العلاقات المغربية/ الإسبانية تزكية ملكية لعهد جديد ونفس جديد لعلاقات استراتيجية متينة
الدكتورة راضية الدباغ
لقد شكلت الثقة الملكية السامية حافزا قويا في المساهمة في إشعاع المغرب وتحصين مكتسباته السياسية والاقتصادية، والأمنية على عدةمستويات، شكلت فيها قضية الصحراء المغربية، أولى الأولويات في اهتمامات السياسة الملكية، حيث ظلت هذه الأخيرة، تضطلع بأدوار مهمةفي تدبير قضية الصحراء، وتبرز أهميتها الإستراتيجية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، مؤمنة بعدالة قضيتها وقناعة راسخة مبنيةعلى الشرعية التاريخية والقانونية.
وفي هذا الإطار استطاع جلالة الملك محمد السادس أن يعيد ضبط مخرجات الحل في الملف عبر طرح مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسيوسلمي والأكثر ملائمة لحل قضية الصحراء، ضمن معها جلالته وبشكل جدري تغيير الأوضاع على كافة الأوجه الدبلوماسية لحل قضيةالصحراء. كما تعامل جلالته بكل إيجابية مع أزمات الملف وبعض التحفظات التي أبانت عليها بعض الدول إزاء وحدة المغرب وسيادته الترابيةوالتي تعامل معها جلالته بكل حكمة عبر تنويع شركائه ورسم خريطة جديدة لعلاقاته. توجه خلخل أوراق المنظومة العلائقية مع شركائهالتقليديين ودفعت بهم إلى إعادة ترتيب أوراقهم الإستراتيجية في محاولة لكسب المغرب كحليف يعتمد عليه، وهي مسألة يمكن استقرائها منكم التراكمات والتحولات الإستراتيجية الفعلية التي جعلت المغرب في موقف قوة وثبات إزاء سيادته الوطنية. على اعتبار أن المغرب أصبحيحظى بدور ريادي وقيادي في إفريقيا وأصبحت مواقف المغرب في قضايا متعددة تحظى بشبه إجماع، وذلك بناء على مؤشرات ومعطياتمؤثرة تبين الدفعة القوية التي أعطاها الملك محمد السادس للدبلوماسية المغربية.
وتشهد العلاقات المغربية – الإسبانية في الآونة الأخيرة زخما كبيرا، بعد التغير الذي طرأ على موقف مدريد من ملف الصحراء المغربيةوتأييدها لمقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل للصراع على الصحراء المغربية، لتدشن لمرحلة جديدة ومفصلية، تنهي معها الأزمةالدبلوماسية التي عمقت القطيعة بين البلدين وجمدتها لعدة أشهر، وتسدل الستار على الخلافات والقضايا العالقة، والبناء لأفق جديد مبنيعلى التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، ولعلاقة تقوم على الثقة والشفافية والوفاء بالالتزامات والاحترام المتبادل لضمان الاستقراروالوحدة الترابية للبلدين.
فالإستقبال الملكي لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز يأتي لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين وإلى العمل على البناءوالتأسيس لخارطة طريق طموحة من خلال الرسم لتفعيل أنشطة ملموسة تغطي جميع قطاعات الشراكة، وتشمل كل القضايا ذات الاهتمامالمشترك بين البلدين، المسألة التي عمقت من جهة من فشل الجزائر وصنيعتها والتي راهنت ومن خلال السنين الماضية وبكل الوسائل علىالتشويش على هذه العلاقة في سعي منها لإبقاء محور مدريد الرباط متأزما – حيث كان على رأس تلك الخلافات بالنسبة للمغرب إدخالزعيم بوليساريو، بأوراق مزورة للأراضي الإسبانية، والسلوك الغير واقعي والإنفعالي الذي اتخذته الجارة الإسبانية في كل مايخص قضيةالوحدة الوطنية.
وفي هذا الإطار يجب التسجيل بأن العلاقة التي بنى لها الطرفين اليوم، وبتزكية من القيادة الملكية الرصينة جددت الدماء بين البلدين كماأنها تتجاوب وتتفاعل مع الأسس التي يرغب المغرب في وضعها لتحديد وضبط علاقاته بين شركائه، بشكل مستدام، وتترجم بشكل كبيرالطموح المشترك بين البلدين، وسعي اسبانيا لكسب المغرب كحليف استراتيجي، يحظى بحضور إقليمي ودولي مميز.
والأكيد بأن هذه الزيارة الموسومة بكل عبر البناء للعهد الجديد بين البلدين لتوثق وبشكل واضح لمدى جدية الخطوات التي سوف تكون عليهاالشراكة المستقبلية بين البلدين سواء منها الالتزام المتبادل أو البعد الإستراتيجي لهذه العلاقة التي برزت أهميتها من خلال دفاع رئيسالحكومةَ الإسبانية عن خياره الواقعي بخصوص وجاهة مبادرة الحكم الذاتي أمام البرلمان الإسباني، في وعي منه بأهمية هذه العلاقة التيتأتي مسايرة للظروف الإقليمية والعالمية التي يعيشها العالم، كون الدول الأوروبية وعلى رأسها اسبانيا، وجدت نفسها معنية بالانفتاح علىقوى دولية وكذا إقليمية صاعدة، وفي مقدمتها المغرب، الذي حقق نجاحا وإشعاعا يحسب لصالحه، خصوصا بعد الإعتراف الأمريكيبسيادة المغرب على صحراءه، والتحول الكبير في مواقف العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وانكلترا والعديد من الشخصيات السياسةالتي سطرت في مواقفها بأن الأمور عادت إلى نصابها بعد تعقيد معتمد عرفته القضية في وقت سابق ، وهي المسألة التي تأتي في وقتتصبح فيه المصالح هي سيدة المواقف السياسية والاستراتيجية، وعلى المغرب اليوم الإستفادة منها بأقصى الحدود لوضع حد نهائي وجدريلقضية الصحراء قبل تغيير هذه الظروف.
فالتزكية الملكية لهذا الواقع برز عبر الاستقبال الملكي لرئيس الحكومة الإسبانية، مرفوقا بلجنة رفيعة المستوى، رسخ من خلالها جلالته لواقعجديد، كما هو رسالة مضمونة ومشهود لها إقليميا ودوليا لإزالة كل ضبابية للعلاقات المغربية – الإسبانية التي أصبحت موسومة بالأهميةالاستراتيجية التي يمثلها البلدان بعضهما البعض، والتي يتوقع لها أن تعطي مدا إيجابيا للعديد من القضايا الثنائية، كما ستعزز الآفاقالجديدة والأدوار المؤثرة التي يجب أن يلعبها البلدان في الفضاء المتوسطي، في ظل الوضع الدولي الحساس، والذي يدلي بكل المؤشراتالأزماتية، وعلاقاتها بالأمن القومي والغذائي والطاقي والحدودي…وهي المسألة التي تتماشى واتفاقية مدريد، والتي تشمل التعاون فيمجال مكافحة الجريمة، والاتجار بالمخدرات والبشر والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى المعاملات المالية غير المشروعة، والجرائم في المجالالاقتصادي والمالي وغيرها من البنود المهمة للإتفاقية.
ولعل الحضور الوازن اليوم من طرف اسبانيا، ليعطي الدفعة القوية لأهمية استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على جميع المستوياتالاقتصادية منها والسياسية والأمنية والبيئية، كما أن هناك آفاق وفرص أخرى واسعة للإستكشاف، تهم البلدين، وهي المسألة التي تدليبالقناعة المشتركة لمضاعفة التعاون الثنائي، كما تسطر من جهة أخرى على مصداقية وجدية ووضوح الموقف الإسباني من الصحراءالمغربية، والتي عكستها مباشرة مختلف المؤسسات الرسمية الإسبانية، مسألة يمكن استجلائها من خلال مانشرته وزارة الخارجية الإسبانيةعبر بوابتها الرسمية بنشر خارطة المغرب كاملة. وهو ما يعد ترسيخا للإعتراف الإسباني بمغربية الصحراء، وتحولا تاريخيا في مجرياتتسوية ملف الوحدة الترابية.