خلقت الخسائر الدبلوماسية لجبهة بوليساريو وداعمتها الجزائر حالة من التوتر القصوى داخل مخيمات تندوف، وقادت الجمعة إلى مواجهات قبلية إثر قيام عناصر “شرطة” ينتمون إلى قبيلة لبيهات باعتقال وتعذيب شبان تابعين لقبيلة منافسة.
وازداد الاحتقان الداخلي بعدما اعترفت إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، كحل واقعي وموضوعي وذي مصداقية، وهو التحول السياسي الذي فاجأ قيادة بوليساريو بعدما كانت تراهن على مدريد في استطالة أمد الصراع المفتعل. وليس مستبعدا أن تكون الجبهة قد سعت لتغذية الصراع القبلي للتغطية على هذا الفشل.
وهاجم أعضاء من قبيلة أولاد موسى (قبيلة الركيبات) حاجز مراقبة لبوليساريو عند مخرج المخيم المسمى “السمارة” باتجاه الرابوني (دائرة المهيريز)، وتم تقييد جميع الحراس والاعتداء عليهم، وأشعلوا النار في سياراتهم، وذلك انتقاما لسجن وتعذيب شبان منتمين إلى القبيلة كانوا قد اعتقلوا الأحد الماضي لدى الجبهة الانفصالية.
◙ الصراع على مراكز النفوذ داخل الجبهة هو الذي خلق هذا النوع من التمرد، إذ يتمحور الصراع بين مصطفى سيد البشير، من قبيلة الركيبات، والمسمى “وزير داخلية الجبهة”، منصور عمر
وإثر ضغوط مارستها القبيلة اضطرت جبهة بوليساريو إلى الإفراج عن الشبان المحتجزين الذين اتهموا “ضباط الشرطة” المنتمين إلى لبيهات بإهانتهم وتعذيبهم.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن الطبيعة القبلية لتنظيم بوليساريو باتت مفضوحة لدى قاطني مخيمات تندوف، لاسيما بعد الترهل والتفكك اللذين باتت تعاني منهما الجبهة مؤخرا بسبب الفوضى التنظيمية والفشل في تدبير أمور المخيمات، خاصة ما تعلق منها بنهب وسرقة المساعدات الإنسانية، إضافة إلى الهزائم والانتكاسات على المستويين العسكري والدبلوماسي، وهو ما انعكس على منظومتها القمعية التي باتت منفلتة.
وأوضح رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لـه، أن عودة قاطني مخيمات تندوف إلى الاصطفاف القبلي والحواضن العشائرية بهذا الشكل العلني ليست سوى نتيجة طبيعية لممارسات بوليساريو العنصرية والاستئصالية في حق المكونات القبلية الصحراوية، وللتوظيف القبلي الذي عكفت عليه الجبهة منذ فترة تأسيسها، حيث استهدفت الصحراويين بناء على أصولهم العرقية.
وقد شهد مخيم السمارة أحداث شغب واسعة تمثلت في حرق مقر للشرطة وبعض المكاتب الخاصة بالأمن الجزائري، لتشمل رقعة الاحتجاجات مخيم أوسرد الذي شهد هو الآخر إتلاف خزان الماء الخاص بالقطاع الشمالي، واختطاف ثلاثة عناصر من “شرطة” بوليساريو.
وكشف منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي “فورساتين” أن قيادة بوليساريو “حاولت اللعب على وتر القبلية وصورت الأمر على أنه صراع بين القبيلتين، وهو أمر لا علاقة له بالواقع الذي يثبت أن القبيلتين تواجهان معا قيادة بوليساريو”.
وأضاف “فورساتين” أن قيادة الجبهة الانفصالية لجأت إلى المجلس الاستشاري لشيوخ القبائل طلبا لتدخله من أجل إخماد الفوضى داخل المخيمات، قبل أن تقرر مواجهة احتجاج سلمي نظمته قبيلة الركيبات أولاد موسى بالتنكيل بالمتظاهرين واعتقال البعض منهم، وأمعنت في تعذيب المعتقلين وإهانتهم.
وحاول ما يسمى بـ”وزير داخلية” الجبهة الانفصالية التفاوض مع الخاطفين، الذين يتكونون من شباب قبيلتَيْ أولاد موسى والسواعد الغاضبين على تصرفات بعض أطر لبيهات داخل استخبارات الجبهة، متهمين إياهم باستهدافهم دون سواهم.
وأبلغ شيوخ لبيهات زعيم بوليساريو إبراهيم غالي بأن أي استهداف لأطرهم، أو المس بها، يعني استهدافا للقبيلة برمتها. كما طالبوا بتعيينات وازنة في ما يسمى بـ”السلك الدبلوماسي” للجبهة، لأنهم يستحقونها، وهو ما يؤكد على وجود شرخ واضح داخل قيادة الجبهة الانفصالية، والتي تأثرت بالهزائم السياسية والدبلوماسية المتتالية على أكثر من جهة.
وزاد من حدة الاحتقان القبلي منع إبراهيم غالي تسعة صحراويين من الترشح لما يسمى بـ”البرلمان الصحراوي” في مخيمات تندوف، ما جعل من يسمى وزير الخارجية محمد سالم ولد السالك يحثه على العدول عن هذا القرار وعدم التصعيد ضد قبيلة الأنصار أولاد تيدرارين واستحضار مكانة ورمزية القبيلة وامتدادها داخل تنظيمات وهياكل جبهة بوليساريو، محذرا من انعكاسات هذه الحرب على استمرار مشروع بوليساريو ككل.
وتقول مصادر صحراوية إن “الصراع على مراكز النفوذ داخل الجبهة هو الذي خلق هذا النوع من التمرد، إذ يتمحور الصراع بين مصطفى سيد البشير، من قبيلة الركيبات، والمسمى ‘وزير داخلية الجبهة’، منصور عمر، خصوصا بعد أن صرح سيد البشير في بداية السنة الجارية بأن بوليساريو ليست دولة، وأن الجميع مجرد لاجئين، وأن إبراهيم غالي ليس رئيسا وإنما هو لاجئ مثل الجميع”.
ويستغل منصور عمر، لأجل تموقع جيد في الفترة المقبلة، تأجيج الأزمة القبلية بين لبيهات وأولاد موسى التي تطمح هي الأخرى إلى عضوية أمانة بوليساريو.
وفي هذا الصدد أكد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن “المحاصصة القبلية هي المحدد والمعيار لنيل حظوة الرعاية الجزائرية، وهي الفيصل في تقاسم امتيازات القيادة والزعامة في التنظيم”، موضحا أن “بوليساريو لم تؤطر المنضوين فيها بناء على القناعات أو الأفكار أو المشاريع السياسية، وإنما عبر توظيف العصبيات القبلية والعشائرية واللعب على الوتر العنصري والشوفيني”.
وخلص رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أن ما يفسر المحاصصة القبلية هو استقطاب بوليساريو لعدد من المنتمين إلى مناطق أخرى خارج إقليم الصحراء، وذلك استهدافا لأبناء الإقليم وتهميشهم.