نكاد نبكي عن حجم هجرة المهندسين و الأطباء والمفكرين إلى بلاد أوروبية أو أمريكية أو خليجية. بعضنا يصنع خطابا عن استغلال الدول المستقبلة للاطر لمجهودات بدلها نظامنا التعليمي و كلفت ملايير الدراهم.
البعض الآخر يحول سهامه الايديولوجية ليشكك في هشاشة الارتباط بالوطن لدى كفاءات المغرب العاملة بالخارج و قليل من المعلقين و الدارسين و المحللين يربطون هجرة الادمغة “بالحكرة ” و أسلوب ” باك صاحبي” و استيلاء ذوي النفوذ على قرارات التوظيف في مراكز المسؤولية التي تضمن الراتب السمين و المزايا التي لا تحصى.
و دون تعميم وجبت الإشارة أن بعض مؤسسات القطاع الخاص تبحث عن الكفاءات في الوقت الذي تخضع فيه أغلب مؤسسات العام لمنطق تبادل المصالح بين مسؤولين و عائلات ذات نفوذ.
و لو كانت الشفافية سيدة الموقف لوقفنا على لوائح الاطر العليا ذات الوضعية المربحة في القطاع العام و ربطناها بالعلاقات الأسرية و بمناصب الآباء سياسيا واجتماعيا و حتى دينيا. ولو فتحت أبواب هذه الشفافية على أشدها وعبرت فئات من الأطر العاملة بالقطاع العام عن ما تعانيه من حيف أمام زمرة من المحظوظين غير المؤهلين، لفهمنا و تفهمنا لماذا تهاجر الادمغة و لماذا تكسر أجنحة المتميزين من أبناء الشعب أمام أبناء النخبة الذين ولدوا و في فمهم ملعقة من ذهب كما يقال. الأمثلة كثيرة و خصوصا في مؤسسات القطاع العام. تفاوتات في الراتب بين حاملي نفس الشهادات و ربما بتفاوت في الخبرة و الأداء المهني و الاقدمية.
نعم الأمثلة كثيرة و تهم قطاعات عدة. آخ رئيس لهيئة تأمين في مجال صناعي او تجاري او فلاحيلا شهادات جامعية لدية يعين مديرا يرأس من هم أكثر منه علما و تجربة و كفاءة و شهادات. أبناء فلان و علان السياسي المحنك يتخرجون من معهد او جامعة ليضعوا أول خطواتهم على المسلك المؤدي إلى كرسي المسؤول الأول و المحظوظ الأول.
و قد يقال أن الإختيار تم بعد إختبار و تلك كذبة كبرى همشت الكثير من الكفاءات و دفعت بالكثير منهم إلى تفضيل الاغتراب في الخارج على الشعور بالغربة في الداخل. بعضهم إختار بصدق نية الرجوع إلى بلاده و في أول فرصة رجع مسرعا إلى منصبه في بلاد الغربة التي تنصفه و لا تعترف إلا بكفاءته و ليس بحسبه و نسبه.
طالما تسود “الحكرة” وأسلوب ” باك صاحبي” ستستمر علاقات الود و المصلحة و ضمان المستقبل بين الكفاءات المغربية بالخارج مع الدول التي احتضنتهم في إطار علاقات تعاقدية تضمن حقوقهم و تنصفهم بناءا على يقدمون لها. و على من يرفعون شعارات جوفاء عن هجرة الكفاءات أن يلتفتوا إلى واقع إستغلال النفوذ و الشبكات العائلية وتبادل المصالح لكي يعرفوا أن الجرح الإجتماعي عميق في نفوس العديد ممن لا زالوا متشبتين، لسبب أو لآخر، بعدم مغادرة البلاد.
آلاف المهندسين و الأطباء و خبراء أسواق المال و البحث العلمي يوجدون خارج البلاد، لكنهم مسكونون بحبها و حاملون لهمومها و مساهمون في اقتصادها عبر تحويلاتهم و استثماراتهم. و كم نحن محتاجون لكفااتهم في كل المجالات.