جرّت شبهات تلاعب في صفقات عمومية في قطاع الصحة في المغرب 31 شخصا مرتبطين بالقطاع إلى التحقيق، في خطوة تعكس الجهود الحكومية في المملكة الرامية إلى مكافحة الفساد.
أحال المكتب الوطني لمكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية في المغرب 31 شخصا، منهم موظفون بوزارة الصحة، على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، للتحقيق معهم بشأن التلاعب في الصفقات العمومية في قطاع الصحة، والارتشاء، وإفشاء السر المهني واستغلال النفوذ في إطار الجهود الحكومية الرامية إلى مكافحة الفساد.
وجاءت الخطوة بعد أمر من النيابة العامة بالتحقق من شبهات تلاعب في تنفيذ وتمرير صفقات عمومية في قطاع الصحة خلال السنوات القليلة الماضية، مقابل مبالغ مالية مهمة تم الحصول عليها على سبيل الرشوة، وتوريد معدات طبية وشبه طبية مستعملة، وتواطؤ بعض الموظفين والمهندسين في المصالح المركزية والجهوية لقطاع الصحة في إفشاء السر المهني لفائدة متعهدي خدمات ومسيري شركات خاصة.
ومكّنت الأبحاث والتحريات المنجزة في هذه القضية من حجز مبالغ مالية مهمة بالعملة الوطنية لدى مهندسين بيوطبيين اثنين، تم تحصيلها على سبيل الرشوة، كما تم فحص وتدقيق ومراجعة الصفقات العمومية المشكوك فيها، فضلا عن تنفيذ أوامر قضائية بشأن عقل الممتلكات وتجميد الأموال والأرصدة المشتبه في كونها متحصلة من عائدات إجرامية.
وتابع الغلوسي أن “هذه القضية تكشف كيف يتم استغلال مواقع المسؤولية العمومية، للتلاعب بالمساطر وخرق القانون، إضرارا بالمجتمع وحقوقه في التنمية والعدالة، ومراكمة الثروة بطرق مشبوهة، من طرف مسؤولين وموظفين مؤتمنين على حقوق الناس”.ووصف محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تصريح لـه هذا القرار القضائي بـ”الجريء والشجاع”، الذي يتجاوب مع مطالب الجمعية بإجراء تحقيق في مواجهة العديد من المتهمين، من ضمنهم كوادر مركزية وجهوية وموظفون ومهندسون، يعملون بقطاع الصحة، فضلا عن أصحاب شركات.
وكانت هذه الصفقات موضوع تقرير لنواب في البرلمان أثار شكوكا حول سلامة تلك الصفقات، كما وجه تجمع جمعيات ومنظمات تعنى بحماية المال العام، شكوى إلى رئاسة النيابة العامة للتحقيق في هذه الصفقات.
وكان تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة بمجلس النواب حول الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة في ظل جائحة “كورونا”، فجّر فضائح من العيار الثقيل، وفقا لمراقبين، كان أبرزها إقدام الوزارة على صرف نحو 327 ألف دولار أميركي على عمليات استيراد مخالفة للقانون، بالإضافة إلى رصد “محاباة” لبعض الشركات على حساب أخرى.
وحسب التقرير، فإن عدد الشركات التي استفادت من صفقات عمومية بشكل غير قانوني خلال فترة الجائحة بلغ 45 شركة.
45عدد الشركات التي استفادت من صفقات عمومية بشكل غير قانوني خلال فترة الجائحة
ويأتي هذا المستجد بالتزامن مع التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، المرفوع للعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي أكد إحالة 22 ملفا على رئيس النيابة العامة الحسن الداكي، من أجل اتخاذ إجراءات قضائية بشأنها، لكون الخروقات والاختلالات المسجلة تكتسي صبغة جنائية.
وأوضح التقرير أنه اعتبارا لكون بعض الأفعال التي تكون موضوع متابعات أمام المحاكم المالية قد تندرج أيضا ضمن جرائم الاعتداء على المال العام، نصت المادة 111 من مدونة المحاكم المالية على أن المتابعات أمام المحاكم المالية لا تحول دون ممارسة الدعوى الجنائية.
وثمّن الغلوسي القرار الذي اتخذه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بخصوص هذه القضية، والمتعلق بحجز ممتلكات بعض المتهمين في هذه القضية، لافتا إلى أنه من شأن هذا الإجراء أن يوفر ضمانات لاسترجاع الأموال المنهوبة والمختلسة، علما أن مبالغ مالية مهمة ضبطت بحوزة بعض المتهمين تم حجزها.
وسبق للجمعية المغربية لحماية المال العام أن تقدمت بشكاية إلى رئاسة النيابة العامة، حول الاختلالات التي اعترت تدبير الصفقات العمومية خلال جائحة “كورونا”، وهي الاختلالات التي تحدث عنها التقرير البرلماني.
وأثارت حينها نقاشا مجتمعيا واسعا حول شفافية هذه الصفقات، خاصة وأن مبالغ مالية ضخمة قد خصصت لها، وتم تمرير هذه الصفقات بإجراءات استثنائية، خروجا على القواعد والمساطر الواردة بمرسوم الصفقات العمومية.
وتماشيا مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تمتد إلى غاية 2025، يتم تكثيف التنسيق بين الأطراف القضائية المعنية بالمغرب، بشأن معالجة الشكايات والتقارير ذات الصلة بالجرائم المالية وتبادل الوثائق المتعلقة بها والاجتهادات القضائية المتميزة، وذلك في أفق المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وألحت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، (رسمية)، أن تكون لدى جبهة مكافحة الفساد قدرة على الإلمام والاستباقية.
وأكد الغلوسي أن “المجتمع يضطر إلى دفع تكلفة الفساد ونهب المال العام، خصوصا في هذا القطاع، مقابل إرضاء جشع وهوس بعض المسؤولين، وهو ما يفرض قانونا على النيابة العامة المختصة فتح مسطرة الاشتباه في تبييض الأموال ضد المتورطين في هذه القضية، وحينها، سيكتشف الرأي العام حجم الثروات التي راكمها البعض، بطرق منحرفة”.