الخطاب السياسي للجيش الجزائري يزاحم المؤسسات المدنية في صلاحياتها

البليدي

كثف قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة من خطاباته السياسية في خطوة جعلته يزاحم صلاحيات المؤسسات المدنية بما في ذلك السلطات العليا في البلاد على غرار رئاسة الجمهورية.

يواصل الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية سلسلة الخطابات الحاملة لرسائل موجهة إلى منتسبي المؤسسة وإلى باقي أفراد المؤسسات المدنية، بما فيها السلطات العليا للبلاد، ففيما يلتزم كبار مسؤولي الدولة الصمت لأسباب مختلفة ويكتفون في الغالب بتصريحات مقتضبة هنا وهناك، يواصل قائد أركان الجيش سلسلة الخطابات التي ضمنها مختلف المناحي العسكرية والسياسية والاقتصادية.

ويخوض قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة حملة علاقات عامة باتت تزاحم بشكل لافت المؤسسات المدنية، فمنذ الجدل الصاخب الذي رافق زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن توارى الرئيس عبدالمجيد تبون عن الأضواء، في حين صعد بقوة إلى الواجهة الجنرال شنقريحة، الذي يتفقد قطاعه ويخطب يوميا في مختلف الاهتمامات العسكرية والسياسية والاقتصادية.

وبغض النظر عن الرسائل التي يريد الرجل توجيهها إلى الدوائر المعنية، فإن سلسلة الخطابات المتلاحقة أعادت إلى الأذهان حملة الدعاية التي كان يخوضها قائد الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح، ولو أن الحملة الأولى تزامنت مع ذروة احتجاجات الحراك الشعبي، فإن تزامن الثانية مع ظروف اقتصادية واجتماعية معقدة أخرجت الرجل الأول في مؤسسة الجيش عن النص في أكثر من مناسبة، حيث تجاوز حدود الإطار العسكري والأمني والاستراتيجي للخوض في مختلف الملفات.

منذ الجدل الذي رافق زيارة بلينكن توارى تبون عن الأضواء، بينما صعد شنقريحة الذي يخطب في السياسة والاقتصاد

وشدد الجنرال شنقريحة السبت من مقر الناحية العسكرية الرابعة (ورقلة) المحاذية للحدود الليبية، على أن “الجزائر تتوفر على كل مقومات التجدد والانطلاق نحو وجهتها السليمة الأمر الذي يتطلب تكاتف جهود أبنائها لتحقيق التنمية الوطنية الشاملة والنهوض بالبلد لتحتل المكانة المستحقة بين الأمم”.

وأكد على أن “نعمة الأمن التي ننعم بها اليوم لا تقدر بثمن، ويجب علينا جميعا المحافظة عليها وتعزيزها، في ظل مشروع إقامة وتعزيز أسس الدولة الوطنية، في كنف جزائر جديدة، قوية ومزدهرة.. الجزائر تتوفر على كل مقومات التجدد والانطلاق بنفس وإرادة أقوى نحو وجهتها السليمة، وهي طموحات تتطلب تكاتف جهود كافة أبنائها، في جميع القطاعات، لاسيما القطاع الاقتصادي الذي يعد الدعامة القوية والركيزة الأساسية لتحقيق التنمية الوطنية الشاملة، والنهوض ببلادنا، لتحتل مكانتها المستحقة بين الأمم”.

وجاءت جولة قائد أركان الجيش إلى مختلف القطاعات والنواحي والقيادات العسكرية بالموازاة مع تصاعد التوترات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالاحتقان القائم بين الميليشيات المسلحة في ليبيا، إلى جانب استمرار التقلبات الأمنية في الحدود الجنوبية، لكنه لم يفوت الفرصة للخوض في مسائل تدخل ضمن صلاحيات المؤسسات المدنية بما فيها رئاسة الجمهورية، الأمر الذي يطرح التداخل والتجاذب بين المؤسستين.

وبدا الجنرال شنقريحة أكثر حرصا على تجاوز ما أسماه بـ”الأحداث المعزولة”، وتفويت الفرصة على الذين يترصدون فرص إثارة النعرات الجهوية والإثنية، في إشارة إلى حادثة بلدة مشدالة في محافظة البويرة، التي وضعت السكان والرأي العام المحلي على حافة مواجهة بسبب خلاف حول حفل فني انتظم في ساحة مسجد البلدة خلال شهر رمضان الجاري.

وجاء خطاب قائد أركان الجيش في إطار سلسلة من الرسائل السياسية التي يراد صياغتها من طرف المؤسسة العسكرية، سواء من حيث ثقلها في معادلة التوازنات الداخلية، أو من حيث الدلالات التي يراد تبليغها للمجتمع الإقليمي، رغم أن للمسألة ما يعتبر تجاوزا لدور وصلاحيات للرئيس تبون، المخول دستوريا وسياسيا بالخوض في القضايا المذكورة.

سلسلة الخطابات المتلاحقة تعيد إلى الأذهان حملة الدعاية التي كان يخوضها قائد الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح

ويبدو أن قيادة الجيش رغم ما للمسألة من تجاوز لصلاحياتها السياسية والمؤسساتية، فإنها أرادت التأكيد للرأي العام على نأيها بنفسها عن تهم سابقة لها بحماية ورعاية خطاب الكراهية وإثارة النعرات الجهوية والإثنية، وهو ما تأكد من خلال ثبوت ضلوع ضباط سامين في مخططات وبرامج لتعميق الشرخ الاجتماعي بين مختلف المكونات.

وحذر قائد أركان الجيش الجزائري من مغبة التهويل والحشد الذي يتم على وسائل اعلام لم يسمها وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لاستغلال أحداث معزولة في البلاد من أجل إثارة النعرات والانقسامات الجهوية، وإذ اكتفى بالتلميح لحادثة مسجد البويرة الأخيرة فإنه أكد على تعرض بلاده لمؤامرة محبوكة من طرف جهات تترصد أي تراخ أو تقصير لتنفيذ أجندتها.

وشدد الجنرال شنقريحة على نبذ خطاب الكراهية والجهوية والنعرات الداخلية، كما حذر مما أسماه بـ”استغلال دوائر فاعلة في وسائل إعلام ثقيلة وفي شبكات التواصل الاجتماعي لأحداث معزولة، من أجل توظيفها في مؤامرات تستهدف تفكيك وحدة الدولة والمجتمع”.

وفيما تزامنت عودة خطاب المؤسسة العسكرية إلى الواجهة مع مرور ذكرى الربيع الأمازيغي، الذي يبقى يمثل محطة تاريخية في مسار حركة الدفاع عن الهوية الأمازيغية في الجزائر، فإنها أوحت بأن التوجهات السابقة داخل قيادة الجيش التي انخرطت في ما يعرف بحملات التشويه والطعن والإساءة لمنطقة القبائل، لا مكان لها في خطاب القيادة القائمة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: