مسلمو فرنسا: نريد أن نكون فرنسيين ومسلمين في وقت واحد وبدون شكوك

دريوش

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً أعدتْه ليلى عبود من باريس، بعنوان “مطلب كرامة: كيف فقد المسلمون الفرنسيون الثقة بماكرون بعد التحوّل الأمني”، وبدأتْه بالحديث عن زهير إش شيتواني الذي دعم حملة إيمانويل ماكرون للرئاسة، وعلّق صور المرشح الوسطي في كل أماكن حيّ باريس الشمالي انيسروس سور سين، والذي يعتبره موطنه. وبعد خمسة أعوام تراوده الرغبة بالتصويت في ورقة فارغة بجولة الإعادة بينه والمتطرفة مارين لوبان في 24 إبريل، والأسباب كثيرة، تضمّ القوانين الأمنية التي يرى اش شيتواني أنها استهدفت وبطريقة غير متناسبة المسلمين، وفشل الرئيس بمعالجة الفقر في الأحياء الفقيرة، التي يعيش فيها الكثير من المهاجرين وأحفادهم. وقال “كان مثل الحلم عندما انتُخب، ولكنه تحول إلى كابوس، ولا أعتقد أن لوبان ستكون أسوأ كثيراً”.

وتعكس مرارة إش شيتواني الضرر الذي أحدثه ماكرون على الناخبين من خلال تحوله نحو اليمين المتطرف، والتركيز كرئيس على الشؤون الأمنية بين المسلمين الفرنسيين، البالغ عددهم 5 ملايين نسمة، والذين يصوتون عادة للمرشح الميّال إلى اليسار. وهذا ما يفسر سبب تصويت نسبة 69% من المسلمين لمرشح اليسار جان لوك ميلنشون في الجولة الأولى من الانتخابات في 10 إبريل، في وقت تراجعت فيه شعبية ماكرون  بينهم عشر نقاط من 2017، حسب مركز استطلاعات “إيفوب”.

وتقترح استطلاعات الرأي احتمال فوز الرئيس الفرنسي ضد لوبان يوم الأحد، ولكن بهامش ضيق عن الفوز الكبير عام 2017. وبدا ميلنشون الذي دافع عن الهجرة والمجتمع المتعدد ثقافياً “الخيار الوحيد، لأنهم لم يعودوا يثقون بماكرون”، حسب  جيروم فوركيه من مركز استطلاعات إيفوب. مضيفاً أنه “بعد حملة تسيّدها اليمين المتطرف، وبخاصة القادم الجديد إريك زمور، الذي وضع صدام الحضارات مع الإسلام في مركز أجندته، بحث المسلمون عن طرق للدفاع عن وحماية أنفسهم من خلال التصويت”.

وتقول الصحيفة إن موضوعات الإسلام والهجرة والهوية تسيّدت النقاش العام الفرنسي، بعد سلسلة من الهجمات التي نفّذها متطرفون مسلمون في السنوات الأخيرة، في وقت تكافح فيه البلاد مصالحة الجمهورية العلمانية القوية، والتي أقامت نفسها ضد الكنيسة الكاثوليكية القوية، مع صعود الإسلام والمجتمع المتنوع.

تحوّلات ماكرون

وفي عام 2017 قدم ماكرون، الذي صعد للسياسة كوزير اقتصاد لرئيس الوزراء الاشتراكي فرانسوا هولاند، نفسه كحام للتعددية الثقافية، ومعلناً أن مدينة مارسيليا، ذات الطابع العربي- الإفريقي، هي مدينته الأثيرة. وعبّر عن شكوكه من قوانين الأمن التي طبّقتها حكومته في أعقاب الهجمات الإرهابية، وأكد أنه سيفكر بإجراءات حاسمة، وهي تابو في بلد يحظر فيه جمع المعلومات بناء على الهوية العرقية والإثنية. وبعد انتخابه رئيساً ركز ماكرون على مواجهة الإرهاب الإسلامي.

وكان أول تحرك له زيادة قوى الشرطة وسلطاتها الرقابية، كجزء من تشريع ضد الإرهاب، حذرت جماعات الحريات المدنية أنه سيطال المسلمين جميعاً. بالإضافة لقانون آخر وهو “الانفصالية”  لمراقبة المناطق ذات التأثير الإسلامي المتطرف، والذي منح الدولة القوة لإغلاق المساجد ومراقبة الجماعات الدينية.

 ووصف وزير داخليته جيرار دارمانين، العضو السابق في حزب الجمهوريين لوبان بأنها “متساهلة” مع الإرهاب الإسلامي، وقال وزير التعليم جان ميشال بلانكير إن الحجاب الإسلامي “ليس مرغوباً”. وتقول العاملة الاجتماعية ناديا رمضانا، التي هاجر والداها من الجزائر، وتدير منظمة لمساعدة الشباب الذين هم في خطر الوقوع تحت تأثير التطرّف الديني، وشاركت في عام 2002 بتظاهرة شارك فيها مليون ونصف احتجاجاً على وصول والد مارين، جان ماري لوبان للجولة الثانية في الانتخابات ضد جاك شيراك، ودعمت ماكرون عام 2017. إنها تدعم اللائكية التي تؤكد على الفصل بين الدين والدولة.  ولكنها دعمت هذه المرة مرشح الشيوعيين فابيان روسيل في الجولة الأولى، لأن ماكرون فشل بمعالجة الفقر، والتهميش والبرامج التعليمية التي تدفع الشباب للبحث عن إسلامية ذات هدف”. والنتيجة، فهي تفكر بالامتناع عن التصويت يوم الأحد، بل وتقول إن مارين لوبان محقة في وصفها لمعاناة الطبقة العاملة. وقالت “في العادة من الواضح لي أنني أقاتل اليمين المتطرف، إلا أن لوبان تقول هذه المرة أموراً صحيحة حول كفاح الطبقة العاملة”.

أنا هنا الآن

واختار ماكرون في يوم الخميس في ضاحية سين سانت دوني شمال باريس، وتعيش فيها أعلى نسبة من المهاجرين، وهي موطن لأكبر جالية للمسلمين.  وفيها حصل ميلنشون على نسبة 49% من الأصوات، أما ماكرون فنسبة 20% بأقل أربع نقاط عن عام 2017 وحصلت لوبان على 12%. وانتظره حشد كبير أمام مجلس البلدية قرب كاتدرائية سانت دوني، وقضى ماكرون ساعات وهو يصافح الناس ويتحدث معهم ويأخذ سيلفي. وسألته امرأة عن السبب الذي جعله يتأخر في الزيارة وشبهت جولة الإعادة بأنها خيار بين الوباء والكوليرا، فردّ “أنا هنا الآن”. وحاول في حملته الانتخابية التركيز على سجله الليبرالي، وانتقد لوبان التي تخطّط لمنع الحجاب محذراً إياها أنها “ستستبعد ملايين الفرنسيين بسبب دينهم” و ستقوم بـ “إشعال حرب أهلية”. وعندما سألها في مناظرة الأربعاء إن كان حظر الحجاب مصمم لمكافحة التطرف الإسلامي ، ردت بحسم “إنني عاجزة عن الكلام”.

ويستمع الكوميدي ياسين بلعطار الذي يقدم برنامجاً إذاعياً، ويستشيره ماكرون كثيراً عن الضواحي، للكثير من مظاهر قلق الشباب الذين يأتون إليه يومياً للمشاركة في بودكاست “ثلاثون مجيدة”، وهو مولود في فرنسا لأبوين من المغرب، ومسلم، وقال إنه حوّل بودكاست إلى “جلسة علاج جماعي” للحديث عن العرق والدين والانتخابات. وقال بلعطار إن الكثير من مستمعيه الذين دعموا ميلنشون في الجولة يتعرضون للضغوط كي يتغيبوا عن الانتخابات، ولكنه سيصوّت لماكرون رغم انتقاده لسجلّه.

وقال “المسلمون الفرنسيون يريدون أن يكونوا فرنسيين ومسلمين في وقت واحد وبدون شكوك” وقال “هذه الانتخابات هي مطلب بسيط للكرامة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: