحدود البحرية لن تشوبها أي مقاومة قانونية، على اعتبار أن المنظمة الدولية للبحار ستقوم بتسهيل عملية التفاوض بين الإسبان والمغرب، دون المساس بمصالح المملكة”.

ويراهن المغرب على الإسراع في ترسيم حدوده البحرية الأطلسية بشكل خاص، بعد الاعتراف الإسباني بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء والتي تعزز سيادة المملكة المغربية على المياه المحاذية للأقاليم الجنوبية.

وتشير اتفاقية البحار لسنة 1982 إلى أنّ المنطقة الاقتصادية محدّدة في 200 ميل أو ما يمثّل 360 كلم بالسّاحل، وهي منطقة لها وضعٌ خاص في القانون الدّولي، بحيث يمكن للدّول المحاذية (إسبانيا في هذه الحالة) أن تملك حقّ الاستغلال، بينما تتيحُ للدّول الأخرى حق المرور في المنطقة ذاتها.

ويتيح القانون الدّولي للمغرب في هذه الحالة استغلال ثروات المنطقة الاقتصادية دون غيره، بينما يجعل تصادم مصالح المملكة وإسبانيا، خاصة على مستوى جزر الكناري، ترسيم المنطقة الاقتصادية أكثر تعقيدا، خاصة وأنّ ما يفوق 90 في المئة من الثروة السمكية موجودة في هذه المنطقة بالخصوص.

وعبرت سلطات جزر الكناري على اعتراضها لعمليات التّنقيب على النفط والغاز التي يقوم بها المغرب بالواجهة الأطلسية، وقد زاد قرار ترسيم الحدود من توجس تلك السلطات، والتي لا تريد التخلي عن طموحها في استغلال الثروات البحرية بتلك المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: