تبعث المناورات العسكرية “شركي” التي تجري بين الجيشين المغربي والفرنسي في محافظة الرشيدية الواقعة في “المنطقة الشرقية” المغربية برسائل مفادها أن باريس والرباط تسعيان لتعزيز التعاون العسكري الثنائي بينهما على وقع تحديات يواجهها كلا الطرفين خاصة فرنسا التي تواجه مأزقا في منطقة الساحل الأفريقي.
تُجري فرنسا والمغرب مناورات عسكرية تحت اسم “شركي 2022” في خطوة تعكس سعي كلا الطرفين لتعزيز التعاون بينهما. وتعتبر هذه المناورات، التي انطلقت منذ الأول من مارس في الرشيدية الواقعة في “المنطقة الشرقية”، أولى الأنشطة الدولية التي تشرف عليها قيادة هذه المنطقة الحديثة التأسيس، منذ تعيين قيادتها وهيئة أركانها رسميا مطلع يناير 2022.
وأوضحت القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية في المغرب أنه “تم تنفيذ أعمال التخطيط لهذا التدريب بشكل مشترك بين المسؤولين العسكريين في البلدين منذ سبتمبر الماضي في فرنسا والمغرب”.
ويرى مراقبون أن كلا البلدين يوليان أهمية كبيرة للتعاون العسكري والبعد الأمني نظرا للتحديات التي تعترضهما.
وأكد محمد الطيار الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية أن “إجراء تدريب عسكري مشترك بين القوات المسلحة الملكية والجيش الفرنسي بالمنطقة العسكرية الثالثة يعد الأول من نوعه منذ الإعلان عن إحداثها، ومن المنتظر أن يكون هذا التدريب المشترك محطة سنوية بين الدولتين، بحكم التحديات الأمنية والعسكرية المطروحة بالنسبة إلى فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي”.
وأضاف الطيار أن “من شأن هذا التدريب المشترك جعل المسؤولين العسكريين الفرنسيين يعاينون الخبرة التي اكتسبها الجيش المغربي من حرب الصحراء المغربية، وهي منطقة لصيقة بمنطقة الساحل الأفريقي، ولا تختلف تضاريسها كثيرا عنها”.
هشام معتضد: المناورات تترجم عمق التعاون بين الرباط وبقية الدول
وتهدف هذه المناورات للوقوف على مدى جاهزية القوات على مستوى القطاع وقدرتها على القيام بمهام في إطار متعدد الأسلحة والجنسيات، كما يهدف لتعزيز قابلية التشغيل البيني بين القوات المغربية والفرنسية، مع تعزيز قدرات التخطيط وتطوير التشغيل البيني التقني والعملياتي بين قوات البلدين.
وتتم هذه التدريبات بشكل دوري في إطار التعاون العسكري بين البلدين، وفق ما أفادت السفارة الفرنسية في المغرب، حيث كان آخرها في الفترة من الثالث والعشرين من مايو إلى الثالث من يونيو 2021 في منطقة ورزازات في الجنوب الشرقي للمغرب.
ويؤكد مراقبون أن محافظة الرشيدية تعتمد على المنطقة الشرقية الجديدة التي أقيمت في الخامس من يناير 2022 على مستوى القوات المسلحة الملكية لضمان تماسك القيادة والسيطرة والدعم للمكونات البرية والجوية والبحرية، في إطار أسلحة مشتركة من أجل الحصول على المزيد من المرونة وحرية العمل اللازمة وإنجاز المهام المختلفة، والاستجابة للتهديدات المفترضة.
وفي مناورات “شركي 2022” تم حشد من جانب الجيش الفرنسي وسائل جوية مختلفة، بما في ذلك لواء القتال الجوي الرابع، وعناصر من مشاة البحرية، بما في ذلك العربات المدرعة، وستة من طراز “Gazelle” و”Puma” و”Cayman”، وفقا لبيان السفارة الفرنسية.
وحضرت سفيرة فرنسا بالرباط هيلين غال التمارين الختامية لمناورات ورزازات 2021 بين الطيران الخفيف للقوات البرية الفرنسية ووحدات القوات المسلحة الملكية التي أقيمت بميدان الرماية التابع للقطاع العملياتي صاغرو بالقرب من مدينة ورزازات.
ويأتي تمرين “شركي 2022” موازيا للنجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية النشطة في تحقيق عدة اختراقات في الدفاع عن سيادة المملكة على إقليم الصحراء خصوصا بعد موقفي إسبانيا وفرنسا، اللذين جاء بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العاشر من ديسمبر الماضي.
ويأتي ذلك في وقت يعزز فيه المغرب تعاونه العسكري مع عدة قوى دولية على غرار الولايات المتحدة حيث أفادت القوات المسلحة الملكية المغربية أن تمرين “الأسد الأفريقي 2022″ سيتم تنظيمه في الفترة ما بين العشرين من يونيو والأول من يوليو المقبلين بمناطق أكادير وطانطان والمحبس بجنوب المغرب، وتارودانت والقنيطرة وبن جرير، عقب توقيع اتفاق عسكري تاريخي في الثاني من أكتوبر الماضي يمتد من 2020 إلى 2030، لتقوية التعاون العسكري والأمني ودعم تعزيز الصناعة العسكرية الوطنية.
وقال الطيار “من المنتظر أن تشهد العلاقات الثنائية تطورا كبيرا في ظل ما يشهده المغرب من زخم على جميع المستويات، بما فيها مجال التصنيع العسكري الذي من المتوقع أن يحتل فيه المغرب موقعا مهمّا، كما يعتبر المغرب بوابة الشركات الفرنسية إلى أفريقيا، ومن شأن الموقف المشترك للدول الأوروبية من قضية سيادة المغرب الكاملة على صحرائه أن يدفع فرنسا إلى المزيد من توطيد العلاقة مع المغرب عسكريا وأمنيا وسياسيا والذي برهن أنه دولة موثوق بها، ومركز الثقل من أجل ترسيخ السلم والأمن الدوليين في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي”.
واعتبر هشام معتضد الأكاديمي والمحلل السياسي، في تصريح لـه ، أن “المناورات العسكرية التي تقام على أرض المغرب تترجم مدى عمق التعاون العسكري بين الرباط وتلك الدول على مستوى تبادل الخبرات العسكرية وتعزيز المهارات المهنية في ميدان الدفاع الأمني المشترك وذلك من خلال تدريبات عسكرية دقيقة وذات أهداف محددة تهدف إلى تأهيل الجنود على مواجهة تحديات معقدة”.