تسعى الحكومة المغربية لتعزيز القوانين المنظمة للعمل الخيري وجمع التبرعات لمنع توظيف هذا المجال سياسيا وانتخابيا.
وقدم وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت الاثنين مشروع قانون إلى مجلس المستشارين يهدف إلى تنظيم عمليات جمع التبرعات من عموم المغاربة وتوزيع المساعدات الخيرية.
وينص المشروع على إخضاع جميع عمليات جمع التبرعات لأحكام هذا القانون، مع استثناء عمليات جمع التبرعات بالطرق التقليدية والعرفية، وتحديد شروط دعوة العموم إلى التبرع، وحصر الجهات التي تدعو إليه.
كما يحدد القانون قواعد تنظيم عمليات جمع التبرعات وأوجه استخدامها، وشروط وقواعد توزيع المساعدات لأغراض خيرية؛ وينص على إلزامية إيداع الأموال المجمعة من التبرعات في حساب بنكي.
ويفرض المغرب على الجمعيات والمؤسسات الخيرية آلية الترخيص المسبق للسماح بالعمل الخيري حيث يتم تقديم طلب للسلطات العمومية التي ترسله بدورها إلى الأمين العام للحكومة قبل عرضه على لجنة خاصة لإبداء الرأي فيه ثم منح الترخيص.
وقال رشيد لزرق أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية إنه “تم تقنين هذا المجال من خلال قانون التبرعات لسنة 1971، قبل أن يتم تحديثه سنة 2018، والمعنون بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، وذلك لمواكبة المستجدات في هذا الإطار وحماية المواطن من أي استغلال يطاله من طرف المتاجرين بالجانب الإنساني”.
وكان مشروع القانون الذي تم الدفع به الآن قد أحيل في وقت سابق على مجلس المستشارين إثر “واقعة الصويرة” التي ذهبت ضحيتها 15 سيدة إثر زحام وتدافع للحصول على مساعدات قدمتها جمعية خيرية آنذاك بجماعة سيدي بولعلام التابعة لإقليم الصويرة.
وكانت جمعيات قد حذرت من حالة الانفلات التي يعرفها مجال جمع التبرعات حيث قالت الجمعية المغربية للتضامن والتنمية إن “عملية جمع التبرعات وتوزيع المساعدات عرفت الكثير من الفوضى والكثير من الانحرافات عن غاياتها النبيلة، وهو ما يقتضي تقنينها وضبطها بنص قانوني واضح، خصوصا مع التطور الذي شهدته آليات جمع التبرعات والتحديات التي تطرحها”.
وتفاعلت الحكومة مع النقص القانوني الحاصل في طرق جمع التبرعات وتوزيع المساعدات بتقديم مشروع القانون الجديد في محاولة لتكريس مزيد من الشفافية في هذا المجال.
وعادةً ما يشهد شهر رمضان تصاعد وتيرة العمل الخيري والتضامني ما يثير الخشية من توظيف المبادرات الخيرية لغايات سياسية.
وقال لزرق إن “اللجوء إلى أساليب توظيف المال واستغلال الفقر والهشاشة دليل على الافتقار إلى الهاجس الإنساني”.
وأكد أن “استغلال العمل الخيري سياسيا يعد ممارسة غير مقبولة وفيه عدم احترام للتنافس السياسي الشريف”، معتبرا أن “العمل الخيري أصبح ورقة توظفها قوى التدين السياسي وغيرها من الأطراف على مدار السنة، مما شجع البعض على السير على منوالها في غياب الضبط القانوني”.
وسبق أن نبهت مؤخرا جمعيات حقوقية من استغلال جمع التبرعات للإثراء بطرق غير مشروعة داعية إلى ضرورة تشديد مراقبة عمليات جمع التبرعات على خلفية اعتقال طبيب تجميل مشهور يُشتبه في استغلال وظيفته في هذا الصدد.
القانون يمنع دعوة العموم إلى التبرع وتنظيم عمليات جمع التبرعات، أو توزيع المساعدات، لتحقيق أهداف تجارية أو دعائية أو انتخابية، أو من أجل الترويج لمنتجات أو سلع أو خدمات
واعتقلت السلطات الأمنية في مدينة الدار البيضاء بداية الشهر الجاري طبيب التجميل المشهور حسن التازي رفقة زوجته وعدد من موظفي مصحته الخاصة بأمر من الادعاء العام، بعد تحقيقات في التلاعب بالفواتير، وبأموال تبرع بها محسنون لفائدة فقراء ومعوزين قصد إجراء عمليات جراحية.
ووجهت حركة “مبادرات من أجل إصلاح المنظومة القانونية لعمل الجمعيات” في المغرب مذكرة لرئيس لجنة الداخلية والجهات والجماعات الترابية والبنيات الأساسية بمجلس المستشارين، تتضمن المقترحات التي توصي بإدراجها في مشروع القانون الذي تمت إحالته على اللجنة البرلمانية.
ويمنع القانون دعوة العموم إلى التبرع وتنظيم عمليات جمع التبرعات، أو توزيع المساعدات، لتحقيق أهداف تجارية أو دعائية أو انتخابية، أو من أجل الترويج لمنتجات أو سلع أو خدمات، وبقصد استغلال حالة شخص أو أكثر يوجدون في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة.
وعبرت أوساط سياسية عن رفضها لظاهرة توظيف العمل التضامني والخيري لمآرب سياسية، باعتبارها غير قانونية وتعتمد على الاستغلال غير المشروع للبيانات والمعطيات الشخصية للمواطنين، بما يستوجب تدخل السلطات المعنية من أجل ردع وإيقاف كل من يستغل حاجة الناس لاستمالة أصواتهم.
ومن جهته اعتبر مرصد الشمال لحقوق الإنسان أن “ممارسة الإحسان العمومي على المنصات الرقمية ممارسة غير قانونية وانتهاك لحقوق الآخرين، وقد تكون وسيلة مثلى لعمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”.