غاز الجزائر لم يغيّر مواقف إيطاليا المتمسكة بالمغرب كحليف استراتيجي

ماموني

حرصت إيطاليا على التفريق بين التوقيع على اتفاق لزيادة إمدادات الغاز مع الجزائر وبين علاقتها مع المغرب، بعدما أكد وزير الشؤون الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو أن المغرب شريك استراتيجي ومحاور رئيسي لإيطاليا في المنطقة.

وقال مراقبون إن هذا التصريح الذي جاء مباشرة بعد الاتفاق مع الجزائر يكشف أن إيطاليا تشعر بأن هذا الاتفاق غير ذي جدوى بالنسبة إلى المهمة التي يطرحها الأوروبيون على أنفسهم، وهي تعويض الاعتماد على الغاز الروسي.

وأشار المراقبون إلى أن كلام دي مايو يظهر أن فيه رسالة من إيطاليا إلى حلفائها الغربيين مفادها أنها حاولت البحث عن بدائل، لكن لا بديل حاليا للغاز الروسي خاصة أن الجزائر وإن كانت تحوز على وفرة في المخزون، فلديها ضعف في إمكانيات الإنتاج، ما يجعل الرهان عليها بلا معنى.

محمد لكريني: الجزائر لم تنجح في استثمار ورقة الغاز لكسب أوروبا إلى صفها

وأضافوا أن بحث إيطاليا عن طمأنة المغرب بشأن تحالفهما الاستراتيجي يظهر أن التضخيم الإعلامي من الطرفين الجزائري والايطالي للزيارة لم يقد إلى نتائج ملموسة.

وكشف وزير الشؤون الخارجية الإيطالي في تغريدة على “تويتر” عن فحوى المكالمة الهاتفية التي أجراها، الجمعة، مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، والتي أكد فيها أن بلاده ملتزمة بتعزيز التعاون مع المملكة، مضيفا “نحن ملتزمون بتعزيز التعاون في جميع المجالات”.

وبعدما استعادت العلاقات المغربية – الإسبانية عافيتها بعد أزمة خانقة، استقبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي والوفد المرافق له، الاثنين الماضي، كمحاولة من الجزائر للتعويض بحليف آخر في المنطقة بديل عن إسبانيا.

واعتبرت مصادر سياسية لـ”أخبارنا الجالية ” أن المكالمة الهاتفية بين الطرفين جاءت عقب زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، التي دامت ساعات، والتي لم تستطع فك العزلة السياسية والاقتصادية عن الجزائر، خصوصا باستعمال ورقة الغاز كطعم للإيطاليين كي يؤثّروا على موقف الأوروبيين فيما يخص علاقاتهم مع المغرب والموقف من الصحراء.

وأكدت المصادر أن الموقف الإيجابي للولايات المتحدة وإسبانيا الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، إلى جانب استئناف العلاقات مع إسرائيل، يشجع الإيطاليين على عدم الوقوع في فخ إغراء الغاز الجزائري.

واعتبر محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي المغربي، أن الاتصال الهاتفي بين ناصر بوريطة ودي مايو جاء تعبيرا عن الموقف الرسمي الحقيقي لإيطاليا التي تعتبر المغرب شريكا استراتيجيا له موقعه ودوره في عدد من الملفات الحساسة أمنيا وسياسيا واقتصاديا.

وكانت إيطاليا قد أشادت في إعلان الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد الموقعة مع المغرب بـ”الجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب بهدف تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية”، مؤكدة دعمها “لجهود الأمين العام للأمم المتحدة من أجل مواصلة المسار السياسي الرامي إلى التوصل إلى حلّ سياسي، عادل وواقعي وبراغماتي ودائم ومقبول من الأطراف لهذه القضية”.

وأكد لكريني في تصريح لـه أن الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء الإيطالي إلى الجزائر لم تؤثر على العلاقات المغربية الإيطالية، إذ لم تنجح الجزائر في استثمار ورقة الغاز ليس فقط مع إيطاليا ولكن مع دول أخرى كإسبانيا بعد موقفها الصريح المؤيد لمشروع الحكم الذاتي.

واخرجت المكالمة الهاتفية العلاقات الثنائية المغربية – الجزائرية من دائرة التأويل السياسي غير الإيجابي، كونها جاءت بعد موقف إسبانيا الداعم لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، كما حددت بدقة الملفات والتحديات والرهانات الثنائية التي تتطلب شراكة واضحة خصوصا فيما يتعلق بالوضع الاقليمي وعلى رأسه ملف ليبيا.

وقد سبق لوزير الشؤون الخارجية الإيطالي أن أكد ترحيب بلاده بالجهود الجادة والموثوقة التي يبذلها المغرب في إطار الأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء، وتشجيعها جميع الأطراف على مواصلة انخراطها بروح من الواقعية والتوافق، مع تأكيد دعم بلاده لمبادرات مجلس الاتحاد الأوروبي المتعلقة باتفاقيات الزراعة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

وأكد لكريني أن معيار المصلحة أو البراغماتية هي المحدد الأساسي في العلاقات بين الدول وهو ما ينطبق على علاقة إيطاليا بالمغرب والجزائر على حد سواء، رغم وجود بعض المحطات التي تتطلب وضوح مواقف الدول وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحيوية للدول الأخرى، وهو ما يطالب به المغرب فيما يتعلق بسيادته على صحرائه وهو ما يحدد تعاطيه مع إيطاليا التي أكدت أنها ملتزمة بتعزيز التعاون مع المغرب على غرار دول أخرى مثل إسبانيا وألمانيا.

وتعتبر الجزائر ثاني مزود للغاز لإيطاليا بعد روسيا، التي تشهد أزمة مع كل شركائها الأوروبيين منذ تدخلها العسكري في أوكرانيا في فبراير الماضي. وتستورد إيطاليا نحو 95 في المئة من الغاز الذي تستهلكه. وهي من أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي بنحو 45 في المئة من احتياجاتها، بينما تزودها الجزائر بنحو 30 في المئة.

وتجاوزا للضغط الذي حاولت الجزائر ممارسته على الرباط بعد وقف العمل بأنبوب الغاز الذي يمر بالأراضي المغربية في اتجاه إسبانيا، أعلن المغرب، الجمعة، أنه دخل رسميا إلى السوق الدولية للغاز الطبيعي، مؤكدا أنه سيشرع في استيراده خلال أيام عبر أنبوب الغاز “المغاربي – الأوروبي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: