الحكم في الجزائر يعود إلى منطق فرق تسد للاستمرار

فاطمة الزهراء مجدي

حكمت شبكة دولة عميقة سرية الجزائر منذ استقلال البلاد في 1962. وتمكنت على الرغم من بعض الاضطرابات من الاحتفاظ بالسلطة منذ ذلك الحين، مع كل الامتيازات التي تنطوي عليها.

وواجهت المؤسسة العسكرية تهديدا خطيرا لحكمها في 2019 من حركة احتجاجية ثورية جديدة وشعبية، سُمّيت الحراك، الذي يواصل الدعوة إلى إصلاح شامل للنظام السياسي، رغم غياب قيادة له وبقائه غير منظم سياسيا.

وقد نشأ الحراك في منطقة القبائل، وهي منطقة يغلب عليها الأمازيغ في شمال الجزائر، والتي وصفها مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية بالمنطقة الجبلية الوعرة شرقي الجزائر العاصمة، وهي مطلة على البحر المتوسط وواحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في شمال أفريقيا.

وتعد المنطقة فريدة من نوعها ثقافيا ولغويا، حيث تسودها الثقافة واللغات والقوانين العرفية والتنظيم الاجتماعي والتقاليد الأمازيغية القديمة. وحافظت على مؤسساتها السياسية والإدارية في ظل العثمانيين (حوالي 1525 – 1830)، وكانت آخر معقل ضد الاستعمار الفرنسي (حوالي 1847 – 1957).

النظام يصور الحراك والبربر على أنهم طابور خامس مدعوم من قوى خارجية، وبذلك قسّم حركة الاحتجاج على أسس عرقية

وتتمتع المنطقة بتاريخ ثوري هائل واستمرت الاحتجاجات هناك بلا هوادة منذ 2019، على الرغم من اعتقال المتظاهرين في الكثير من الأحيان لتهم لا تزيد عن رفع العلم الأمازيغي.

وفي مايو 2021، أعلن عن تصنيف الحكومة لحركة استقلال منطقة القبائل، المعروفة اختصارا بـ”ماك” والتي تناضل من أجل استقلال منطقة القبائل، منظمة إرهابية. وأصدرت مذكرة توقيف دولية بحق مؤسسها فرحات مهني الذي يعيش في باريس.

واستهدف العديد من قادة الأمازيغ منذ ذلك الحين، بما في ذلك احتجاز كاميرا نايت سيد، الرئيسة المشاركة للمؤتمر الأمازيغي العالمي، وهي منظمة غير حكومية دولية تدافع عن حقوق الشعب الأمازيغي. وألقي القبض عليها في منزلها في ذراع بن خدة العام الماضي بتهمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية”. وهي محتجزة حاليا في سجن القليعة بولاية تيبازة. وفي السابع والعشرين من نوفمبر 2021، أصدرت جمعية سكان جبال العالم ومقرها باريس بيانا قالت فيه إن تهمة الإرهاب ضد نايت سيد “لا تستند إلى أي دليل واقعي موثوق به”، وشجبت “سجنها غير المشروع”.

وفي العام الماضي، عقد فرحات مهني مؤتمرا صحافيا في باريس اتهم فيه الحكومة الجزائرية بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ضد شعب القبائل. وقدمت “ماك” في سبتمبر التماسات أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي والمحكمة القضائية بباريس بمزاعم “الإبادة الجماعية”.

ووفقا لموقع إنسايد أرابيا، تزعم العريضة المقدّمة للمحكمة الجنائية الدولية أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ونائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة قد انخرطا في “إبادة جماعية ممنهجة لشعب القبائل”، من خلال “استراتيجية إبادة عرقية بوسائل غير مسبوقة” تنطوي على استخدام جائحة كوفيد – 19 وإشعال الحرائق المميتة. ووقعت أكبر الحرائق في الجزائر وأكبر الخسائر البشرية في قلب منطقة القبائل في تيزي وزو، حيث يموت المئات من سكان القبائل كل يوم. وواجهت المستشفيات في المنطقة نقصا حادا في الأدوية والموظفين الطبيين ومعدات الحماية الشخصية، مثل أقنعة الوجه والأكسجين وأسرّة العناية المركزة وما إلى ذلك. وتقول العريضة إن استراتيجية إبادة شعب القبائل تنبع من مؤتمر عُقد في غرب الجزائر يومي الثامن عشر والعشرين من أغسطس 2019 لتأسيس “مشروع إبادة جماعية”.

ورد النظام على التهمة بإضافة 16 من قادة الحركة، بمن فيهم فرحات مهني، إلى القائمة “الإرهابية” الرسمية، ثم حذفها لسبب غير مفهوم بعد ثلاث ساعات من نشرها على الإنترنت.

ويحاول النظام تصوير الحراك والبربر على أنهم طابور خامس مدعومون من قوى خارجية، وبالتالي فقد قسّم حركة الاحتجاج على أسس عرقية، ودفع العرب والأمازيغ ضد بعضهم البعض.

الحراك نشأ في منطقة القبائل، وهي منطقة يغلب عليها الأمازيغ في شمال الجزائر، والتي وصفها مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية بالمنطقة الجبلية الوعرة

لكن هذا فشل، حيث شهد الحراك نجاحا مبكرا تكلل بإزاحة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في أبريل 2019، ثم فشل لاحقا في تحقيق المزيد ضد السلطة، مما خلق مأزقا يحاول النظام الآن كسره باللجوء إلى أساليب وحشية أكثر.

وتشمل الحملة الممنهجة ضد المعارضين الضغط على الحلفاء المقربين مثل تونس وفرنسا لاستهداف المعارضين نيابة عنهم. وذكرت رويترز في سبتمبر 2021 “مثل معارض جزائري أمام محكمة بالجزائر العاصمة الأربعاء بتهمة الإرهاب، وهو ما يؤكد أنه لم يعد موجودا في تونس، حيث كان يتمتع بوضع اللاجئ”.

واتُهم سليمان بوحفص بالانتماء إلى حركة “ماك”، وهي جماعة انفصالية في منطقة القبائل، أعلنت الجزائر أنها منظمة إرهابية العام الماضي، وسُجن احتياطيا.

وأثارت هذه القضية غضب الجماعات الحقوقية في تونس، التي تقول إن الحكومة سلمت بوحفص إلى السلطات الجزائرية في انتهاك لوضعه كلاجئ. وتقمع الجزائر “ماك”، التي تسعى إلى استقلال منطقة القبائل ذات الأغلبية البربرية. وتقول إن “الدعم المغربي للجماعة هو أحد أسباب قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط”.

وتزامنت الحملة ضد الحركة من خلال القمع المستمر لجهود الحراك الأوسع. وقالت هيومن رايتس ووتش في فبراير “بعد ثلاث سنوات من بدء الحراك مسيراته الأسبوعية السلمية الضخمة للمطالبة بالإصلاح السياسي، تحتجز السلطات 280 ناشطا على الأقل، يرتبط الكثير منهم بالحراك، وهم متهمون أو مدانون على أساس اتهامات غامضة، حيث يواجه البعض تهما بالإرهاب بناء على تعريف فضفاض إلى درجة التعسف. وارتفع هذا العدد خلال العام الماضي، في حين تحركت السلطات أيضا ضد الجمعيات والأحزاب السياسية التي تُعتبر موالية للحراك”.

ولا يزال النشطاء محمد تجاديت، صهيب دباغي، طارق دباغي، مالك الرياحي ونورالدين خيمود في الحجز. ودخل سجناء الرأي إضرابا عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم التعسفي، حيث يواجهون المحاكمة بتهم تشمل “نشر أخبار كاذبة” و”تقويض الحياة الخاصة لطفل قاصر من خلال نشر صورة قد تضر به” و”تشويه سمعة المؤسسات العامة والقضاء”، بعد أن نشر تجاديت ودباغي مقطع فيديو على فيسبوك في أبريل 2021، يظهر فيه صبي يبلغ من العمر 15 عاما يبكي ويقول إنه تعرض لاعتداء جنسي من قبل الشرطة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: