تركة حكم الإسلاميين تكبل حكومة عزيز أخنوش

ماموني

بقوله إن دعم صندوق المقاصة لأسعار المحروقات كان يتم خارج نطاق المراقبة والتدقيق، كشف رئيس الحكومة المغربية الأسبق عبدالإله بنكيران عن المستور. وهو ما تسبّب، كما يقول بنكيران باختلال في الميزانية وخروج الأوضاع الاجتماعية عن السيطرة.

لكن، ألم يكن الأوْلَى بحكومة بنكيران، بكل آليات المراقبة التي امتلكتها، الكشف عن أيّ شبهة تزوير محتملة، والتدقيق في عمل شركات المحروقات، بما في ذلك الشركات التي يملكها رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش؟ أوليس السكوت لسنوات طويلة عن هذا الأمر يدخل في إطار المشاركة في الجريمة؟

قرار بنكيران تحرير أسعار المحروقات، دون إرفاقها بإجراءات تحمي المواطن من التغيرات المتوقعة، سيبقى نقطة سلبية في مسيرة الحزب ورئيسه. وهو في هذا الوضع يريد التحلل من المسؤولية وإلصاقها بالحزب الغريم.

جدل سياسي، ازدادت حدته في اليومين الأخيرين، بعد اتهامات وجهها رئيس الحكومة لحزب العدالة والتنمية بالكذب على المغاربة في موضوع المحروقات وهوامش الربح، ليجد عبدالإله بنكيران الأمين العام للعدالة والتنمية فرصة للرد على تلك الاتهامات ووضع أسافين خفية بين أعضاء الحكومة الحالية.

ماذا يريد بنكيران من هكذا خطاب، في هذا الظرف، سوى تكوين رأي عام معارض للحزب الذي يدير الحكومة الحالية؛ أي أن هناك حسابات سياسية تتم تصفيتها على حساب المواطن المغربي.

يبدو أنها خطوة يائسة من حزب العدالة والتنمية، الذي حكم لولايتين متتاليتين، لتثبيط عزيمة حكومة أخنوش. لكنها خطوة تزامنت مع ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية وتركة سلبية نجمت عن تدبيرات سياسية خاطئة لحكومتين متتاليتين برئاسة العدالة والتنمية.

يجمع العدالة والتنمية بين التفكير العقائدي والبراغماتي في تصوّراته وأطروحاته السياسية، فهو لم يتخل عن ذراعه الدعوية، رغم ادعاءاته عكس ذلك. ظهر ذلك جليا عندما خرج عبدالإله بنكيران، بعد عودته إلى رئاسة الحزب، في جبة الواعظ للتغطية على الدور السياسي للحزب تزلفا لفئات من المجتمع تخطت مرحلة التعاطف مع خطابه.

خروج عبدالإله بنكيران في خطابه السياسي مهاجما غريمه عزيز أخنوش، تحكمه الرغبة في عدم ترك عثرات في مسار حزبه داخل المشهد السياسي.

واضح أن بنكيران يتنفس سياسة، لكن برئة عقائدية لن يتخلى عنها مهما تطلب الأمر، حيث يقود الحزبان الاختلاف في فهم المصلحة وتوسُّلِ طريقها وكيفية الوصول إليها والاستفادة منها.

ماذا يريد بنكيران من هكذا خطاب، في هذا الظرف، سوى تكوين رأي عام معارض للحزب الذي يدير الحكومة الحالية؛ أي أن هناك حسابات سياسية تتم تصفيتها على حساب المواطن المغربي

الذكاء الأيديولوجي للحزب تمثل في الامتناع عن الكلام حول ملف المحروقات إلى أن يحين الوقت. وليس هناك أفضل من هذا التوقيت للتحلل من المسؤولية، بالاعتراف بها مغلفة بمسحة من المظلومية، حتى يتم تقبلها من قبل فئات واسعة من الشعب، انتصارا للمبدأ الإيديولوجي الذي تعطّل نسبيا طيلة ولاية ثانية جنح خلالها الحزب إلى الكثير من البراغماتية.

يعمل العدالة والتنمية، في نسخته المتصلة ببنكيران، على ليّ منطق السياسة بمصالحها وتغيراتها، ليناسب منطق التفكير الديني لدى قيادة الحزب وقاعدته، وهذا ما يمكن استشفافه في الأدوات التي يستعملها حاليا للتراشق مع حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان شريكا في الحكم في الولايات السابقة، في الإنجازات والمطبات.

بنكيران قال إن “عزيز أخنوش كان أسعد الناس بعد قرار تحرير أسعار المحروقات”، وكان أيضا “من أشد المدافعين عنه، لكن بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة أصبح يهاجمنا”.

ورغم أن تواصل بنكيران، واعترافه بجزء من المسؤولية في تحرير المحروقات كملف فرض نفسه، يعتبرا شيئا إيجابيا في حد ذاته، لكننا لا نعرف ما وراء الأكمة. لأن أخنوش لم يخف أنه يدير شركات المحروقات التي يملكها. وبالتالي فإن تحرير الأسعار يخدم مصالحه.

كان على حزب بنكيران، الذي كان يمتلك قوة عددية داخل الحكومة وفي البرلمان، أن يضع الضوابط التي تحول دون أن يطغى رجل الأعمال في أخنوش على رجل السياسة. فهل كان بنكيران فعلا ساذجا في هذا الملف، أم أن حساباته السياسية أملت عليه السكوت عن الأمر، ليتنصل منه مستقبلا.

قامت خطة الإصلاح التي تبنتها حكومة بنكيران على أساس الإلغاء التام لدعم الدولة لسعر المحروقات، وتعويض الفئات الاجتماعية المستهدفة بالدعم المباشر. وهذا ما لم يحدث. وها نحن نرى اليوم تداعيات القرار وما تسبب فيه من غلاء طال كل الفئات.

تأخر عبدالإله بنكيران بالتعبير عن أسفه لأنه وثق من أن المنافسة ستضبط أسعار السوق. وهذا الاعتراف، رغم أنه جاء متأخرا، حمّل أخنوش المسؤولية، عندما اتفق مع الشركات الأخرى على منافسة “غير شريفة” من خلال اتفاق مسبق برفع الأسعار وعدم تخفيضها تماشيا مع أسعار السوق العالمية.

بعض أعضاء الحزب الحاكم تفطنوا إلى أنه لم يكن على رئيسهم الدخول في لعبة المكاشفة واستفزاز العدالة والتنمية داخل البرلمان، دون أن يعي أنه ملعب بنكيران بامتياز. ولهذا تصدى برلمانيون للدفاع عن أخنوش، بطرح أسئلة من قبيل كيف يعقل أن نرفع الدعم عن الدقيق والغاز والسكر ونمنح المغاربة 500 درهم  شهريا. وإذا رفعنا الدعم، كم سيصبح ثمن قنينة الغاز وكيلوغرام الدقيق؟

وبنفَسِ شعبوي تحدى رئيس الحكومة السابق رئيس الحكومة الحالي، مطالبا باتخاذ تدابير استعجالية لمواجهة الغلاء، والخروج للتواصل مع المواطنين من أجل شرح أسباب الغلاء حتى يثقوا في حكومته ويطمئنوا، مضيفا أن “الشعب لم يجد كل ذلك في هذه الحكومة مما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من حالة سيئة جدا”.

يمكننا المجازفة بالقول إن الجدل بين العدالة والتنمية والأحرار ستزداد حدة إيقاعه، وسيدفع إلى اقتراح تعديل حكومي يغيّر بعضا من قواعد اللعبة. ولكن، من المرجّح أن تواجه هذه الخطوة مقاومة شديدة من الحزبين المشاركين في الحكومة، لأنها تتهم الحزب المركزي، التجمع الوطني للأحرار، بمحاولة إضعاف سلطاتها، خصوصا أن العدالة والتنمية يركز هجومه على رئيس الحزب عزيز أخنوش.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: