كان الرئيس الأميركي السابق قد تحدث بسخرية عن الوباء الصيني فاحتجت الصين مستاءة.
كان على العالم أن يصمت خشية الوقوع ضحية لصراع العملاقين. بل كان عليه أن ينفي أن الصين هي التي صدّرت كورونا.
يومها افتضحت أسرار العلاقة السيئة بين محطات الوقاية ومعامل الأدوية. كان على البشرية أن تنتظر بطريقة سلبية في المكان الذي يجعلها تعترف بهزيمتها.
لقد هُزمت لأنها لا تملك سوى الانتظار الذي هو جزء من عملية التلقين الذي تمارسه أجهزة الإعلام مضافا إليها أدوات العالم الافتراضي الذي انفتح على نظريات المؤامرة.
◙ أوروبا التي أنتجت اللقاحات اكتشفت أن عليها أن تنتقل من الدفاع إلى الهجوم وهي لا تفكر اليوم بالأخلاق
كائن غير مرئي نشر الذعر في مليارات البشر في كل مكان مرئي وأعاد إلى السياسيين بريقهم. لقد وجد صناع القرار في كورونا مناسبة يفرضون من خلالها حالة طوارئ لا يمكن مقاومتها بالرغم من أن الألسن كانت محمّلة بكلام يناهضها. غير أن الموت هذه المرة لا يشبه أيّ موت آخر. لقد حصدت آلته الأطباء كما لو أنهم لا يملكون تلك القدرة الاستثنائية على الانتصار على المرض.
كان الوباء مرضا سياسيا، صار الزعماء يصابون به من أجل ألاّ يهبوا الآخرين فرصة النيل منهم باعتبارهم يقيمون في أبراج عالية. يومها حق لكل السياسيين أن يستعرضوا فقههم ليصححوا الأخطاء المتراكمة وينالوا من فكرة الصواب التي لم يعد الخائفون قادرين على التمسك بها. الصغير قبل الكبير قال رأيه ملتزمين بواجبهم في الحفاظ على شعوبهم التي هُدرت كرامتها قبل كورونا وفي ظله.
لقد انتصر الخوف مثلما لم تفعل الجيوش والأجهزة القمعية. صغر الإنسان بعد أن اتضح له أن كل إنجازاته العبقرية لم تعد كفيلة بحمايته، وهربت الدول الكبيرة بخيلائها مسلوبة الإرادة يعد أن كانت قادرة على مد يدها إلى كل مكان واصطياد البعوضة قبل الفيل.
هل وصل العالم يومها إلى مرحلة التوازن في ظل الخوف؟ تلك كذبة صدقها الكثيرون يوم أخفت الدول الصغيرة والمغلوبة على أمرها العدد الحقيقي لموتاها وصارت الدول المتعالية تبالغ في عدد موتاها، كما لو أنها تود أن تقول “إن كل شيء تغير. ولم يعد الفقر عيبا. وإن كل شيء في الماضي قد تم طيه وصار القناع يُخفي الأكواخ والأبراج معا كما لو أنهما الشيء نفسه”.
تلك مزحة في عالم لا يزال قادرا على الضحك في مواجهة الموت.
وبرغم اللقاحات والسباق عليها والتشكيك بها والخوف منها والصراع من أجل جني الأموال من خلالها فقد كان هناك شعور بأن الوباء الصيني سيستمر وسيجدد قوته ولم تكن فكرة التعايش معه إلا وسيلة للقبول بالموت المجاني.
لقد وقعت الكارثة وليس هناك ما يُشير إلى أنها في طريقها إلى أن تكفّ عن تصدير تجلياتها. مَن لم يصب بالفايروس فإنه سيكون في طريقه لملاقاته باعتباره قدرا لا يمكن الفرار منه.
صُدم الكثيرون حين قال رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون إن علينا أن نودع أحباءنا غير أنهم في ما بعد اعتبروا كلامه نبوءة ملهم وحين اكتشفوا أنه لم يكن مهتما بالوقاية من الوباء على المستوى الشخصي لم يتراجعوا عن إعجابهم بقوة نبوءته.
◙ كان الوباء مرضا سياسيا، صار الزعماء يصابون به من أجل ألاّ يهبوا الآخرين فرصة النيل منهم باعتبارهم يقيمون في أبراج عالية
بعد كل ذلك الموت وتلك الأرقام المرعبة قرر السياسيون وفي مقدمتهم جونسون أن ينهوا فصول الجحيم ويعيدوا الكرة الأرضية إلى سابق عهدها. إنها كروية وتدور حول الشمس وأن القبلة بين البشر هي الشيء الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
انتهت أزمة كورونا بهزيمة طرف ما هو البشرية بالتأكيد. التعايش هو السلوك الأسلم وأن القطيع ينبغي أن يكون على استعداد للقبول بكل النتائج المترتبة على قطيعيّته.
علينا ألاّ ننتظر اعترافات من نوع يسبب الإحباط ويهدم ما بناه عصر كورونا. كانت تجربة في العبودية وقد نجحت. وكان الموت خير مساعد على الإذلال. علّق البشر خيوطهم في مكان سريّ أضاعوا فيه كرامتهم وقدرتهم على الرفض والاحتجاج. أما المحتجون فإنهم تأخروا كثيرا في استعراض عضلاتهم وضاعت أصواتهم بين التفاصيل.
انتهى زمن كورونا وبدأ زمن أوكرانيا. والقضيتان سياسيتان. أوكرانيا هزمت كورونا. والفضل كله يعود إلى صراع متجدد بين عملاقين. أوروبا التي أنتجت اللقاحات اكتشفت أن عليها أن تنتقل من الدفاع إلى الهجوم وهي لا تفكر اليوم بالأخلاق. ليس لديها وقت لإنقاذ البشرية التي سبق لها أن طحنتها باستعمارها.
زمن كورونا كان مساحة للفرجة.