تعيش الجزائر على وقع الصدمة بعد وفاة الناشط السياسي المعارض عبدالحكيم دبازي في السجن، بعد أن كان محبوسا احتياطيا ما خلف حالة من الغضب والاستياء لدى عائلته والمقربين منه والنشطاء.
وتوفي دبازي داخل سجن القليعة بالعاصمة. وإلى حد كتابة هذه الأسطر لم يصدر أي تعليق أو توضيح من السلطات، رغم مرور نحو 48 ساعة على دفنه بمسقط رأسه في ضاحية حجوط بمحافظة تيبازة.
وكان الراحل قد أوقف في شهر فبراير الماضي بسبب تدوينات نشرها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ما كلفه الإحالة على الحبس الاحتياطي. وحسب مصادر من العائلة فإنه قد يكون أصيب هناك بمرض تطور لحد الوفاة، بعد رفض السلطة القضائية الإفراج عنه.
ولا تعد وفاة دبازي وهو أب لثلاثة أطفال، الحالة الوحيدة في السجون والمؤسسات العقابية الجزائرية خلال السنوات الفارطة، فقط سبق تسجيل وفاة الإعلامي المعارض محمد تمالت، في مستشفى حكومي بعد أن ساءت حالته في السجن المذكور.
دبازي توفي داخل سجن القليعة بالعاصمة ولم يصدر أي توضيح من السلطات رغم مرور نحو 48 ساعة على دفنه
كما توفي الناشط السياسي المعارض والطبيب كمال الدين فخار بعد خوضه لإضراب جوع في السجن. ولا زالت عائلة دبازي تنتظر توضيحات رسمية من السلطات المختصة لتوضيح ظروف وملابسات الوفاة، ولذلك رفض أفرادها التصريح بأي شيء خلال دفن الجنازة، فيما شدد ابنه الأكبر، على أن “العائلة لم تتلق إلى غاية الآن أي بلاغ من أي سلطة”.
وتقع إدارة وتسيير السجون، تحت سلطة وزير العدل، الذي لم يتدخل إلى حد الآن لتقديم التوضيحات المنتظرة من طرف الرأي العام.
وسُجلت هذه الحادثة رغم أن قانون السجون الصادر العام 2016، يشدد على تخفيف اللجوء إلى السجن المؤقت، ويختصرها في الحالات الاستثنائية التي تكون محل تهديد لأمن أو سلامة الأفراد والممتلكات، كما أن سلطة السجن مجبرة على إخضاع أي موقوف قبل استلامه للفحص الطبي ونفس الإجراءات عند إطلاق سراحه.
لكن المقاربة الأمنية التي تنتهجها السلطة في التعاطي مع منتسبي الحراك الشعبي والناشطين السياسيين المعارضين، قوض العديد من الالتزامات الحقوقية والقانونية لها، ولذلك بات السجن المؤقت هو الملاذ المطبق في عموم الحالات.
ولا زالت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي، تحصي العشرات من الموقوفين في سجون السلطة، بسبب التعبير عن “آرائهم السياسية على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد غلق فرص التعبير في وسائل الإعلام العادية”. لكن السلطة وعلى رأسها الرئيس عبدالمجيد تبون، تنفي وجود معتقلي رأي في البلاد.
وكانت السلطة قد أطلقت سراح أكثر من 70 معتقلا خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى رأسهم وجوه معروفة من الحراك الشعبي، كانت تواجه أحكاما ثقيلة تصل إلى العشر سنوات سجنا نافذة، على غرار إبراهيم لعلامي والإعلامي المستقل عبدالكريم زغليش.
السلطات الجزائرية قد تستهدف هذه المرة صرف أنظار المنظمات الحقوقية التي تضغط لفتح تحقيق حول وفاة دبازي
وبعد أيام من الخطوة قالت السلطات الجزائرية إنها تندرج في إطار “عفو رئاسي”، بينما ربطتها دوائر سياسية بالزيارة التي قادت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الجزائر.
ولا يُستبعد أن تقوم السلطات بخطوة مماثلة بمناسبة عيد الفطر المبارك، فقد دأب الرئيس تبون، على إطلاق تدابير عفو رئاسي في المناسبات والأعياد الدينية والوطنية.
وقد تستهدف السلطات هذه المرة صرف أنظار المنظمات الحقوقية التي تضغط لفتح تحقيق حول وفاة دبازي.
ودعت منظمة العفو الدولية، السلطات الجزائرية إلى “فتح تحقيق مستقل وشامل وشفاف حول ظروف وفاة دبازي في سجن القليعة، وعلى ضرورة الكشف عن نتائج التحقيق بكل شفافية للرأي العام”.
ولفت بيان للمنظمة إلى أن “الحجز الاحتياطي ينبغي أن يظل استثنائيا بموجب القانون الوطني”، وحضت السلطات على “الإفراج عن الأشخاص رهن الحجز في انتظار محاكماتهم لتجنب ما لا يمكن إصلاحه”.
ومنذ استعادة السلطة المبادرة على الشارع الجزائري، بعد قمع التظاهرات والاحتجاجات وتشديد تدابير التباعد الاجتماعي لمواجهة وباء كورونا، عاد وضع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما فيها الوضع داخل السجون إلى الواجهة، في ظل الشهادات الحقوقية التي نقلت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. وقد دفع ذلك العشرات من سجناء الحراك إلى شن إضراب جوع لا يزال مستمرا لقرابة المئة يوم.
وجاءت وفاة دبازي، لتزيد من متاعب السلطة تجاه الرأي العام والمنظمات الحقوقية، فالوفاة داخل السجن هي إدانة للسلط المختصة وعلى رأسها وزارة العدل، وتضع هرم الدولة أمام مسؤوليته في حماية مواطنيها من الانتهاكات المتفاقمة لحقوق الإنسان في البلاد.
وكان دبازي (55 عاما)، موظفا في شركة “نفطال” الحكومية، وأبعد عنه شهود عيان وزملاء عمل، شبهة المساس بالحق العام، وأن ذنبه الوحيد أنه عبر عن رأيه في الفيسبوك.