الجزائر تكافح لحماية الأمن الغذائي وسد منافذ الاحتكار

بليدي

لا تتوانى الجزائر في رمي حبال النجاة من خطر الابتعاد عن حدود الأمن الغذائي المعقولة بسبب تداعيات أزمة شرق أوروبا في جميع الاتجاهات، فبعد الإقرار بحتمية مواجهة المحتكرين، اضطرت الحكومة لمنع تصدير العشرات من السلع قد تأتي بنتائج عكسية ربما تؤثر سلبا على خزائن الدولة رغم انتعاش إيرادات الطاقة.

مرّ قرار منع تصدير المواد الاستهلاكية المستوردة إلى خانة التشريع القضائي، حيث طلبت الحكومة من وزير العدل إعداد القوانين اللازمة لتجريم تجارة السلع الضرورية مع الخارج، امتثالا لأوامر الرئيس عبدالمجيد تبون التي اتخذها مؤخرا.

وقرر مجلس الوزراء التوقف عن تصدير مواد على غرار السكر والزيت والعجائن ومشتقات القمح ضمن خطة للحفاظ على المخزون الاستراتيجي من السلع بسبب التذبذب الذي تشهده الأسواق الدولية نتيجة الأزمة الأوكرانية.

كما يأتي لقطع الطريق على استغلال الموردين لأموال الدعم الحكومي في تحقيق عائدات خاصة على حساب الخزينة العامة رغم أن خطوة الحظر ستحد من إمكانية جني الحكومة لإيرادات هي في أمس الحاجة لها حتى مع ارتفاع أسعار النفط.

وتتضمن لائحة المواد المحظورة بشكل مؤقت 83 منتجا مصنفة وفقا لبنود تعريفية جمركية مختلفة، وهي أغذية واسعة الاستهلاك في السوق المحلية.

القرار يحد من نشاط سيفيتال لمالكه يسعد ربراب المسيطر على سوق السكر

وكان لبنان أول ضحايا القرار الجزائري، إذ وجد نفسه في أزمة تموين داخلية بمادة السكر، نظرا لاعتماده الكلي على الكميات الموردة من الجزائر والتي تقدر بنحو 60 ألف طن سنويا.

وسعت الحكومة اللبنانية لإقناع نظيرتها الجزائرية باستثنائها من قرار الحظر تفاديا لاحتمال فقدانه بالسوق المحلية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور قيمة الليرة بشكل أثر كثيرا على القدرة الشرائية للناس.

وتأتي هذه المساعي حتى مع نفي وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن السبت الماضي وجود أزمة قمح وسكر وزيت ببلاده، مؤكدا أن ارتفاع أسعار القمح هو نتيجة الأزمة الروسية – الأوكرانية.

غير أن تطورات الملف توحي إلى أن الجزائر غير مستعدة لمراجعة قرارها أو استثناء لبنان منه، في ظل السرعة التي يتم التعامل بها معه.

وشدد تبون على حظر تصدير المواد الاستهلاكية المستوردة ويقصد بها موادا غذائية أساسية يتم استيرادها في شكل خام ليعاد تكريرها وتصنيعها من طرف متعاملين خواص في الغالب.

وذكّر بيان مجلس الوزراء بضرورة “التأكيد والحرص واليقظة على التنفيذ الصارم لإجراءات منع تصدير المواد الغذائية الأساسية”، ما يعني أن الجزائر لا تنوي منح استثناءات لتصدير المواد الغذائية ومنها السكر، لاسيما وأن العالم يعيش شحا فيها بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية.

ويعد طلب تبون من وزير العدل بإعداد مشروع قانون يجرم تصدير المنتجات المستوردة ثاني تشريع بعد الذي خُصص لمعالجة “جرائم الاحتكار والمضاربة” إذ يتضمن عقوبات صارمة تصل إلى 20 عاما سجنا نافذا. كما حث الرئيس الحكومة الاستعداد للتشدد أكثر في تلك العقوبات.

وجاءت القرارات في خضم الندرة والتذبذب اللذين تعيشهما الأسواق المحلية في بعض المواد الاستهلاكية كالحليب والزيت، والتي بررتها الحكومة بممارسات الاحتكار والمضاربة.

في المقابل أرجع خبراء تقليص الحكومة لاستيراد الحاجيات اللازمة للمستهلكين بدعوى تقليص الفجوة بين الحسابات الاستراتيجية كالموازنة العامة والميزان التجاري.

وكان رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي قد أثار موضوع إعفاء بلده من توريد السكر الجزائري مع وزير الخارجية رمطان لعمامرة خلال لقائهما في “منتدى الدوحة”. وأكد أن الطلب يأتي في إطار مساعدة لبنان على مواجهة تداعيات أزمة شرق أوروبا.

وبحسب بيانات رسمية تعد الجزائر من أكبر الدول المستوردة للسكر، حيث تنفق سنويا نحو 900 مليون دولار لتوفير مليوني طن.

Thumbnail

وتتدخل الخزينة العامة لدعم المادة بواسطة مساهمات سنوية، كما أن المتعاملين بالقطاع استفادوا خلال السنوات الأخيرة من إعفاءات مس الرسم على القيمة المضافة بغية الحفاظ على استقرار سعره في السوق المحلية.

ومنذ مطلع هذه الألفية يهيمن مجمع سيفيتال المملوك لرجل الأعمال يسعد ربراب على نشاط استيراد وتكرير وتصنيع وحتى تصدير السكر في البلاد، حيث استفاد الرجل من إفلاس وحل المصانع الحكومية الموروثة عن حقبة التسيير الاشتراكي للاقتصاد.

وكانت الجزائر قد عاشت العام 2011 احتجاجات اجتماعية وصف بـ”أحداث السكر والزيت”، لكن سلطة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة تدخلت آنذاك بإقرار دعم إضافي للمادتين اللتين يحتكرهما سيفيتال، وإعفائهما من الرسوم على القيمة المضافة.

واعتبره معارضو سياسة شراء السلم الاجتماعي دعما لربراب على حساب القدرة الشرائية للمستهلكين خاصة في ظل استغلاله لفوارق الدعم والإعفاء في تحقيق عائدات مجانية خلال توجهه إلى تصدير الزيت والسكر إلى عدة أسواق أجنبية، وعلى رأسها لبنان.

وتحدثت تقارير إعلامية لبنانية عن وقف الجزائر لتصدير السكر إلى لبنان، من أجل الحفاظ على المخزون المحلي من هذه المادة في ظل اضطرابات الإمدادات في الأسواق العالمية.

وأفادت صحيفة “الأخبار” اللبنانية أن “الجزائر هي المورد الأول للسكر إلى لبنان بكمية 60 ألف طن سنويا، الأمر الذي قد يتسبّب في خلق ندرة من هذه المادة وارتفاع أسعارها، لاسيما وأن لبنان يعيش أزمة اقتصادية خانقة”.

900 مليون دولار إنفاق الجزائر السنوي لاستيراد نحو مليوني طن من السكر وفق التقديرات

وبإقرار الحكومة تطبيق رسم على القيمة المضافة لمادة السكر بنحو 9 في المئة وحظر تصديره إلى جانب مواد أخرى تكون السلطات قد قطعت الطريق على طموح سيفيتال الخاص لتحقيق عائدات ضخمة.

لكن بقاء الاحتكار بيد المجمع يبقي السوق المحلية رهن توجهات ربراب في ظل غياب منافسة خاصة أو حكومية في مجال الصناعات الغذائية.

ورغم نجاح بعض التجارب المعزولة لإنتاج قصب السكر والشمندر السكري في البعض من ولايات (محافظات) الجنوب، مما أعطى الانطباع بإمكانية التقليص من التبعية للأسواق الدولية، فإن ربراب أكد في أحد تصريحاته أن طبيعة مناخ الجزائر واستهلاك الزراعات لكميات ضخمة من الماء تجعل من إنتاج السكر مشروعا مستحيلا.

وأشار أيضا إلى أن الإعفاءات الجمركية والامتيازات الممنوحة لمنتجي السكر محليا لن تكون لها أي جدوى هذه المرة.

وقال إن “إنتاج السكر في كل من الجزائر وتونس والمغرب وجنوب أوروبا مشروع غير قابل للتنفيذ وإذا أرادت الحكومة إنتاج السكر محليا فالمطلوب هو شراء أراض في مناطق استوائية في أفريقيا للتمكن من ذلك، وما عدا هذا فكل الخيارات الأخرى مستحيلة”.

وأثار تصريح رجل الأعمال الأول بالجزائر جدلا لدى الرأي العام والمختصين، حيث اتهمه البعض بـ”قطع الطريق على المحاولات المبذولة في إنتاج السكر محليا، من أجل الحفاظ على احتكاره وهيمنته على السوق المحلية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: