علاقات المغرب المتوازنة تستفز الجزائر

ماموني

الجزائر فقدت البوصلة السياسية، ولم تعد تخفي حقدها على المغرب ورموزه وتاريخه. ما معنى أن تطلب من سفيرها في الأمم المتحدة عرقلة بيان عربي يدين انتهاكات إسرائيل الأخيرة بسبب إشادة البيان بلجنة القدس وعمل رئيسها العاهل المغربي الملك محمد السادس؟

لقد أفشل المغرب إدراج إشارة إلى دعم الرئيس الجزائري للقضية الفلسطينية في مشروع البيان، لأن النص حسب الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال كان حول الوضع الخاص بالقدس الشريف، وهو أمر ليس فيه للجزائر أية مساهمة، على العكس من مساهمات الملك محمد السادس والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في إطار الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.

العداء للمغرب دفع الجزائر إلى تقديم مقترح طالبت فيه بحذف تعبير متفق عليه من قبل أعضاء الجامعة العربية في بلاغاتهم ومواقفهم وقراراتهم منذ عقود، وتعويضه بعبارة “دعم من الرئيس عبدالمجيد تبون للقضية الفلسطينية”. وهو مقترح لا يمكن تفسيره؛ فدور لجنة القدس ورئيسها العاهل المغربي في الدفاع عن القدس والمقدسيين واضح لا غبار عليه.

كان على الرئيس الجزائري ونظامه إعادة صياغة سياسات الجزائر تجاه المغرب بعدما ثبت أنه لا يمكن مجاراتها بحملات مغرضة وطرق غارقة في المراهقة السياسية درجت عليها الجزائر منذ عقود، وصرفت على حملاتها المغرضة أموالا طائلة من ثروة الشعب الجزائري.

حكومات الجزائر، التي لا تخضع سلوكياتها لميزان المصالح العليا للشعب الجزائري، عمدت إلى خلق العداوات مع المغرب منذ ستينات القرن الماضي، وحولت الأحقاد إلى صنم تقدم له فروض الطاعة، وآلة للتعسف ضد الاستقرار والتنمية التي تحتاجها المنطقة. وهي اليوم أرادت تصوير المغرب عدوا للقضية الفلسطينية.

من المفيد أن ننعش ذاكرة الحكومة الجزائرية من حين إلى آخر أن المملكة المغربية قدمت منذ فترة طويلة دعمًا استراتيجيًا للقضية الفلسطينية، في وقت كانت فيه الجزائر تدار من قبل سياسيين هواة. أين كانت حكومة الجزائر عندما كان المغرب يحمي طائفته اليهودية من تسلط حكومة فيشي؟

علاقة المغرب باليهود ليست أمرا طارئا، فملوك المغرب لم يميزوا يوما بين يهودي ومسلم؛ الكل رعايا المملكة، لهم حقوق وعليهم واجبات. حتى هؤلاء الذين هاجروا إلى إسرائيل بقيت علاقاتهم مستمرة بجذورهم المغربية. ولم ينفصل هذا عن الدعم الكبير وغير المشروط الذي كان المغرب ولا زال يقدمه للفلسطينيين وللمقدسيين بشكل خاص.

لقد تفاقمت مشكلة الجزائر، ولم تعد الادعاءات تجدي، فأوراق اللعبة كشفت، ولم يعد للأقنعة لزوم بعد أن نسفت الدبلوماسية المغربية كل مخططات الحكومة في الجزائر للنيل من المغرب

حققت المملكة المغربية المعادلة الصعبة التي فشلت في تحقيقها أنظمة عربية من بينها الجزائر. بواقعية وحنكة سياسية استطاع ملوك المغرب محمد الخامس والحسن الثاني والملك محمد السادس التعامل مع القضية الفلسطينية بتوازن ورؤية استشرافية، ولم تكن لجنة القدس سوى نافذة دبلوماسية وسياسية وأداة اقتصادية ساهمت في صمود المقدسيين إلى اليوم. وهي لجنة شكلت بالنسبة إلى المغرب قناة خلفية لدعم القضية الفلسطينية، بإشادة واعتراف الفلسطينيين أنفسهم.

وتجتهد الدبلوماسية المغربية للاستفادة من كل المتغيرات التي تفرضها الظروف الجيوسياسية إقليميا ودوليا. وعلاقات المغرب مع إسرائيل مثال يصب في هذا الاتجاه، دون تفريط في الثوابت.

وغالبًا ما تنظر الجزائر إلى الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة وإعادة التواصل مع إسرائيل من منظور الارتياب. والأسوأ من ذلك أن النظام الجزائري يلهث باحثا عن تفاصيل هامشية يقف عندها، ليثبت أن مصلحة الفلسطينيين لا تهمه بشيء، وأن ما يشغله هو مضايقة المغرب والتشويش على مسارات علاقاته المدروسة، خصوصا مع الإسرائيليين والفلسطينيين.

الشراكة بين المغرب وإسرائيل والفلسطينيين تقف سدا أمام الآلة الدعائية الجزائرية، لأن تلك الشراكة طريق ذو اتجاهين. ما تقوم به لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس يحظى بالدعم والمساندة منذ عدة عقود من طرف رؤساء دول وحكومات عربية وإسلامية، ومن قبل حركة عدم الانحياز. لهذا اعتبر السفير عمر هلال المناورة الجزائرية التي لا تكف عن التهجم على المغرب ورموزه “تسييسا دنيئا للقضية الفلسطينية، فليس من الأدبيات ولا من الأخلاقيات ولا من اختصاصات السفراء العرب في نيويورك التعليق أو انتقاد المسؤوليات الموكلة إلى رؤساء الدول والحكومات العربية”.

وتعبيرا عن رفضها لأي تسييس مغرض لقضية القدس الشريف واعتمادها ورقة ضغط وابتزاز وتسوية حسابات مغرضة، تبنت مجموعة سفراء منظمة التعاون الإسلامي في نيويورك ما تبناه سفراء الدول العربية، باعتماد بيان مماثل قدمه الوفد الفلسطيني للتنديد بالاعتداء الإسرائيلي على القدس، ويشيد بدور لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس، دون أي إشارة إلى الجزائر.

لقد تفاقمت مشكلة الجزائر، ولم تعد الادعاءات تجدي، فأوراق اللعبة كشفت، ولم يعد للأقنعة لزوم بعد أن نسفت الدبلوماسية المغربية كل مخططات الحكومة في الجزائر لتطويق المغرب والنيل من سيادته وتقسيمه، ولأن ورقة الانفصال التي كانت تحركها الآلة السياسية للجزائر لم تعد ذات أهمية، لأنها ببساطة فشلت في تخطي جدار الصد المغربي في الصحراء، وكان آخر نجاحات المغرب الاعتراف الإسباني بمبادرة المغرب للحل في الصحراء. وها هي الدبلوماسية الجزائرية في نيويورك تسقط أيضا في الامتحان.

استثمر النظام الجزائري الحاكم وقته وجهده وماله لإظهار المغرب عدوا لكل ما هو فلسطيني، لكن سفير المغرب بالأمم المتحدة كشف أن المغرب يمول وكالة بيت مال القدس بأكثر من 86 في المئة، بينما لا تساهم فيها الجزائر بأي شكل من الأشكال. وهذا يعني أن السلوك المرتجل وغير المدروس للنظام الجزائري أصبح مكشوفا داخل مجموعة سفراء الدول العربية الدائمين بالأمم المتحدة الذين امتنعوا عن تأييد مطلب الجزائر إدراج اسم تبون جملة وتفصيلا.

لا يحتاج المرء إلى تبني وجهة نظر أخلاقية أو سياسية لفهم ظاهرة الحقد الأعمى للنظام الجزائري على كل ما هو مغربي، سواء كان جيدا أو سيئا، يكفي فهم الطريقة التي ساهم بها هذا النظام في وأد الديمقراطية الحقيقية داخل الجزائر وتبديد ثروات وفرص التنمية داخل بلاده، ورفضه لأي محاولة للصلح تقدم بها المغرب في عدة مناسبات، وإصراره على تسريع عوامل العداء.

أخيرا، لا تسأل عما تفعله الجزائر للمغرب، واسأل عما تفعله الجزائر بنفسها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: