أي مستقبل للعلاقات الجزائرية – الفرنسية بعد فوز ماكرون بالولاية الثانية

بليدي

شكلت لحظة فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولاية ثانية، بعد هزمه لمرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فرصة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لإبراز نواياه من أجل تطبيع العلاقات مع باريس، بعد فترة من التوترات الناجمة عن ملفات التاريخ والذاكرة والأزمة في مالي وغيرها من الملفات.

تشير رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد الفوز بولاية رئاسية ثانية، ودعوته إلى زيارة الجزائر، إلى نوايا رأس السلطة في الجزائر لتطبيع العلاقات مع باريس.

ويبدو أن تبون يحاول استغلال فرصة الولاية الرئاسية الجديدة لقطع الطريق عما كان يصفه بـ”اللوبيات” المعارضة للتقارب بين البلدين.

ووجه الرئيس الجزائري إلى نظيره الفرنسي دعوة لزيارة بلاده، لتكون بذلك أول خطوة صريحة لتطبيع العلاقات بين البلدين بعد شهور من الفتور، بدأت بعدم تحمس الرئيس الفرنسي لانتخاب تبون رئيسا للجزائر في 2019، ووصلت إلى تأجيل انعقاء اللجنة العليا المشتركة لأجل غير مسمى، ومرت بسحب الجزائر لسفيرها من باريس لعدة أشهر، في أعقاب تصريحات لماكرون حول التاريخ والذاكرة أثارت غضبا رسميا وشعبيا في الحزائر.

سياقات لتطوير العلاقات

علاقات البلدين تواجهها العديد من التحديات على غرار ملف الذاكرة الذي سيؤثر على أي توجه نحو المستقبل

تنفس تبون على غرار العديد من القادة في أوروبا وشمال أفريقيا، الصعداء بعد فوز ماكرون بولاية ثانية، قطعت الطريق على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي كشفت قبل استحقاق الدور الثاني، عن مراجعات عميقة لعلاقات فرنسا مع الجزائر إذا تمكنت من الوصول إلى قصر الإليزيه، وهو ما لم يكن يرضى به النظام الجزائري بحكم العلاقات المتشابكة والمصالح المتبادلة بين الطرفين.

وكان الرئيس الجزائري من أول المهنئين لماكرون على إعادة انتخابه رئيسا لفرنسا لولاية ثانية، ودعاه إلى زيارة الجزائر من أجل بعث العلاقات بين البلدين وطي صفحة من التوتر والتذبذب.

ووجه تبون خلال تلك الفترة أصابع الاتهام إلى ما وصفه بالدوائر التي تريد عرقلة علاقات البلدين، وشدد على “الثقة والالتزام والنزاهة في شخص إيمانويل ماكرون”.

وحملت المفردات التي تضمنتها رسالة تبون إلى نظيره الفرنسي، على غرار “فخامة الرئيس” و”صديقي العزيز”، دلالات تنطوي على رغبة الرجل في استغلال علاقته الشخصية بماكرون في توطيد علاقات البلدين، واستغلال فرصة الولاية الثانية لإخراجها من نفق التوتر والفتور.

وقال “يسعدني بمناسبة تجديد انتخابكم الباهر رئيسا للجمهورية الفرنسية، أن أتوجه إليكم باسم الجزائر شعبا وحكومة وأصالة عن نفسي، بأحر التهاني وبخالص تمنياتي لكم بالنجاح في مواصلة مهامكم السامية”.

تبون يحاول استغلال فرصة الولاية الرئاسية الجديدة لقطع الطريق عما كان يصفه بـ”اللوبيات” المعارضة للتقارب بين البلدين

وأضاف “أقرن هذه التهاني والتمنيات بالتعبير عن سروري باستقبالكم عن قريب في الجزائر، لنطلق سويا ديناميكية تدفع إلى التقدم في معالجة ملفات كبرى”.

ورسم الرئيس الجزائري سياقا لتطوير علاقات بلاده مع فرنسا، يتمحور حول “الرؤية المجددة للعلاقات الثنائية، القائمة على  احترام السيادة وتوازن المصالح، وأن مجالات الشراكة تتمثل في الذاكرة والعلاقات الإنسانية والمشاورات السياسية والاستشراف الاستراتيجي والتعاون الاقتصادي والتفاعلات في كافة مستويات العمل المشترك، وهو ما من شأنه أن يفتح لبلدينا آفاقا واسعة من الصداقة والتعايش المتناغم في إطار المنافع المتبادلة”.

ورغم المجاملات الدبلوماسية التي حرص الرجلان على الاحتفاظ بها خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك كان يخفي أزمة غير معلنة بين الطرفين، خاصة وأن ملفات ثنائية وإقليمية تربطهما في المنطقة، على غرار الوضع في مالي والأزمة الليبية، وبعدها الحرب الأوكرانية التي ألقت بظلالها على العلاقات الجزائرية – الأوروبية بشكل عام.

وإذ كانت باريس تراهن على دور جزائري عسكري في مالي، بعد إنهاء عملية “برخان”، وهو ما تم التمهيد له برفع الحظر الدستوري عن خروج الجيش الجزائري خارج حدوده في دستور العام 2020، فإن تراجع الجزائر عن وعودها في أعقاب التقارب المسجل بينها وبين روسيا، ودخول عناصر مرتزقة “فاغنر” في المشهد المالي، أثار غضب الفرنسيين.

وأثّر ذلك في مستوى العلاقات بين الجزائر وفرنسا، خاصة وأن باريس اعتبرت تهديد الروس لنفوذها التاريخي في المنطقة، لم يكن ليتم لولا الدور الجزائري المتواطئ.

استقطاب باريس

تبون يغازل ماكرون

يبدو أن الرئيس الجزائري المنتشي بسباق أوروبي نحو بلاده للفوز بصفقات التموين بالغاز، يريد من استقطاب باريس إلى صفه خطوة لعزل إسبانيا بعدما أدارت ظهرها لموقفها التاريخي المحايد في نزاع الصحراء المغربية.

فبعد مشروعات واعدة مع الإيطاليين، يتوجه تبون نحو باريس من أجل تعزيز جبهته داخل أوروبا، وممارسة المزيد من الضغط على مدريد، خاصة في ظل ظهور بوادر تنافس أوروبي حول حصرية القاعدة الطاقوية التي يمر عبرها الغاز إلى القارة العجوز.

ومع ذلك فإن علاقات البلدين تواجهها العديد من التحديات والمطبات التي ينبغي تخطيها، على غرار ملف التاريخ والذاكرة المشتركة الذي يلقي بظلاله على أي توجه نحو المستقبل.

والخطوات التي نفذتها باريس وفق المخطط الذي وضعه المؤرخ بنجامين ستورا، لم تقنع الجزائريين، بعدما ساوى بين الجلاد والضحية برأي فاعلين في المشهد الجزائري.

وحتى نخب فرنسية لا تزال تنظر إلى المسألة بعيدا عن تحقيق مطالب الجزائريين في الاعتراف والاعتذار عن المرحلة الاستعمارية، وبعدم التكافؤ بين المستعمَر والمستعمر.

وقد سبق للرئيس ماركون نفسه أن صرّح خلال الصائفة الماضية بأنه “يشك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830 – 1962)”، واتهم النظام السياسي القائم بأنه يستقوي بريع الذاكرة، وهو ما أثار حينها أزمة بين البلدين، قامت خلالها الجزائر باستدعاء سفيرها لدى باريس، ولم يعد إلا بعد أشهر.

كما تم تأجيل انعقاد اللجنة العليا رفيعة المستوى التي كانت مقررة نهاية شهر مارس الماضي، ويرأسها وزراء البلدين، بسبب تعمد الجانب الفرنسي خفض مستوى التمثيل.

بينما ذكرت مصادر بأن “التأجيل جاء بسبب تحفظ الجزائر على انعقاد حدث مماثل في قلب الحملة الدعائية للرئاسيات الفرنسية، إذ قررت النأي بنفسها عن الحدث واتخاذ موقف الحياد بعدم دعم أي من المتنافسين”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: