الدعم لروسيا والغاز لأوروبا: حيلة الجزائر لإدارة أطراف المعادلة

بليدي

دفعت الأزمة الأوكرانية بالجزائر إلى حقل ألغام قد تنفجر عليها في أيّ لحظة، رغم ما تبديه من ذكاء في تسيير التوازنات الدولية والإقليمية، فهي إن لم تمانع في ضخ كميات إضافية من الغاز إلى الأسواق الأوروبية استجابة لطلبات حكوماتها، فإنها لم تتوان في تبني مواقف دبلوماسية داعمة لموسكو في صراعها مع الغرب وأوكرانيا. وإذ يبدو موقفا ينطوي على الحكمة والبراغماتية، فإنه لا يستبعد أن يجر البلاد إلى حسابات أكثر عسرا إذا تطورت آثار الأزمة وتداعياتها نحو الأسوأ.

صوتت الجزائر وسوريا ضد قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينما كانت ليبيا البلد العربي الوحيد المصوت لصالحه، مقابل امتناع 12 دولة عربية أخرى عن التصويت، لكن ذلك لم يحل دون تعليق عضوية موسكو بمجلس حقوق الإنسان خلال جلسة عقدتها بمقرها في نيويورك، بناء على تصويت 93 دولة لصالح القرار، واعتراض 24، وامتناع 58 دولة.

وإذ جاء الموقف الجزائري مفاجئا وأكثر جرأة، قياسا بالعدد القليل من الحكومات العربية الداعمة لموسكو في المسألة، فإنه كان نتيجة طبيعية للتناغم المسجل في الآونة الأخيرة بين البلدين، ففيما سبق للجزائر أن امتنعت عن التصويت على اللائحة الأممية التي أدانت اجتياح روسيا لأوكرانيا، فإن الإعلان هذا الأسبوع عن قرب إجراء مناورات عسكرية بين موسكو والجزائر، وعن زيارة لوزير الخارجية سيرغي لافروف قريبا، يترجم التقارب الاستراتيجي القائم بين الطرفين.

ويبدو أن موسكو لا تريد أن تبدي اكتراثا لرفع الجزائر من كميات الغاز المتدفق إلى الأسواق الأوروبية، وتعتبره في الظاهر مسألة تجارية بحتة لا يمكن أن تؤثر في ما تصفه بـ”العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين”، لكن في الباطن ترفض أن يكون الغاز الجزائري بديلا لغازها في أوروبا، لأن المسألة تتعلق بآخر ورقة في يد الروس لتطويع الأوروبيين.

هذه السياسة التي تبدو في ظاهرها تنطوي على حكمة قد تقود إلى خسارة الجزائر لكل من روسيا والغرب على حد السواء

وكانت تصريحات سابقة للسفير الروسي في الجزائر إيغور بيلياييف قد كذبت ما راج حينها حول العلاقات الجزائرية – الروسية، ومستقبلها في ظل الضغوط الأوروبية من أجل تأمين الغاز الجزائري، وشدد فيها على أن بلاده تحترم موقف الجزائر من الأزمة الأوكرانية، وذلك في أعقاب امتناعها عن التصويت على اللائحة الأممية التي أدانت غزو موسكو لكييف.

وقال “روسيا تحترم موقف الجزائر من الأزمة الروسية – الأوكرانية، ونحيي ونحترم موقف الجزائر، موسكو كانت تنتظر هكذا مواقف من طرف الدولة الجزائرية، وخاصة في وجود شراكة استراتيجية بين البلدين، وخاصة في ظل التدفق المستمر للمعلومات التي تحمل تلاعبا بالأخبار الكاذبة والأكاذيب”.

لكن مراقبين حذروا من أن هذه السياسة التي تبدو في ظاهرها تنطوي على حكمة قد تقود إلى خسارة الجزائر لكل من روسيا والغرب على
حد السواء.

وعلى هامش الزيارة التي قادت وفد لجنة الاتصال العربية إلى موسكو ووارسو لبحث الأزمة الأوكرانية، ومن بينه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أعلنت موسكو عن إجراء مناورات عسكرية جزائرية – روسية في صحراء الجزائر الخريف المقبل.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية أن “مناورات مشتركة لمكافحة الإرهاب للقوات البرية الروسية والجزائرية ستجرى في نوفمبر المقبل بالجنوب الجزائري، وتمت مناقشة المناورات المرتقبة خلال انعقاد المؤتمر التخطيطي الأول للإعداد لمناورات القوات البرية الروسية – الجزائرية المشتركة لمكافحة الإرهاب”.

ولم يعلن في الجزائر عن أي شيء بشأن هذه المناورات، لكن مصادر مهتمة بالشراكة العسكرية الجزائرية – الروسية الطويلة قالت إنه تمت مناقشة أهداف إجراء المناورات وخطوطها العريضة خلال زيارة مدير المصلحة الفيدرالية للتعاون العسكري والفني لفيدرالية روسيا ديمتري شواييف إلى الجزائر في الخامس والعشرين مارس واجتماعه برئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة.

وقالت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان يومها إن “شنقريحة وشواييف أجريا محادثات تناولت حالة التعاون العسكري بين البلدين، كما تبادلا التحاليل، ووجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

وعلى الصعيد الدبلوماسي أعلن سيرغي لافروف أنه “يعتزم القيام بزيارة إلى الجزائر قريبا” دون أن يحدد موعدا لها، وذكر خلال لقائه بنظيره الجزائري على هامش زيارة وفد لجنة الاتصال العربية الخاصة بالأزمة الأوكرانية “أتوقع أن أقوم بزيارة عودة إلى الجزائر قريبا، سأصر على أن تستقبلوني، يقال عندنا أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبدا”.

الغاز الجزائري مسألة تجارية
الغاز الجزائري مسألة تجارية

وناقش لافروف ولعمامرة ملف العلاقات الثنائية بين روسيا والجزائر والتحضير للاستحقاقات الثنائية المقبلة، قصد إضفاء ديناميكية جديدة على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، والتطورات الأخيرة على الصعيد الدولي وعلاقتها بالأزمة في أوكرانيا، كما أجرى لعمامرة مباحثات ثنائية مع رئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف.ويبدو أن لافروف يريد الاستثمار في عثرات زيارة نظيره الأميركي أنتوني بلينكن إلى الجزائر، وتوظيف اللغط الذي أثير حولها لصالح بلاده، لاسيما ما دار حول عدم استقبال الرجل في مطار الجزائر الدولي من طرف لعمامرة شخصيا، وهو ما اعتبر رسالة خلاف بين الطرفين، لكن مصادر أكدت أن “عدم استقبال لعمامرة لبلينكن في المطار لا علاقة له بالأداء الدبلوماسي، وإنما مجرد اضطراب في التوقيت والأجندة، لأن لعمامرة الذي كان في الخارج بدوره تأخرت طائرته بنصف ساعة عن وصول طائرة نظيره الأميركي”.

وفي المقابل تسارعت وتيرة المساعي الأوروبية لتأمين كميات إضافية من الغاز الجزائري، رغم ما للقضية من إحراج للجزائر أمام شريكتها وحليفتها الاستراتيجية روسيا، ولم تتوان واشنطن في حض الجزائر على تقديم المزيد من الغاز للأوروبيين تحسبا لأي سيناريو أسوأ للأزمة
الأوكرانية.

وصرح مؤخرا وزير التحول البيئي الإيطالي روبرتو شينجولاني بأن بلاده “تتوقع الحصول على كميات إضافية من الغاز من الجزائر”، ورجح حصول روما على ما يقارب عشرة مليارات متر مكعب من خطوط أنابيب الغاز من الجزائر وليبيا وأذربيجان، خلال السنة الجارية.

وكشف روبرتو شينجولاني أن إيطاليا “ستبرم صفقتها الأولى للحصول على كميات إضافية من الغاز الأسبوع المقبل”، وهو ما سيتم خلال زيارة لرئيس الوزراء الإيطالي إلى الجزائر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: