يمكن أن تنجح الجالية المسلمة في دور الحكم الذي يؤمّن صعود الرئيس الفرنسي الجديد. لكن المشكلة أن المرشحين الاثنين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون وماري لوبن ينظران إلى هذه الجالية من زاوية مختلفة عن بقية الفرنسيين.
وبدلا من تقديم وعود واضحة لتحسين أوضاع المناطق التي توجد فيها الجالية بكثافة، أو تغيير القوانين لتسهيل اندماج شباب الجالية في الوظائف الحكومية المختلفة، فإن حملة ماكرون ولوبن حصرت الجالية في موضوع الحجاب والمساجد وأنشطة بعض المتطرفين، وكأنها طرف طارئ وليست جزءا من الدولة الفرنسية.
ويقول متابعون لمسار الحملة الانتخابية لماكرون ولوبن إن الجالية في أغلبها تنظر إلى نفسها من زاوية اللباس والهوية الدينية وأن أغلب الناخبين يجدون أنفسهم أقرب إلى ماكرون منه إلى لوبن لهذا السبب رغم أن الرئيس المنتهية ولايته لم ينفذ من وعوده السابقة بشأن تحسن أوضاع الجالية أيّ شيء.
إيمانويل ديبوي: لم يحدث أبدا في فرنسا أن كان هناك تصويت أقليات أو تصويت مسلمين
ويشير المتابعون إلى أن ماكرون يحاول أن يظهر التفهم للمسلمين كقوة اجتماعية وانتخابية دون أن يمنعه من خوض معركة قانونية قوية مع ما سماه بالانفصالية الإسلامية، التي لا تريد الاندماج في منظومة قيم العلمانية بالبلاد، متسائلين إن كان الرئيس المنتهية ولايته سيكون قادرا لو أعيد انتخابه على الاستمرار بالفصل بين الجالية والمتطرفين أم أنه لن ينجح في هذا الفصل خاصة أنه لا يحتاج إلى ولاية أخرى ولا ضغوط عليه تجعله حريصا على إيلاء الأهمية اللازمة لهذا الفصل.
“قمت بالتصويت لصالح اليساري جون لوك ميلانشون في الجولة الأولى وسأصوّت لماكرون في الجولة الثانية” من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
هكذا يقول مبتسما إدريس الفارسي، فرنسي من أصول مغربية، مقيم في العاصمة باريس قبل أقل من ساعات لبدء جولة التصويت الثانية والنهائية لاختيار من سيتولى رئاسة الإليزيه.
ويسمح القانون الفرنسي للمهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية بالإدلاء بأصواتهم والمشاركة في هذا الاستحقاق الديمقراطي.
وتفيد أرقام المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي المنشورة على موقعه الرسمي، بأن 7 ملايين مهاجر يعيشون في فرنسا في عام 2021، و36 في المئة منهم حصلوا على الجنسية الفرنسية.
وشارك في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية التي جرت في العاشر من أبريل الجاري، 12 مرشحا وتأهل للدور الثاني والنهائي اثنان هما ماكرون الذي تصدر نتائج الانتخابات بنسبة 27.84 في المئة من الأصوات تليه زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبن بـ23.15 في المئة.
وحل مرشح حزب “فرنسا الأبية” اليساري جون لوك ميلانشون ثالثا، بـ21.95 في المئة ثم اليميني المتطرف إريك زيمور بـ7.07 في المئة ومرشحة الجمهوريين فاليري بيكريس بـ4.78 في المئة.
ويعتبر إدريس الذي يصوت للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية واحدا من كثيرين اختاروا التوجه إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى بعد أن استفزتهم خطابات اليميني المتطرف إريك زيمور حول المهاجرين.
ويقول المحلل السياسي الفرنسي من أصل مغربي مصطفى طوسة للأناضول “شهدت الجولة الأولى مشاركة غير مسبوقة للمهاجرين من أصول مسلمة وذهبت أصواتهم في الغالب لصالح مرشح حزب فرنسا الأبية جون لوك ميلانشون”.
ويضيف “في الوقت الذي وجه زيمور، انتقادات لاذعة للفرنسيين المسلمين واتهمهم بأنهم غير فرنسيين وليس لهم ولاء لفرنسا ويشكلون طابورا خامسا يجب نفيه، فإن الرجل الوحيد الذي صعد إلى منصة الإعلام والسياسة وتولى الدفاع عن مسلمي فرنسا هو ميلانشون”.
ويستطرد طوسة قائلا “مع ذلك تبقى هذه المشاركة ضعيفة لأنه لو تمت تعبئتهم وإقناعهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع فإن ذلك قد يغير من جميع المعادلات السياسية سواء الرئاسية أو التشريعية”.
ويتابع طوسة “للأسف نلاحظ أن الفرنسيين من أصول مسلمة الذين يقطنون في الضواحي الصعبة يميلون إلى مقاطعة الانتخابات ويجهلون أن صوتهم عامل ضغط يمكن أن يحدث تغييرا كما يجري في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تأخذ في الحسبان قدرة الصوت الأميركي الأسود أو صوت لاتينو- أميركي على حسم النتيجة”.
ويتفق مدير معهد الاستشراق الأوروبي إيمانويل ديبوي مع طوسة قائلا “لم يحدث أبدا في فرنسا أن كان هناك تصويت أقليات أو تصويت مسلمين”.
ويضيف ديبوي “هذا مجرد سراب، كل المرشحين ظنوا أنهم قادرون على استقطاب أصوات الأقليات الدينية، لكن تشهد كل الدراسات أن هذا أمر يصعب تحقيقه”.
ويردف “كالعادة هناك من يصوت لليمين وآخرون لليسار ولظروف معينة صوت 94 في المئة من مسلمي فرنسا لصالح الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2008 وذلك لأن أحزاب اليسار لم تهتم بسياسة الهجرة آنذاك”.
ولم ينف ديبوي “وجود بعض المبادرات لاستقطاب الأصوات المسلمة، مثل ما حصل مع عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ الذي نظم إفطارا قبل أيام قليلة لصالح ماكرون تحت عنوان “إفطار لدعم إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون”.
وبحكم غياب أيّ إحصاء عرقي في فرنسا يقول ديبوي إنه “يصعب التأكد من عزوف المسلمين عن التصويت”.
ويضيف “لكن من المعلوم أنه في ضواحي مثل “سان سان دوني” و”فال دواز” حيث يقيم معظم المهاجرين تم تسجيل نسب متدنية وأغلب الأصوات كانت لصالح ميلانشون”.
مصطفى طوسة: الفرنسيون من أصول مسلمة الذين يقطنون في الضواحي الصعبة يميلون إلى مقاطعة الانتخابات
وبحسب أرقام وزارة الداخلية الفرنسية، فقد سجلت نسبة التصويت في “سان سان دوني” 14 في المئة، وبـ”فال دواز” 18 في المئة.
ولا تزال ليلى وهي فرنسية من أصول لبنانية مقيمة بمدينة ليون تفكر فيما إذا كانت ستدلي بصوتها لماكرون أو تختار العزوف عن التصويت.
وتقول ليلى “أعلم أن أخف الضررين هو أن أمنح صوتي لماكرون وأساهم في وقف زحف متزعمة اليمين المتطرف إلى الإليزيه”.
وفي كتيب حمل عنوان “السيطرة على الهجرة”، وضعت لوبن مرشحة حزب “التجمع الوطني” مقترحات في برنامجها الانتخابي تسعى من خلاله للدفاع عمّا أسمته بـ”هوية فرنسا وتراثها”.
ويضمن بالأساس تجريم دخول المهاجرين إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية وعدم تسوية أوضاع المهاجرين دون أوراق إقامة.
كما يدعو إلى تجريم فعل “تقديم المساعدة” للمهاجرين غير الشرعيين سواء في الإقامة أو الدخول إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير قانونية.
كما تخطط لوبن، بحسب الكتيّب، إلى إلغاء تصاريح الإقامة للأجانب الذين لم يعملوا في غضون 12 شهرا مع تشديد شروط منح الجنسية الفرنسية، وإلغاء حق اكتساب الجنسية الفرنسية على أساس الولادة وتشترط تقييد وصول المهاجرين إلى المساعدات المادية الشهرية.
وخلال المناظرة التلفزيونية، عبرت لوبن، عن رغبتها في حظر الحجاب في الأماكن العامة، واعتبرت أن الهجرة تساهم في تفاقم حالة انعدام الأمن في فرنسا.