هل الجمعيات الدينية ببلجيكا في المستوى المطلوب لتدريس أطفالنا اللغة العربية ؟

بوشعيب البازي

يعاني المهاجرون بصفة عامة في بلجيكا من أزمات متعددة، تتمركز بصفة رئيسة في كيفية الحفاظ على هويتهم الأصلية وخصوصيتهم الإسلامية، وفي الوقت نفسه البحث عن آليات الاندماج وعدم الانغلاق على الذات، وتشير الإحصاءات المتاحة إلى تواجد ما بين 800 ألف   مسلم في بلجيكا ، وما زالت أعدادهم تتزايد بسبب الهجرة، وارتفاع أعداد المولود من أبناء المهاجرين العرب، وهو ما بات يطرح إشكالية تعليم اللغة العربية وتلقين أصول الدين الإسلامي.

و في هذا السياق ينطلق كثير من أبناء المسلمين في بلجيكا  نهاية كل أسبوع إلى المساجد ليتلقوا دروسا في اللغة العربية والقرآن الكريم والتربية الإسلامية،وسط تحفيز من أولياء الأمور حرصا منهم على المحافظة على هويتهم الدينية، ورغبةً في تعلم لغة القرآن الكريم وما تيسر من آي الذكرالحكيم، وقد شهدتْ تجربة مدارس نهاية الأسبوع في بلجيكا تأخرا كبيراً على مدار العقدين الأخيرين بشكل ملحوظ مقارنة مع ما يدرس في المغرب، ولا ريب أن هذا التأخير في التطوير والمراجعة والتجديد أفضى إلى انتقادات ورفض لتدريس الابناء اللغة العربية في المساجد  من بين بعض الآباء ، و ذلك لإنعدام منهج دراسي و أطر تربوية تعرف معنى التعليم و متخصصة في تربية الاجيال القادمة ، حيث أن معظم رؤساء الجمعيات الذين يدرسون اطفال الجالية لا يتوفرون على شهادات عليا و ليس لهم اي علاقة بالتعليم و لا بالفقه ، فقط اسسوا جمعية دينية لمساعدة الجالية على الصلاة و طوروا انفسهم بخلق مدارس داخل المساجد غرضها الحقيقي مادي محظ حيث يتراوح مبلغ التسجيل في هذه المدارس بين 250 و 350 اورو للطفل مع العلم ان مدرسة واحدة يمكنها ان تسجل 750 طفل ، لذلك نحن بحاجة أن نراجع ما نقدم لأبنائنا بحيث يتناسب مع عالم سريع التغير،وبيئة لها ما يناسبها من الطرح والأفكار، على أن تلك المراجعة يجب أن تدور في إطار فلسفة التصور الإسلامي للمواطنة القائمة علىالموازنة بين الانفتاح والمحافظة، والموائمة بين الثابت والمتغير، ومقتضيات الانتماء للدين والوطن والأمة والإنسانية.

فالغريب في الامر هو ان جمعيات دينية يترأسها اشخاص يلبسون لباس الدين و التقوى و يساهمون بشكل مباشر في الخداع و الفساد حيث ان اغلبيتهم يتهربون من الضرائب و يشغلون ( معلمين ) بدون اي وثائق و بدون علم الدولة و بدون اي مهارات للتدريس في فصل دراسي في مدرسة ابتدائية ، حيث يجب أولاً قبول المعلمين المحتملين في برنامج تعليمي . خلال هذا البرنامج ، يُطلب من الطلاب عادةً إجراء عدة دورات مختلفة حول مجموعة من الموضوعات.

قد تشمل هذه المواضيع علم النفس التربوي ، أدب الأطفال ، دورات الرياضيات والطرق المحددة والخبرة الميدانية في الفصول الدراسية. يحتاج كل برنامج تعليمي إلى دروس محددة حول كيفية التدريس لجميع المجالات الدراسية التي سيغطيها المعلم.

اطلعت منذ أسابيع على بعض الكتب في التربية الإسلامية للأطفال التي تم تأليفها في بعض الدول العربية، وتلقى رواجا لا بأس به.  فوجدتُها متعددة المزايا، وافرة الجهد في إعدادها، وكُتبت بطريقة مبسطة إلى حد ما.  لكنها غير مناسبة للطفل هنا بأوروبا، نعم يمكن أن يستفيد منها المعلم والمربي الذي يمتلك الحس النقدي والقدرة الانتقائية، على ألا تقدَّم للطفل كتابا مطبوعا أو مسموعا، حينما قرأت الكتاب المفترض تقديمه للطفل في عمر عشر سنوات وجدته يصنع شخصية منغلقة سطحية لا تعترف بالاختلاف ولا بتعدد الآراء. فقد عرض الكاتب بعض الأحكام الفقهية بطريقة أحادية الرأي رغم كونها من المسائل الخلافية .

هذا  فالمناهج كُتِبت للأطفال الذين يعيشون في البلاد العربية الذين يتحدثون ويفكرون ويفهمون اللغة العربية، وبالتالي فكثير منالمصطلحات والكلمات عسيرة الفهم عند الطفل المسلم الأوروبي. كما تتضمن تلك المناهج قضايا ليس ليها علاقة بالواقع الأوروبي ولا طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه الطفل لا يتناسب طرحهاغالبامع عقلية الطفل المولود هنا، حيث تعتمد كثيرا على التلقين دون العناية الكافية بالتحليل والتعليلوالاستنباط والمساحة المناسبة للحوار .

كما أن ضعف معالجة الإشكالات التي يعيشها الطفل في البيئة الأوروبيةالبيئةالاستهلاكاستقلال الشخصية وغيرها.

 فالاخراج الفني للكتب والأمثلة غير ملائم مع الذوق العام الذي يعيشه الطفل في المدارس الأوروبية الرسمية و المناهج المستوردة مُقَسمة على عدد من الساعات التي تناسب الطفل في البيئة العربية، ولكنها لا تتناسب مع الوقت المتاح لتدريس مادةالتربية الإسلامية بمدارس السبت والأحد هنا. فبعض المقاطع المرئية على اليوتيوب التي يعتمدها بعض المعلمين في التربية الإسلامية يتضمن قصصا ومواعظ جيدة جدا ومناسبة لكلطفل مسلم في العالم، ولكن هناك أيضا ما يدعو للخرافة وتسطيح العقل فعلى المعلم والمربي أن ينتقي ويختار بعناية فائقة، فالطعام الجيد لهأثره الصحي على البدن، والمعلومات الخاطئة لها آثارها السيئة على بناء العقل.

فالمسألة إذاً فيها سعة فلماذا نضيق ونربي أبناءنا على القطع والإطلاق فيما هو محتمل؟! وقد رأيت بعض طلاب الجامعات في بلجيكا يكون وسط زملائه وقوفا في مكان عام فإذا أراد الشرب جلس على الأرض، في مشهد يدعو للتعجب ويفتح بابا للسؤال والنقاش لن يكون الإسلام فيها رابحا، فالقضية ليست أصلا من أصول العبادات أو العقيدة أو المعاملات. وقد اندهشت حينما وقع بصري على في هذا الكتاب على شرح مفهوم البدعة! وقلت: ما قيمة الحديث عن البدعة؟ إن الطفل لم يعرف شيئا عن الدين فكيف أطرح له هذا المفهوم في هذا العمر؟!  لقدانحرفت الغاية من العناية بمفهوم البدعة التي تقتضي حماية أصول الدين من تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتزييف الزائغين إلى ورقة في يد ثلة نَصَّبتْ نفسها حاكما على العلماء والدعاة، وما أسهل عليها أن تصف فلانا بأنه مبتدع وضال، لا لشيء سوى أنه حليق اللحية أوطويل الثياب أو مؤول إلخ. .

 وأعجب منه تحريم الصور ذات الأرواح والاستدلال بالأحاديث التي لا يصح بها الاحتجاج في المسألة، وهي بعدُ من المسائل التي أرهقت الأمة وشَقَّتْ صفوفها وأنتجت طوائف من الشباب لا يعرفون قيمة لمن يخالفهم. وفي الكتاب شرح لسورة البينة والتركيز على مصير الكفار في الآخرة.  قلت: اختيار غير موفق تماما. ذلك لأنها ستفتح أبوابا من الأسئلة والنقاش فوق طاقة الطفل وربما فوق القدرة المطلوبة من المعلمين. يجب أن ندقق كثيرا في اختيار الآيات القرآنية والسور التي نتعرض لشرحها لأبنائنا، فلستبدل بآيات العذاب آيات الرحمة والحديث عن الجنة ونعيمها وصفات وأخلاق المؤمنين. وقد وجدت الكاتب تحدث بسطحية شديدة عن أعياد غير المسلمين وعدم المجاملة في الدين وتحريم تهنئة المسلم لغير المسلم في أعياد نهاية العام. يجب أن نتجاوز هذه المسألة في الشرق والغرب على السواء. إننا لا ندعو لغلق الباب أمام الاستفادة من الإنتاج العلمي والأدبي والتربوي المنتج خارج الساحة الأوروبية، بل يجب الإفادة منه والانتفاع به، لكن وفق معايير وقواعد تراعي تغير الزمان والمكان والظروف والبيئات والأحوال، وتلك هي الحكمة التي يسعى المسلم خلفها أنى وجدها فهو أحق بها.

 كيف نعرض العقيدة الإسلامية على أطفالنا؟

من نكد الدنيا علينا أن تلاحقنا منهجية التفكير التي صنعت قلوبا قاسية حينما قدمت العقيدة على أنها عملية رياضية جافة لا توقظ ضميرا،ولا تلهب عاطفة، ولا تغرس الحب والشوق إلى الله جل في علاه.  هلاَّ تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أسس العقيدة الحية فينفوس الصحابة وصاغ منهم رجالا قلوبهم في السماء وأقدامهم على الأرض؟ ها هو يسكبها في قلب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين أودعه تلك النصائح الغالية العظيمة قائلا:  “يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُرواه الترمذي

 لماذا لا نؤسس العقيدة انطلاقا من أسماء الله الحسنى وفق برنامج تربوي علمي متنوع الوسائل؟ ولعلنا نستفيد من كتب شيخنا محمدالغزالي رحمه في هذا الباب وهي كثيرة وقد ألح على تلك الفكرة طويلا.  خاصة كتابهعقيدة المسلموفي كتاب العلامة الإمام القرضاويالإيمان والحياة نموذج رائع لتقديم العقيدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: