النعم ميارة.. صحراوي مغربي يُضفي على مهامّه ثقلاً نوعياً

ماموني

تمكّن النعم ميارة، عضو اللجنة التنفيذية في حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، من الظفر برئاسة مجلس المستشارين، في أكتوبر 2021، ليقود هذا السياسي والنقابي القادم من أقاليم الجنوب، دبلوماسية موازية في الدفاع عن مصالح المغرب ووحدته الترابية، ويمثل هذا الوجه الصحراوي الأهمية القصوى التي يكتسيها الجانب البرلماني في التحفيز والمواكبة الفعالة للديناميكية التي تشهدها الدبلوماسية المغربية وحيويتها، بإيمانه بحل المشاكل والأزمات بطرق الحوار والتفاوض صونا للأمن والسلم، ونظرا للأهمية التي يوليها الدستور المغربي لتعزيز مبادئ التسامح والتعايش وترسيخها وحماية المواقع الدينية، فرئيس مجلس المستشارين مطالب، من موقعه بتكريس هذا الدور وتعزيز السلم والاستقرار والتعايش على المستويين الإقليمي والدولي.

الصحراء مركز الاهتمام

يتكامل دور ميارة على رأس مؤسسة مجلس المستشارين، بصفته أحد الوجوه الصحراوية المعروفة سياسيا ونقابيا، مع الزخم الذي يعرفه ملف الصحراء المغربية والاختراقات التي حققتها الدبلوماسية المغربية على كافة المستويات، آخرها الموقف الإسباني المؤيد والداعم لمقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية، الأكثر جدية وواقعية ومصداقية كحل للتسوية النهائية لهذا النزاع المفتعل. وهو ما اعتبرته نائلة التازي رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس ترجمة لرؤية ميارة، وموقفا منطقيا يفتح آفاقا جديدة مع إسبانيا وأوروبا للانكباب على التحديات الحقيقية، ما سيعزز العلاقات بين المغرب وإسبانيا، للانكباب على التحديات الحقيقية المتمثلة في التنمية ورفاه السكان.

◄ ترؤس ميارة لمجلس المستشارين، بصفته أحد الوجوه الصحراوية المعروفة سياسيا ونقابيا، يتكامل مع اختراقات هامة في ملف الصحراء حققتها الدبلوماسية المغربية، آخرها الموقف الإسباني الداعم لمقترح الحكم الذاتي

ميارة الذي ينحدر من مدينة السمارة درس في طانطان جنوب المغرب، ومنها بدأ مشواره الدراسي والسياسي، وهو يقود الآن مؤسسة تشريعية استراتيجية بالمغرب، ما يعني أن أهالي الأقاليم الجنوبية لهم نصيبهم غير المنقوص كغيرهم من مواطني المملكة في تدبير شؤون بلدهم من المواقع المؤسساتية المختلفة، وهي رسالة سياسية واضحة من الدولة المغربية التي تقول إن الرقعة الجغرافية من شمال المغرب إلى جنوبه تحكمها قوانين واحدة وسياسة موحدة.

بحكم انتمائه للأقاليم الجنوبية للمملكة، واطلاعه الجيد على ملف النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، يشدّد ميارة على الأدوار الجديدة التي يلعبها مجلس المستشارين لنصرة القضية الوطنية الأولى لكل المغاربة في المحافل الإقليمية والدولية، في انسجام مع الدبلوماسية الرسمية، ما يجعل مسؤوليته كبيرة في الرقي بالدبلوماسية الموازية، في إطار نهج اقتصادي من أجل ربح رهان التنمية بالمملكة عامة، وبالأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص.

المكتسبات التي حققها المغرب وفي مقدمتها تأمين معبر الكركرات وفتحه من جديد أمام الحركة التجارية، وكذا الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وفتح ما يزيد عن 24 تمثيلية قنصلية لدول شقيقة وصديقة بمدينتي الداخلة والعيون، جعل ملف الصحراء بكل جزئياته حاضرا في الدورة الأولى لمجلس المستشارين، حيث ساهم ميارة في احتضان المجلس لثلاث ندوات، الأولى لتقديم كتاب “الصحراء: أفول الشمولية” لمؤلفه الإسباني خوسي ماريا ليزونديا، والثانية نظمتها منظمة ”بدائل للطفولة والشباب“، حول وضعية الأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف، والآليات الدولية لحماية حقوق الطفل بمناسبة اليوم العالمي للطفل، وسعيا وراء تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال المحتجزون بالأراضي الجزائرية في خرق سافر لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وبروتوكولها الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة. أما الثالثة فكانت ندوة حول القانون المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين، ومعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، بالشراكة مع اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.

العاهل المغربي الملك محمد السادس حث ميارة في برقية تهنئته حين كلّف بمنصبه الحالي على ترسيخ المكانة المتميزة للمجلس في البناء المؤسسي الوطني، والرفع من أدائه، تشريعيا ورقابيا، مع مواصلة تفعيل دوره في مجال الدبلوماسية الموازية، وكل ذلك في تكامل وانسجام مع مجلس النواب، لما فيه خدمة الصالح العام، والدفاع عن القضايا العادلة للأمة. لهذا يسابق ميارة الزمن ليكون عند حسن الظن الملكي، بتشجيع مكونات المجلس على تفعيل القوة الاقتراحية لإضفاء قيمة مضافة فعلية وملموسة على المجلس بمهامه الكاملة، خاصة منها مواكبة مسار تفعيل النموذج التنموي الجديد.

الدبلوماسية الموازية

تعزيز السلم والتعايش على المستويين الإقيلمي والدولي على رأس اهتمامات مجلس المستشارين المغربي  

كان في برنامج ميارة تولّي موقع وزاري مّا، بعد فوز حزبه بالمركز الثاني في الانتخابات التشريعية والمهنية والمحلية في الخريف الماضي، لكن الهندسة الجديدة للحكومة وضعته على كرسي مجلس المستشارين وهي وظيفة مهمة وتتناسب مع قدراته السياسية وتمرّسه على العمل البرلماني لولايتين متتاليتين كمستشار عن الاتحاد العام للشغالين في المغرب في مجلس المستشارين، منذ عام 2009، وأعيد انتخابه في هذه الدورة أيضا.

وببراغماتية لافتة قال إنه غير مهم بمن استوزر، أو بعدد الحقائب، لكن المهم هو أن البرنامج الانتخابي لحزب الاستقلال سيطبق، ويبدو أنه انسجم مع موقعه الجديد في الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، عندما تحدث عن المحاور الأساسية لجعل المجلس الذي يرأسه مركزا استراتيجيا للتفكير المستقبلي للمغرب في ما يخص القضايا الكبرى، وفق عمل تكاملي للاضطلاع بالقضايا التي يخولها الدستور للبرلمان.

يولي ميارة من موقعه الدستوري المتميز في هيكل الدولة المغربية، وعبر الاختصاصات الموكولة إليه في مجالات التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية، اهتماما خاصا بتطوير علاقات المغرب الثنائية مع الدول، مرتكزا على تمرّسه السياسي ودعم حزبه، المشارك في الحكومة، وطموحه إلى استثمار البعد البرلماني في تنشيط تلك العلاقات التي تتميز بوتيرتها الإيجابية في مختلف المجالات والميادين، لإثبات جدارته كأحد صانعي القرار بالمملكة.

◄ النعم ميارة يقود دبلوماسية رصينة من كرسي رئاسة مجلس المستشارين

جدول أعماله يبقى مليئاً باللقاءات وتوقيع الاتفاقات، سواء على مستوى التعاون البرلماني مع الدول العربية أو الأوروبية ومع الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية في إطار التعاون جنوب – جنوب، خدمة للمصالح الثنائية وللقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وكنقابي يعرف ميارة جيدا ما الذي تعنيه الأجندة الاقتصادية في أيّ سياسة عامة، فقد وضع نصب عينه تطوير التعاون الاقتصادي ودعم الاستثمارات وتحقيق التنمية مع البلدان التي لها علاقات متقدمة مع المغرب، ودوره هو تسهيل التقارب بين رجال الأعمال، بفضل تركيبة المجلس الذي يرأسه والذي يضم المكونات الاقتصادية والمهنية والنقابية.

الدبلوماسية البرلمانية لها مكانتها البارزة في فكر ميارة السياسي، ما دفعه لإقناع وزارة الشؤون الخارجية ممثلة بالأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية، للدخول في اتفاقية تعاون مع البرلمان بمجلسيه، تجسيدا للرغبة المشتركة في وضع إطار مؤسساتي لتعاون بناء ومتكامل، وكتدشين لمرحلة جديدة من التعاون والتشاور المستمر، بما يمكّن من تقوية الأداء الدبلوماسي الوطني وتعزيز مكانة المغرب قاريا ودوليا، بهدف تعزيز قدرات المستشارين البرلمانيين في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وتزويدهم بالتحليلات الاستراتيجية والسياسية والأدوات المفاهيمية اللازمة من أجل التكيف مع محيط دولي معقد، والانخراط الفعال والجدي في سبيل الدفاع عن الثوابت والمصالح العليا للمملكة.

بين النقابي والسياسي

سلم العمل النقابي صعد عليه ميارة عبر تقلده العديد من المهام ضمن صفوف الاتحاد العام للشغالين، الذراع النقابية لحزب الاستقلال، بداية من المكتب الإقليمي للعيون جنوبا، وصولا إلى المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذي انتخبه عام 2009  في المؤتمر العام الوطني، ليكون بعدها عضوا باللجنة الدائمة.

وبتمرس كبير من أستاذه في السياسة حمدي ولد الرشيد، تمكن ميارة من إزاحة حميد شباط عن قيادة النقابة قبل أن يتم إبعاده من الحزب بصفة نهائية، بعد حرب طاحنة بين الطرفين، عندما اتهم شباط بزرع الفرقة في الحزب واستخدامه من أجل تطلعات شخصية ضيقة لن تفيد الاستقلاليين في شيء، كما قيل حينها.

◄ ميارة يتحدر من مدينة السمارة جنوب المغرب، ومنها بدأ مشواره الدراسي والسياسي، وهو يقود الآن مؤسسة تشريعية استراتيجية بالمغرب، ما يعني أن أهالي الأقاليم الجنوبية لهم نصيبهم غير المنقوص في تدبير شؤون بلدهم

والآن يجمع ميارة بين المهمتين النقابية والسياسية كعضو باللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أعلى سلطة تقريرية للحزب الذي يشارك في الحكومة، بعدما كان منسقا لشبيبة الاستقلال في الأقاليم الجنوبية، وعضوا في اللجنة المركزية لها وللمجلس الوطني للحزب لثلاث دورات متتالية.

قبل ثلاث سنوات انسحب ميارة من جلسات الحوار الاجتماعي مع الحكومة السابقة، وقرّر توسيع خطوات النضال ضد السياسة الحكومية التي قال إنها لم تكن في مستوى تطلعات الطبقة الشغيلة في المغرب، وأنها تعرّض المواطنين المغاربة عامة والطبقة الشغيلة خاصة لمختلف مظاهر القهر الاجتماعي والاقتصادي، بالارتفاع المهول لأسعار المواد الاستهلاكية، وإلغاء صندوق المقاصة وإفساد أنظمة التقاعد وغيرها من التدابير الحكومية اللاشعبية التي كانت لها انعكاسات سلبية على كافة المواطنين، وها هو الآن ضمن صانعي القرار على كافة المستويات التشريعية والسياسية، فماذا بإمكانه أن يفعل الآن؟

الحنكة والمرونة في تغيير الاتجاهات بما يخدم المصلحة السياسية حضرتا حين وضع ميارة مقارنة بين حكومة العدالة والتنمية والحكومة التي كان يقودها حزبه برئاسة عباس الفاسي. عندها قال إن الفرق شاسع حيث ترجم فلسفة حزب الاستقلال على أرض الواقع، و ذلك حين تمكّن من زيادة الأجور بشكل عادي جدا بمعدل 600 درهم لجميع الموظفين مع تخفيض أربع نقط من الضريبة على الدخل، إلى غير ذلك من الإنجازات التي حققها حزب الاستقلال، دون أن يلتفت إلى الانتقادات الحادة التي صاحبت تدبير حكومة حزبه للشأن العام وفشلها في عدد من الملفات.

ومع ذلك لم يتأخر ميارة في الدفاع عن الحكومة التي لم يشارك فيها كوزير، معتبرا أن برنامج حزبه متواجد بالبرنامج الحكومي العام بنسبة 70 في المئة، وكسياسي يحاول احتواء أيّ انتقادات لسياسة حزبه ونقابته، ويصر في كل حديث على  ضمان احترام حقوق المعارضة المضمونة دستوريا، مع إعطائها حيزا زمنيا أكثر مما يمنحه لها النظام الداخلي، من أجل رفع جودة دور مجلس المستشارين في مراقبة العمل الحكومي والتشريع، مع ما يبدو من ضعف للمعارضة البرلمانية أمام حكومة لديها أغلبية جد مريحة تهيمن على القرارين التشريعي والتنفيذي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: