ضجة في الجزائر بسبب تسريب محتوى لقاء تبون وبلينكن: من المستفيد

بوشعيب البازي

طرح تسريب اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته الأخير إلى الجزائر تساؤلات في الساحة الجزائرية عن المستفيد من هذا التسريب والهدف من ورائه، وعما إذا كانت جهة جزائرية نافذة قد قامت به لإحراج تبون وقطع الطريق أمام أي تقارب مع واشنطن على حساب موسكو؟

ويبدو أن بلينكن الذي قام بـ”مسح” المنطقة على حد تعبير تقرير أميركي -حيث زار عدة دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظرف وجيز، ولم يخصص إلا ست ساعات من وقته لزيارة الجزائر- قد تعثر في نقل رؤية بلاده إلى السلطة الجزائرية بشكل مرن وسلس.

وأعقبت مغادرته الجزائر حملة تصريحات وتصريحات مضادة، وإن كان اللقاء قد تضمن ضغوطا أميركية على الجزائر بشأن المغرب وروسيا، وهو ما تنفيه السلطات الجزائرية، ليأتي التسريب وكأن الهدف منه تقديم الأدلة على مصداقية الرواية الأميركية التي نفاها مسؤولون جزائريون مثل الوزير والمستشار الرئاسي عمار بلاني.

وجاء التسريب الصوتي الذي نقل كلام تبون مع ضيفه الأميركي ليثير المزيد من التساؤلات عن الارتدادات المفتوحة للزيارة وتداعياتها المستقبلية على علاقات البلدين، وما الذي يجعل المشاورات الدبلوماسية تخرج من القنوات الرسمية إلى القنوات الأخرى؟

أكثر المقاطع صدما لمتابع الشأن الجزائري هو المقطع الذي تضمن إشارة تبون إلى إسرائيل وأن بلاده ليست لديها مشكلة معها

وتضاربت الروايات في الجزائر بشأن المصدر الأساسي الذي سرب التسجيل المذكور إلى شبكات التواصل الاجتماعي؛ فهناك من رجّح أن يكون أميركيا باعتبار أن الجزائر أرادت التعتيم على فحوى ومضمون الزيارة، ولذلك لجأت واشنطن في بداية الأمر إلى الإعلام والمواقع الرسمية الأميركية، وإزاء ردود الفعل الصادرة في الجزائر للتعقيب على تلك المحتويات عمدت الولايات المتحدة إلى تسريب الحديث برمته وعلى مدار نحو 27 دقيقة.

وفي المقابل تذهب رواية أخرى إلى أن التسريب هو فصل من فصول المؤامرة داخليا، التي تستهدف النيل من عبدالمجيد تبون، والتأكيد على أن الفريق الرئاسي لا يملك المؤهلات والكفاءات اللازمة لحماية أسرار رئيس الجمهورية، وأن الغرض منه هو إحراج الرئيس الجزائري أمام جهات تحدث عنها في كلامه وإظهاره في ثوب المسؤول غير المتحكم في أصول الدبلوماسية، خاصة في قوله “علاقة الأوليغارشية المحلية مع المافيا الروسية والإيطالية “، لاسيما وأن الكلام كان بحضور رئيس الدبلوماسية الأميركية.

ولعل أكثر المقاطع صدما لمتابع الشأن الجزائري هو المقطع الذي تضمن إشارة تبون إلى إسرائيل وأن بلاده ليست لديها مشكلة معها، على الرغم من حجم الدعاية الحكومية الجزائرية التي تصور العلاقة بين المغرب وإسرائيل على أنها خطر وجودي يهدد الجزائر.

وقال إن “الجزائر ليست لها مشكلة مع إسرائيل إلا القضية الفلسطينية، وإن موقفها ثابت في هذا الشأن”.

واكتشف الجزائريون أن رئيس دولتهم خاطب أنتوني بلينكن باللغة الفرنسية وهو ما يتنافى مع تشريعات الدستور ومع تقاليد الدبلوماسية، وبدا تبون الذي تكلم على مدار 27 دقيقة وكأنه يبرر موقفه، حيث كان يشرح ويفصل ودون توقف مختلف المواقف والملفات سواء المتصلة بالبلدين أو الإقليمية التي تهم الطرفين. ومن خلال التسريب ورط الرئيس الجزائري بلاده مع شركائها الروس والإيطاليين، حين تحدث عن جهودها في محاربة “الأوليغارشية المحلية ذات العلاقات الوطيدة مع المافيا الروسية والإيطالية “.

ورغم أن المسألة تتعلق بعصابات مافوية غير شرعية سواء كانت في الجزائر أو في موسكو أو روما إلا أنه لا يستبعد أن تثير توترا مع هؤلاء خاصة الروس بوجود وزير الخارجية رمطان لعمامرة في موسكو. كما أن مسؤولي شركة “إيني” البترولية الإيطالية موجودون في الجزائر لبحث التعاون في مجال الطاقة بين البلدين.

واستعرض الرئيس الجزائري وضع بلاده الداخلي مع ضيفه الأميركي، وشرح له الوضع في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما عبر له عن خصوصيات مجتمع بلاده والمحيط الجزائري الذي يحتم ديمقراطية معينة، قد تكون بعيدة عن أصول وأدبيات الديمقراطية الأميركية التي أشاد بها، لكنه لم يبد نية سلطته في الاستلهام منها.

كما تناول الوضع الإقليمي والمحيط المتوتر في المنطقة، بداية من الأزمة الليبية ودور المرتزقة في تعفين الأوضاع الداخلية، وفشل محاولات الحل السياسي بسبب أطراف إدارة الحرب بالوكالة، وعزم الجزائر على دعم الحل السياسي الانتخابي الذي يسمح لليبيين بالاختيار الحر، ثم عبر عن تخوّفه من إمكانية فشل اتفاق السلام المالي الموقع في بلاده عام 2015، بسبب بروز نخب سياسية وعسكرية تريد التنصل منه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: