وجد حزب العدالة والتنمية الذي تلقى هزيمة قاسية في الانتخابات الأخيرة في المشكلات التي تواجهها الحكومة فرصة لتصفية حساباته مع حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود التحالف الحكومي، حيث أن الحزبين رغم أنهما كانا في الائتلاف الحكومي إلا أن العلاقة بينهما هزتها عدة خلافات على غرار تعديل القوانين الانتخابية.
تعكس الانتقادات شبه اليومية التي يوجهها حزب العدالة والتنمية في المغرب للحكومة التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار محاولة الحزب الذي مني بانتكاسة في الانتخابات الأخيرة لتصفية حساباته مع الأحرار باستغلال المشكلات التي تواجهها حكومة عزيز أخنوش.
ووجه حزب العدالة والتنمية انتقادات حادة للحكومة معتبرا أنها “عاجزة، وقليلة الحيلة والفعالية” وهو ما ردت عليه قيادات بحزب التجمع الوطني للأحرار بالدعوة إلى تقبل الهزيمة الانتخابية.
ودعا عضو المكتب السياسي لحزب الأحرار محمد أوجار قيادة العدالة والتنمية إلى تقبل الهزيمة الانتخابية وترك الفرصة للفريق الحكومي الجديد.
وفي مدينة سلا طالب أوجار، وهو أيضا وزير سابق، بتغليب الحوار والعقلانية والواقعية واحترام القانون في التعاطي مع عدد من الملفات الإشكالية بالبلاد. وتابع أنه “حين طلب من المغاربة أن يقرروا في انتخابات حرة ونزيهة عاقبوا توجها معينا”، في إشارة إلى العدالة والتنمية “واختاروا توجها معينا”.
وفي المقابل أكدت الأمانة العامة للعدالة والتنمية في بيان توصلت بنسخة منه عقب اجتماعها السبت أن “كل ما يقع ما هو إلا نتيجة طبيعية لمقاربة سياسية خاطئة استهدفت المسار الديمقراطي ومهدت الطريق لهيمنة تيار يجمع بين الثروة والسلطة، حكومة عاجزة على الوقوف في وجه شركات المحروقات والقيام بدورها في مراقبة الأسعار وحماية المواطنين”.
وحمّلت الأمانة العامة للعدالة والتنمية الحكومة مسؤولية موجة غلاء الأسعار التي تضرب العديد من المواد الأساسية من بينها المحروقات، مشددة على أن ما يقع اليوم في المغرب “نتيجة طبيعية لمقاربة سياسية خاطئة استهدفت المسار الديمقراطي ومهدت الطريق لهيمنة تيار يجمع بين الثروة والسلطة”.
وشددت على أن دور الحكومة الأساسي هو مواجهة الصعوبات والتحديات والعمل من أجل التخفيف عن المواطنين بابتكار واقتراح الحلول وسن الإجراءات المناسبة والتواصل الصريح والمباشر والمسؤول معهم لتوضيح الظروف والسياقات وليس ادعاء عدم توفرها على العصا السحرية والهروب من المواجهة.
وقال أوجار في لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني ضمن برنامج “السياسة بصيغة أخرى” إنه “لا بد لأطراف سياسية أن تدرك أن البلد أعطتهم فرصة لتدبير استمر 10 سنوات وما جابش الله (أي دون نتيجة)، والمغاربة اتخذوا موقفا من هذه الفترة من الحكم”، مشيرا إلى ضرورة إثراء النقاش العمومي وإغنائه بأفكار وأطروحات بعيدا عن التجريح والترويج لما يحبط عزائم المغاربة.
ويرى مراقبون أن على الحكومة المغربية أن تسعى لتحسين الوضع رغم حديث المسؤولين المتكرر عن تشابك الظروف الخارجية مع الوضع الداخلي وما انجر عنه من تداعيات.
وأكد رشيد لزرق أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري أن “السياسات الحكومية إبان حكم حزب العدالة والتنمية اتجهت بقوة إلى رفع الضريبة والأداءات على المؤسسات الاقتصادية التي تحترم القانون، فيما كانت تغض الطرف عن المؤسسات الاحتكارية والتي عرفت أرقام معاملاتها انتعاشا في ظل التقلبات التي يعرفها الاقتصاد الوطني”.
وأضاف لزرق أن “العدالة والتنمية حزب ظل يخفي غايات متناقضة من خلال طول مرحلة التسيير التي أفرزت تجمّع مصالح مختلفة على شاكلة شركات تسعى لتحقيق الأرباح ومراكمتها، فإن الحكومة ينبغي أن تتجه نحو تحقيق السيادة الصحية والطاقية والأمن الغذائي باعتبارها قطاعات استراتيجية حيوية تؤمّن حياة المواطن، باعتباره مدخلا لتحقيق التنمية تعزيزا للخيار الديمقراطي”.
وأعطت الانتقادات المتتالية لحزب العدالة والتنمية للحكومة انطباعا بأنه بصدد تصفية حساباته مع حزب الأحرار خاصة أن الخلافات بينهما ليست وليدة اللحظة، حيث سبق وأن دخل الحزبان المشاركان في الائتلاف الحكومي السابق في سجالات حول تغيير القوانين الانتخابية وغيرها من الملفات.
واتهم العدالة والتنمية الذي ترأس الحكومة في الولايتين السابقتين قيادة الحكومة بـ”شراء بعض وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية والمؤثرين للتغطية على عجزها وتسخيرهم لتلميع صورتها وإخفاء الحقائق”، وقال مراقبون إن بنكيران تناسى أنه استعان برواد التواصل الاجتماعي في العام 2015 لنفس السبب.
حزب العدالة والتنمية وجه انتقادات حادة للحكومة معتبرا أنها “عاجزة، وقليلة الحيلة والفعالية”
واستغرب الحزب لجوء “الحكومة المتكرر وغير المسبوق في تاريخ الحكومات إلى تعليق عجزها وقلة حيلتها وفعاليتها في كل مناسبة على الحكومتين السابقتين”، متسائلا “أين اختفت الكفاءات والوعود ومسار الثقة ومسار التنمية وحجم الوعود الوهمية التي ثبت زيفها؟”.
لكن أوجار أكد أن وزراء حزبه يشتغلون “في مواقع ملتهبة في المالية العمومية والزراعة والتربية الوطنية والسياحة والعلاقات مع البرلمان، وأنهم ينتجون ويقدمون حلولا ويعملون على بلورة توافقات واسعة قادرة على إقناع المغاربة”.
كما قال إن المشهد السياسي بالبلاد عرف “تحولات عميقة واستقطابات وخطابا جديدا” يتمثل في ما أفرزته انتخابات الثامن من سبتمبر 2021 التي عرفت سقوطا انتخابيا قويا لحزب العدالة والتنمية.
واعتبر لزرق أنه “يفترض في وزراء حكومة أخنوش القدرة والشجاعة لمواجهة الظروف الحالية ليس بطريقة الحكومات السابقة التي اقتصرت على ترديد شعار مكافحة الفساد في وقت دأبت على الزيادة في الأداءات على الأرباح، وفتح الأسواق التي كانت نتائجها مؤلمة جعلت المواطن وجها لوجه أمام تقلبات الأسواق العالمية وهو الأمر الذي نعيش عليه في مجال الطاقة التي تعرف زيادات مؤلمة”.
وأكد أوجار أن حزب التجمع الوطني للأحرار سيبهر المغاربة بعد خمس سنوات باعتبار أن الولاية الحكومية لا تزال في بدايتها، مشيرا إلى أن الحزب مستعد للمحاسبة بعد هذه الولاية.