المغرب: سجال حول الإفطار العلني في رمضان بعد واقعة اعتقال عشرات الشبان داخل مقهى

بنعبو

أصرّت سحابة صيف على العبور من سماء رمضان في المغرب للعام الحالي وتكدير صفوها، وكان “للمفطرين جهاراً” نصيب من العناوين الرئيسية بعد أن جرى اعتقالهم أول أمس، ثم أفرج عنهم أمس الخميس.
وكانت فرقة أمنية قد داهمت مقهى في الدار البيضاء، وأوقفت مجموعة من الشباب المغاربة جاهروا بالإفطار في نهار رمضان. واختلفت الروايات بشأن عدد الموقوفين، والرقم المتداول هو 50 شابة وشاباً، كانوا يداومون على ذلك المقهى بشكل عادي كما لو كانوا في غير رمضان، بحسب ما ورد في تقارير إعلامية.
مربط الفرس في الواقعة بالنسبة لمن هاجم إدارة الأمن على خلفية هذا الاعتقال الذي يدخل في صميم تطبيق القانون، أن عناصر الشرطة لم تتحرك إلا بناء على شكايات متعددة من الساكنة جيران المقهى المذكور.
عملية المداهمة الأمنية للمقهى مسرح الإفطار العلني جرت تحت أعين المواطنين الذين كانوا أول المستنكرين “لأكل رمضان” والتنويه بعمل الشرطة من أجل تطبيق القانون والحفاظ على حرمة شهر الصيام.
وكانت كاميرات الهواتف على أهبة الاستعداد لتصوير وقائع اعتقال “وكّالين رمضان” كما يصف المغاربة كل من يفطر في شهر رمضان دون موجب عذر شرعي.
تلك الفيديوهات المنتشرة هنا وهناك جعلت منتدى “الحداثة والديمقراطية” يدين عملية التصوير كما لو كان الأمن هو من قام بها، بينما الأمر بيد المواطن الذي فتح كاميرا هاتفه وصوّر ما شاء، ووصف المنتدى المذكور ذلك بـ “انتهاك تام لخصوصيات” الشبان المفطرين علناً في شهر شارف على الانتهاء.
وجرى توقيف المعنيين بالأمر وهم في حالة تلبس “بأكل رمضان”، وتم اقتيادهم إلى ولاية الأمن بالعاصمة الاقتصادية للتحقيق معهم وإنجاز محاضر لهم.
في الواقع، كانت هناك إشادة من طرف المواطنين بتدخل مصالح الأمن، لكن في العالم الافتراضي كان هناك قول آخر للعديد من المعترضين على توقيف الشبان أصحاب “البوز” الرمضاني والذين تمكنوا من أن يحتلوا العناوين الرئيسية بعد أن تراجعوا إلى الخلف في بداية الشهر الكريم أمام حمى اليوميات الخاصة بالأسعار.
بالنسبة لمغاربة التواصل الاجتماعي، بعضهم ونخص بالذكر بعض المثقفين والإعلاميين من أصحاب التوجه اليساري، قالوا قولهم في الواقعة واستنكروا اعتقال الشبان وطالبوا بإطلاق سلاحهم ورفضوا التدخل بين المواطن وبطنه، كما جددوا المطالب بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار علناً لكل مسلم في المغرب.
ومما جاء في الفصل المذكور أن “كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثني عشر إلى مئة وعشرين درهماً”.
في العالم الافتراضي، المناصرون لمن “أكلوا رمضان” متعددون ومعدودون أيضاً، لأنه في الرقمي أيضاً هناك من عبّر عن ارتياحه لذلك التوقيف وتلك المداهمة، لتكون الغلبة لأنصار الصيام و”إذا ابتليتم فاستتروا”، وكان تحالف الصائمين في الواقع والافتراضي أيضاً.
التعاليق التي رافقت الحدث العابر تراوحت بين وصفه بـ “البحث عن البوز” و”البسالة وقلة الحياء”، كما وصف المناصرون المداهمة بـ “انتهاك صارخ لحرية الفكر والضمير والتدين”، وكان ذلك في بيان أصدره “منتدى الحداثة والديمقراطية” وعممه عقب توقيف الشبان متلبسين بالإفطار جهراً.
وتحت عنوان “العودة إلى محاكم التفتيش”، أوردت الناشطة الحقوقية نبيلة جلال تدوينة على “فيسبوك” تساءلت فيها “إذا كان الإفطار العمدي يتوجب عليه الكفارة في الدين، فما الهدف وما الجدوى من العقوبة المنصوص عليها في الفصل 222 من القانون الجنائي؟”، وتابعت: “أنا أطالع خبر اعتقال شباب وشابات من مقهى بدعوى الإفطار العلني في رمضان، حضرتني واقعة القاضية المسيحية اللبنانية “جوسلين متى” التي حكمت على شابين مسلمين قاما بتلويث تمثال مريم العذراء بحفظ سورة آل عمران كشرط أساسي لإطلاق سراحهما من تهمة ازدراء الأديان”. واعتبرت أن الاعتقال بتهم كهذه “يؤجج الخلاف ويهدم قيم التعايش بالمجتمع”.
وفي تدوينة أخرى كتبت الناشطة نفسها: “كل هذه الزيادات في الأسعار وغلاء المعيشة والإجهاز على جيوب الكادحين وإثقالها بالضرائب ولم تتزعزع عقيدة التقاة المؤمنين من حجم الفقر الجاثم على النفوس”.
أما الصحافي حسن المولوع، فله رأي آخر، إذ دوّن ما يلي “الآن تأكدنا بأن هناك من يريد أن يخلق نقاشات دينية لإلهاء الشعب، بعدما فشل نقاش الشيخ والشيخة (في إشارة إلى الجدل الذي أثير مؤخراً حول تعليق دعاة دينيين على شخصية مغنية شعبية في مسلسل تلفزيوني) ها هم اليوم أخرجوا لنا نقاش الإفطار العلني في رمضان لننقسم مرة أخرى بين مؤيد ومعارض وننسى أننا نعيش مشاكل اقتصادية”.
واعتبر الداعية الإسلامي محمد الفزازي ما وقع استفزازاً فظيعاً للشعب المغربي، ووصف “المفطرين” جهاراً بـ”الشياطين المجانين” لأنهم برأيه “أبوا إلا أن يمزقوا هذا التماسك المغربي المبني على قواعد ثابتة مبنية على الدين والوطن ومؤسسة إمارة المؤمنين”. وقال في تصريح مصور لموقع إلكتروني إنهم “يقلدون المجرمين في تونس الذين خرجوا في الشارع يتمردون على الله وليعلنوا سخطهم على الدين الإسلامي ورفضهم لهذه الشعيرة العظيمة الصيام، وهو بالتالي رفض لكل الشعائر”.
وباعتقاد الداعية نفسه “أنه لا يوجد واحد من هؤلاء يركع لله ركعة واحدة. لا يمكن أن يكون المرء مصلياً ثم يتجاهر بالإفطار العلني في شوارع المسلمين”. وتابع قائلاً: “عندما يقوم البوليس المغربي بمنع هذا العبث، فإنما يقدم خدمة جليلة لهؤلاء الضالين. ذلك أنه لو ترك الشعب بينه وبين هؤلاء المتمردين على الدين، الله وحده يعلم ماذا كان سيحدث”. كما ذهب إلى القول إن “هذا التمرد على المجتمع الإسلامي عامل من عوامل توليد وتفريخ الإرهابيين، لأنهم يستفزون المسلمين، ومن يدري فقد يخرج علينا بعض الذين يريدون أن يشرعوا العقاب ويقيموا الحد بأنفسهم، دفاعاً عن الشرع”. وأوضح: “لا نتدخل في حرية الناس، من أراد أن يفطر فله بيته، ومن أراد أن يفطر في العلن فدونه أوروبا على مرمى حجر”.
أما الصحافي والفنان التشكيلي بوشعيب خلدون فيرى أن “الأمر ليس صدفة، أن يجتمع أشخاص للإفطار في مكان واحد، ومن ثم تحويل الأمر لمعركة باسم الحريات الفردية التي تستفز مشاعر أربعين مليون مغربي دون احتساب آكلي رمضان ومن يدعمهم”. ويؤكد أن “الحرية الشخصية تنتهي عند حدود الآخرين”، ويخاطب المفطرين قائلاً: “لا أحد يجبركم على الصيام إن أردتم أكل رمضان افعلوا ذلك في بيوتكم، حينها لا أحد له الحق في التدخل أو انتقادكم أما أن تجعلوا هذا الأمر مسلسلاً مع كل رمضان تصنعون مسرحية لفرض واقع هو مستحيل في دولة دينها الإسلام وملكها هو أمير المؤمنين وأن يتم تعويم الأمر واتهام السلطات بـ (الداعشية) فهو مجانب للصواب وأيضاً مخالف للقانون والدستور”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: