لم يتأخر الرد الإسباني على الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، حيث جاء صارما وأغلق الأبواب أمام أية محاولات جزائرية لإعادة النقاش بشأن موقف إسبانيا الجديد من قضية الصحراء المغربية، وهي المحاولات التي وصفتها مدريد على لسان وزير الخارجية خوسيه مانويل الباريس بـ”الخلافات العقيمة”.
ويعكس الرد حسم إسبانيا لموقفها من القضية بشكل نهائي وأنها اختارت الحفاظ على علاقتها ومصالحها مع المغرب في حين لم يعد يربطها بالجزائر شيء سوى اتفاقيات الغاز.
وأكّد وزير الخارجية الإسباني الاثنين أنه “لا يريد تأجيج خلافات عقيمة” مع الجزائر بعد أن أدان الرئيس الجزائري تحول الموقف الإسباني لصالح مخطط الحكم الذاتي للمغرب في الصحراء.
وقال خوسيه مانويل الباريس عبر أثير إذاعة أوندا ثيرو “لن أؤجج خلافات عميقة لكن إسبانيا اتخذت قرارًا سياديًا في إطار القانون الدولي وليس هناك شيء آخر يمكن إضافته”.
ورد الباريس على تصريحات تبون -الذي وصف السبت التحوّل في موقف إسبانيا تجاه قضيّة الصحراء المغربيّة بأنه “غير مقبول أخلاقيًا وتاريخيًا”- قائلا إن “من بين كل التصريحات الجزائرية ما يهم الدولة الإسبانية هو الضمان الكامل لإمداد إسبانيا بالغاز الجزائري، والاحترام الدقيق للعقود الدولية التي أبرمتها شركاتنا مع الحكومة الجزائرية”.
وقال تبون السبت بعد انتقادات للموقف الإسباني من قضية الصحراء “نطمئن إسبانيا والشعب الإسباني بأن الجزائر لن تتخلى أبدا عن إمدادها بالغاز”.
وتزود الجزائر إسبانيا بالغاز عبر خط أنابيب “ميدغاز” الذي يربط البلدين مباشرة عبر البحر المتوسط، فيما جرى وقف أنبوب ثان يصل شبه الجزيرة الإيبيرية مرورا بالمغرب، منذ الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي.
وتبلغ طاقة نقل خط “ميدغاز” نحو 8 مليارات متر مكعب سنويا، وتُجرى عليه حاليا أشغال توسعة لرفع هذه الطاقة إلى 10.6 مليار متر مكعب، بينما تشير تقارير إسبانية إلى أن مدريد توجهت مؤخرا إلى الغاز الأميركي، وهو ما يثير شكوك في أنها بدأت تفكر في إنهاء التعامل مع الجزائريين.
ويبدو أن هذا المعطى هو الذي أجبر الجزائر على عدم التصعيد واستخدام ورقة الغاز لأن استخدامها لن يؤثر على إسبانيا في كل الحالات.
ويرى نبيل أندلوسي، الباحث المغربي في العلاقات الدولية، أن الرد الإسباني جاء صارما وأغلق الباب بشكل نهائي أمام مناورات النظام الجزائري.
الباريس أكد على أن بلاده اتخذت قرارًا سياديًا في إطار القانون الدولي وليس هناك شيء آخر يمكن إضافته
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “المثير أن مدريد لم تأخذ تصريحات تبون بحساسية بل تعاملت معها ببراغماتية سياسية، عندما أكد وزير الخارجية الإسباني أن ما يهم بلاده هو تعهد تبون بمواصلة إمداد إسبانيا بالغاز”.
وتابع أندلوسي “واضح أن تصريحات تبون لم تلق استجابة من قبل الإسبان، ما يؤكد أن النظام الجزائري بات معزولا على المستوى الدولي والإقليمي والعربي، بسبب مواقف غير متزنة وتصريحات تفتقد إلى الحكمة والتبصر الذي يفترض أن يكون في مسؤولي الدولة”.
وكان تبون قد أكد في حوار مع وسائل إعلام محلية مساء السبت أنّ الجزائر “لها علاقات طيّبة مع إسبانيا”، لكنّ الموقف الأخير لرئيس الحكومة الإسبانيّة بيدرو سانشيز من القضيّة الصحراويّة “غيّرَ كل شيء”.
وأضاف “لن نتدخّل في الأمور الداخليّة لإسبانيا، ولكنّ الجزائر كدولة ملاحظة في ملفّ الصحراء وكذلك الأمم المتحدة تعتبر أنّ إسبانيا القوّة المديرة للإقليم طالما لم يتمّ التوصّل إلى حلّ” لهذا النزاع.
وأعلنت مدريد في الثامن عشر من مارس الماضي دعمها مخطط الحكم الذاتي للمغرب في الصحراء، معتبرة إياه حاليّا “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”. واستنكرت الجزائر “تحوّل” موقف مدريد واستدعت في اليوم التالي سفيرها في إسبانيا.