تكشف التصريحات المختلفة للمسؤولين الجزائريين بشأن قدرات بلادهم على زيادة كميات الغاز لأوروبا عن ارتباك شديد، فمن ناحية يريد النظام الجزائري تقديم نفسه كرقم مهمّ في أزمة الغاز، ومن ناحية ثانية يقول الخبراء إن الجزائر لا تقدر على ضخ كميات إضافية على المدى المتوسط، وإن حقول الغاز الجزائرية ستكون مهددة بالاستنزاف فيما لو غامرت السلطات بعقد اتفاقيات جديدة.
ووضع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بلاده تحت الضغوط حين وجّه رسائل طمأنة إلى الشركاء الأوروبيين، وقدّم تعهدات بتلبية حاجيات السوق الأوروبية من الطاقة، لكن تصريحات المسؤولين والخبراء في المجال اعتبرت أن الأمر أقرب إلى المغامرة من الواقع، وأن الخطاب السياسي الموجه إلى الخارج يقفز على حقيقة إمكانيات الجزائر.
واستبعد الخبير الاقتصادي الجزائري مصطفى مقيدش زيادة إمدادات الغاز الجزائري نحو دول أوروبية أخرى على غرار ألمانيا والنمسا، معتبرا أنها غير متاحة في المدى المتوسط على الأقل.
وقال إنه “رغم وجود مطالب وضغوط من طرف أوروبا، إلا أنه ليس بالإمكان أن تضخ الجزائر أكثر مما هو متاح ومتوفر.. الجزائر لن تقوم باستنزاف حقولها في عملية كهذه وتقوم بالضخ أكثر من طاقة الحقول”.
واعتبر مراقبون جزائريون أن حديث الرئيس تبون عن أن “قطاع المحروقات على استعداده للمساهمة في أمن الطاقة لشركائنا من الدول وهذا عبر تأمين التموين بالمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي” كان هدفه استثمار أزمة الغاز لأجل الإيحاء بأن الجزائر ليست في عزلة، وأن أوروبا في حاجة إليها، وهذا كرد فعل على تراجع تأثيرها الخارجي خاصة في ملف الصحراء.
وأشار المراقبون إلى أن أوروبا تعرف أن قدرات الجزائر محدودة، وأن الاتصالات مع مسؤولين جزائريين هدفها معرفة الإمكانيات التي يمكن الحصول عليها في حال توقف توريد الغاز الروسي، وأنّ لا أحد يفكر مجرد تفكير في أن تعوض الجزائر حصة روسيا.
وقال رئيس تنفيذي أسبق لشركة سوناطراك الحكومية للمحروقات فضّل عدم ذكر هويته إن الجزائر لا يمكنها تعويض الغاز الروسي لسبب بسيط وهو فارق الإنتاج بين البلدين.
وأوضح أن الجزائر تصدر في أحسن الأحوال ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب إلى إيطاليا، ونحو 12 مليارا إلى البرتغال وإسبانيا، وكميات أخرى أقل نحو فرنسا وتركيا واليونان ودول أخرى.
وعلّق “كميات الغاز التي تصدّرها الجزائر سنويا إلى أوروبا تفوق 42 مليار متر مكعب، بينما بإمكان أنبوب روسي واحد أن يضخ هذه الكميات”.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي الجزائري حسين بوقارة إن بلاده لا يمكنها تعويض الغاز الروسي من منطلق أن الإنتاج لا يكفي لتغطية الإمدادات الروسية.
واعتبر أن الأنابيب الروسية التي تزوّد أوروبا بالغاز تتمتع بطاقة نقل أكبر من الحقول الروسية التي لها إنتاج كبير مقارنة بما تنتجه الجزائر.
وتتداول تقارير محلية ما ورد في موقع “ألجيري بارت”، بأن “إنتاج الجزائر من النفط الخام شهد ركودا خطيرا رغم ارتفاع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية ليتجاوز حاجز الـ100 دولار للبرميل، وأن الجزائر لم تتمكن حتى من الوصول إلى عتبات حصص الإنتاج التي حددتها منظمة الدول المصدرة للنفط (980 ألف برميل يوميا)”. وحذر وزير الطاقة السابق عبدالمجيد عطار من تراجع قدرات البلاد في إنتاج وتصدير النفط والغاز، وذكر بأن “ضغط الاستهلاك الداخلي سيستهلك غالبية الإنتاج من الغاز خلال السنوات المقبلة، وأن تراجع المخزون النفطي سيزيح في المدى المتوسط الجزائر من لائحة الدول المنضوية تحت لواء منظمة أوبك”.
ويعتقد مصطفى مقيدش أن هدف الجزائر حاليا هو الإيفاء بالتزاماتها، وأنها لا تقدر على التعهد بأيّ التزامات جديدة. وقال “الجزائر لديها عقود مع شركاء أوروبيين على غرار إيطاليا وإسبانيا وتركيا والبرتغال وفرنسا، وأوفت دوما بالكميات المتفق عليها في العقود المبرمة”.
وتابع “من أخطاء أوروبا أنها أرادت إلغاء عقود الغاز الطويلة التي تربطها بالجزائر، وجرى تقليصها إلى مدة 10 سنوات على الأكثر بعد أن كانت تفوق 20 سنة، رغم أنها مصدر إمداد موثوق ومضمون”. وأضاف “أوروبا كانت أصلا تريد التخلص نهائيا من العقود الطويلة والتوجه نحو السوق الحرة للغاز”.
واستدرك “حتى الجزائر لما أطلقت مشروع أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي، المار عبر المغرب وصولا إلى إسبانيا (تم وقف العمل به الخريف الماضي)، كانت نظرتها هي أن يصل الغاز الجزائري إلى فرنسا ومنها إلى قلب أوروبا من خلال ربط فرنسا بإسبانيا عبر جبال البيريني، لكن ذلك لم يحدث”.